نور البصيرة
قال الله تعالى: (أوَ مَن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمَن مثله في الظلمات ليس بخارجٍ منها. كذلك زُيّن للكافرين ما كانوا يعملون). {سورة الأنعام: 122}.
فهذا مثل للذي هداه الله بعد الضلالة، وأضاء بصيرته بنور الحجج والآيات، يتأمل بها الأشياء فيميز بين الحق والباطل. ويجد في قلبه هذا النور، فتتكشف له حقائق الوجود وحقائق الحياة وحقائق الناس وحقائق الأحداث التي تجري في هذا الكون وتجري في عالم الناس، ويجد في قلبه هذا النور فيجد الوضوح في كل شأن وفي كل أمر وفي كل حدث، يجد الوضوح في نفسه وفي نواياه وخواطره وخطته وحركته، ويجد الوضوح فيما يجري حوله، سواء من سنة الله النافذة أو من أعمال الناس ونواياهم وخططهم المستترة والظاهرة، ويجد تفسير الأحداث والتاريخ في نفسه وعقله وفي الواقع من حوله كأنه يقرأ من كتاب، ويجد في قلبه هذا النور فيجد الوضاءة في خواطره ومشاعره وملامحه، ويجد الراحة في باله، ويجد الرفق واليسر في إيراد الأمور وإصدارها وفي استقبال الأحداث واستدبارها، ويجد الطمأنينة والثقة واليقين في كل حالة وفي كل حين.
أسباب تحصيل البصيرة:
- صِدْق الإيمان بالله ورسوله. قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كِفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم). {سورة الحديد: 28}.
- التقوى تقود إلى نور البصيرة. قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفّر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم). {سورة الأنفال: 29}. فإذا اتقى العبدُ ربّه، باتباع أوامره واجتناب نواهيه وترك الشبهات مخافة الوقوع في المحرمات، وشحن قلبه بالنية الخالصة وجوارحه بالأعمال الصالحة، وحفظ نفسه من شوائب الشرك الخفي والظاهر بمراعاة غير الله في الأعمال والركون إلى الدنيا بالعفة عن المال الحرام، جعل له بين الحق والباطل فرقاناً، ورزقه فيما يريد من الخير إمكاناً.
- صِدْق اتباع السنة ظاهراً وباطناً. فالطريق إلى الله مسدود على خلق الله عز وجل إلا على المقتفين آثار النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة). {سورة الأحزاب: 21}. وقليل في سُنّة خير من كثير في بدعة، وهذا يستلزم تعلم السنة، وتقديمها في الأصول والفروع على قول كل أحد وهديه، كما قال ابن القيم في شأن الهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالقلب: "سَفَرُ النفس في كل مسألة من مسائل الإيمان، وحادثة من حوادث الأحكام، ومنزلة من منازل القلوب إلى منبع الهدى، ومصدر النور المتلقى من فم الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، فكل مسألة طلعت عليها شمس رسالته وإلا فاقذف بها في بحر الظلمات، وكل شاهد عدّلَه هذا المزكي وإلا فعُدّه من أهل الريب والتهمات".
إنّ نور البصيرة عبق من الجنة، يأنس به الموحّدون الذين نزّهوا الخالق عن أي شائبة من شوائب الشرك، فانقادوا له، لا يقدّمون قولاً على قوله، ولا أمراً على أمره، ولا نهياً على نهيه.
أولئك هم المفلحون.. أولئك هم المفلحون.
وسوم: العدد 784