تأملات في القران الكريم ح416، سورة القلم الشريفة
للسورة الشريفة جملة من الفضائل والخصائص , لعل ابرزها ما جاء في كتاب ثواب الاعمال عن الصادق عليه السلام : من قرأ سورة ن والقلم في فريضة أو نافلة آمنه الله عز وجل من أن يصيبه فقر أبدا وأعاذه الله تعالى إذا مات من ضمة القبر .
بسم الله الرحمن الرحيم
ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ{1}
تستهل السورة الشريفة بحرف ( ن ) , الذي يختلف فيه المفسرون , فمنهم من يرى :
1- انه من الحروف المقطعة في اوائل السور .
2- انه اسم من اسماء النبي الكريم محمد "ص واله" , على ضوء الرواية التي يوردها بعض المفسرين ومنهم الفيض الكاشاني في تفسيره الصافي ج5 : عنه عليه السلام قال إن لرسول الله صلى الله عليه وآله عشرة أسماء خمسة في القرآن وخمسة ليست في القرآن فمحمد وأحمد وعبد الله ويس ون صلى الله عليه وآله .
3- ويرى اخرون انه نهر في الجنة كما في رواية : عن سفيان عن الصادق عليه السلام قال وأما فهو نهر في الجنة قال الله عز وجل اجمد فجمد فصار مدادا ثم قال عز وجل للقلم اكتب فسطر القلم في اللوح المحفوظ ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة فالمداد مداد من نور والقلم قلم من نور واللوح لوح من نور قال سفيان فقلت له يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله بين لي أمر اللوح والقلم والمداد فضل بيان وعلمني مما علمك الله فقال يا بن سعيد لو لا أنك أهل للجواب ما اجبتك فنون ملك يؤدي إلى القلم وهو ملك والقلم يؤدي إلى اللوح وهو ملك واللوح يؤدي إلى إسرافيل وإسرافيل يؤدي إلى ميكائيل وميكائيل يؤدي إلى جبرئيل وجبرئيل يؤدي إلى الانبياء والرسل صلوات الله عليهم قال ثم قال لي قم يا سفيان فلا أمن عليك .
( وَالْقَلَمِ ) , يقسم الباري جل وعلا بالقلم الذي يكتب به كل شيء في اللوح المحفوظ , ( وَمَا يَسْطُرُونَ ) , كل ما يسطره الملائكة الموكلون باللوح المحفوظ , وعلى رأي اخر ما يسطره الناس من العلوم في الكتب .
مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ{2}
تضمنت الآية الكريمة جواب القسم ( مَا أَنتَ ) , يا محمد "ص واله" , ( بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ) , نفي ان يكون "ص واله" مجنون بما انعم الله تعالى عليك بالنبوة وسديد الرأي وغير ذلك , وهو رداً لقول المشركين { وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ }الحجر6 .
وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ{3}
تستمر الآية الكريمة مخاطبة الرسول الكريم محمد "ص واله" ( وَإِنَّ لَكَ ) , على تحملك الاعباء والمشاق في اداء الرسالة , ( لَأَجْراً ) , ثوابا , ( غَيْرَ مَمْنُونٍ ) , غير مقطوع , او غير ممنون به عليك , بعض الاعراب والمنافقين كانوا يمنون اسلامهم على النبي "ص واله" وكأن لهم الفضل به عليه "ص واله" وهو ما جاء في الآية الكريمة {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }الحجرات17.
وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ{4}
تستمر الآية الكريمة مخاطبة الرسول الكريم محمد "ص واله" مادحةً اياه ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) , على دين , او ما اشتمل عليه القرآن من مكارم الاخلاق , فمثلها الرسول الكريم محمد "ص واله" افضل تمثيل , اذ احتمل من قومه ما لا يحتمله غيره , حتى ورد عنه "ص واله" انه قال : ما اوذي نبي مثل ما أوذيت .
مما يروى عنه "ص واله" انه قال : أدبني ربي فأحسن تأديبي .
( عن الصادق عليه السلام إن الله عز وجل أدب نبيه فأحسن أدبه فلما أكمل له الادب قال إنك لعلى خلق عظيم ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ{5}
تستمر الآية الكريمة مخاطبة الرسول الكريم محمد "ص واله" مضيفة ( فَسَتُبْصِرُ ) , عن قريب سترى , ( وَيُبْصِرُونَ ) , وقريبا هم يرون عيانا .
بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ{6}
تستمر الآية الكريمة مخاطبة الرسول الكريم محمد "ص واله" ( بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ ) , أيكما افتتن بالجنون , انت ام هم ! .
مما يروى في سبب نزول الآية الكريمة , انها نزلت "على ارجح الآراء" في الوليد بن المغيرة كان يمنع عشيرته عن الاسلام وكان موسرا وله عشر بنين فكان يقول لهم وللحمته من أسلم منكم منعته رفدي .
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ{7}
تستمر الآية الكريمة مخاطبة الرسول الكريم محمد "ص واله" مقررة ( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ) , بمن شقي وضل وابتعد عن طريق الحق , ( وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) , وهو جل وعلا اعلم بمن اهتدى وسلك طريق الحق .
فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ{8}
تستمر الآية الكريمة مخاطبة الرسول الكريم محمد "ص واله" ناهية ( فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ ) , لا تطع الكفار الذين كذبوك , واثبت على ما انت عليه .
وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ{9}
تستمر الآية الكريمة مخاطبة الرسول الكريم محمد "ص واله" محذرة ( وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ ) , تمنوا ان تلين لهم , ( فَيُدْهِنُونَ ) , فيلينون لك .
وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ{10}
تستمر الآية الكريمة مخاطبة الرسول الكريم محمد "ص واله" ناهية ( وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ ) , كثير الحلف , ( مَّهِينٍ ) , حقير النفس او حقير الرأي .
هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ{11}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( هَمَّازٍ ) , مغتاب عياب للناس , طاعناً فيهم , ( مَّشَّاء بِنَمِيمٍ ) , كثير المشي سعيا بنشر النميمة بين الناس , ينقل كلام بعضهم الى بعض , على وجه الافساد , وقيل هو من كان ينم على رسول الله صلى الله عليه وآله ويهمز بين أصحابه , وهو الوليد بن المغيرة .
مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ{12}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ ) , كثير المنع للناس عن عمل الخير , وايضا شديد البخل , فلا ينفق في موارد الحقوق , ( مُعْتَدٍ ) , كثير التجاوز بالظلم , ( أَثِيمٍ ) , كثير الاثم .
عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ{13}
تستمر الآية الكريمة ( عُتُلٍّ ) , غليظ جاف الطبع والمزاج , ( بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ ) , فاحش , لئيم , دعي , منسوب الى غير ابيه , وهو الوليد بن المغيرة على اغلب الآراء , وقال عنه السيوطي في تفسيره الجلالين " ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة قال ابن عباس لا نعلم أن الله وصف أحدا بما وصفه به من العيوب فألحق به عارا لا يفارقه أبدا وتعلق بزنيم الظرف قبله" .
( سئل النبي صلى الله عليه وآله عن العتل الزنيم فقال هو الشديد الخلق الشحيح الاكول الشروب الواجد للطعام والشراب الظلوم للناس الرحب الجوف وعنه عليه السلام لا يدخل الجنة جواظ ولا جعظري ولا عتل زنيم قيل فما الجواظ قال كل جماع مناع قيل فما الجعظري قال الفظ الغليظ قيل فما العتل الزنيم قال كل رحب الجوف سئ الخلق أكول شروب غشوم ظلوم .
وعن علي عليه السلام الزنيم هو الذي لا أصل له .
عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن قوله تعالى عتل بعد ذلك زنيم فقال العتل العظيم الكفر والزنيم المستهتر بكفره ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ{14}
تضيف الآية الكريمة ( أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ ) , لأجل انه كان صاحب اموال طائلة وكثرة في الاولاد , طغى وتكبر .
إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ{15}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا ) , آيات القرآن , ( قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) , قال عنها "انها اكاذيب واباطيل وخرافات الامم السابقة" , من فرط غروره بكثرة المال والاولاد .
سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ{16}
تضيف الآية الكريمة ( سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ ) , سنضع علامة على انفه , يعير ويفتضح بها ما عاش , وهذا ما كان في يوم بدر , حيث اصيب الوليد بن المغيرة بضربة سيف على انفه , بقي اثرها كعلامة بارزة عليه , وفي ذلك غاية الاذلال , لما تعارف لدى عرب الجاهلية من الانفة , كانوا يجدعون انوف خصومهم اذلالا لهم , وكذلك المثل المنتشر بينهم ( رغم انفه ) .
وسوم: العدد 810