( إن الدين عند الله الإسلام )
من المعلوم أن الله عز وجل قد أخبر في الرسالة الخاتمة المنزلة على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أنه خلق الإنسان ليطيعه ، وتكون طاعته عبارة عن خضوع وانقياد له بتذلل فيما شرع له من قول وعمل ، وسمى ذلك الخضوع إسلاما، علما بأن هذه اللفظة في اللسان العربي تعني الدخول في السلم كما ذهب إلى ذلك أهل اللغة قياسا على قولهم : "أقحط الناس" إذا دخلوا في قحط ، و" أربعوا " إذا دخلوا في ربيع . والداخل في السلم يكون بالضرورة خاضعا خضوع تذلل .
واستشهد بعض المفسرين على أن دلالة لفظة " دين" في اللسان العربي تدل على الخضوع مع التذلل كما تشهد بذلك بعض الأشعار منها قول الشاعر :
أي كانوا مطيعين وخاضعين على وجه الذل .
وقول الشاعر القطامي :
كانت نوار تدينك الأديانا
أي كانت تمعن في إذلالك
وبناء على هذا يعتبر الإسلام دخولا في طاعة الله عز وجل على وجه التذلل بالتزام ما أمر به وما نهى عنه ، ويكون ذلك إقرارا باللسان واعتقادا بالجنان ، وترجمة بالفعال دون إشراك غيره في ذلك سواء كان عن وعي وقصد أو كان دون وعي أو قصد ،لأنه سبحانه وتعالى قضى بأنه لا يقبل من الخلق إلا الإسلام دينا في قوله عز من قائل : (( ومن يبتغ غيرالإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين )) . وبمقتضى هذا النص القرآني كل من ابتغى طاعة غير الله عز وجل والخضوع له فيما شرع ، لا يقبل منه ذلك، ويواجه خسرانا في الآخرة .
وكثير من الناس يصرحون بألسنتهم انتماءهم إلى دين الإسلام إلا أنهم في حقيقة أمرهم لا يدينون به على الوجه المطلوب حيث لا يأتمرون بأوامره ، ولا ينتهون عن نواهيه ، وهم بذلك إنما يدينون لغيره أي يخضعون لغيره مما ليس دينا في حقيقة أمره بل هو مجرد أهواء بشرية من وضع البشر توضع لصرف الناس عن التدين على الوجه الصحيح الذي ارتضاه الله عز وجل لهم .
وكثير من الناس ممن يحسبون على الإسلام لا يقبلون أن يوصفوا بأنهم يدينون ويخضعون لأهواء بشرية مع أنهم في الحقيقة كذلك، وتشهد على ذلك أفعالهم وأقوالهم المناقضة لما أمر الله تعالى به أو ما نهى عنه مع علمهم بأن الله تعالى لا يقبل منهم ذلك ، ولا يرضى أن يكون خضوعهم لغيره .
وكثير من الناس يعتقدون أيضا أن الإسلام إنما هو دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيره من الرسل والأنبياء الكرام صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، والحقيقة أن القرآن الكريم يؤكد أن الإسلام هو دين كل الأنبياء والرسل من لدن أولهم آدم عليه السلام إلى خاتمهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
ومن آيات الذكر الحكيم الدالة على ذلك قول الله عز وجل على لسان نوح عليه السلام مخاطبا قومه : (( فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين ))، وقوله عن إبراهيم عليه السلام : (( ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما )) ، وقوله عنه أيضا : (( إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ))، وقوله على لسان يوسف عليه السلام : (( أنت وليّي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين )) ، وقوله على لسان موسى عليه السلام مخاطبا قومه : (( وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين )) ، وقوله على لسان حواريي عيسى عليه السلام : (( آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون )).
وهناك آيات أخر يصرح فيها غير الأنبياء أيضا بإسلامهم كما هو الشأن بالنسبة لسحرة فرعون حيث قالوا حين هددهم فرعون بالقتل بعد إسلامهم : (( ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين )) ، وقول ملكة سبأ : (( وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين )) ، وهي آيات تدل على أن الإسلام هو الدين عند الله عز وجل عبر تاريخ البشرية الطويل، وأن الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين كانوا يدعون من عاصرهم إلى الإسلام ، وأن من عاصروهم كانوا يصرحون بإسلامهم ، ولا عبرة بنسبة دينهم إلى أماكن أو أشخاص كقولهم اليهود نسبة إلى يهوذا بن يعقوب عليه السلام ، أو النصارى نسبة إلى قرية الناصرة بأرض فلسطين مولد مريم أم المسيح عليهما السلام أو غير ذلك من الأسماء .
مناسبة حديث هذه الجمعة هو تنبيه المسلمين إلى ما يشاع اليوم من أخبار عما سمي دينا عالميا جديدا أطلق عليه اسم الديانة الإبراهيمية نسبة إلى إبراهيم الخليل عليه السلام يزعم الذين ينادون به أنه محاولة لجمع أصحاب الديانات السماوية الثلاث الإسلام واليهودية والمسيحية لتجاوز ما بينها من خلافات بالتركيز على ما فيها من دعوات إلى التسامح والتعايش والمحبة ... ، وذلك من أجل استتباب الأمن والسلم في العالم والتمكين للرخاء فيه . وقد أنشأت مراكز عبر العالم للتبشير بهذا التوجه القديم الجديد الذي يحظى بالدعم المعنوي والمادي من مؤسسات عالمية غربية كبرى لتمويله .والحقيقة أنه حيلة مكشوفة من أجل إنهاء الصراع في منطقة الشرق الأوسط باعتباره صراعا مصدره الدين الذي يجب أن يكون حلا كما كان مشكلة إلا أن الحل الذي يراد ويخطط له بمكر وخبث هو حل لصالح الجلاّد وعلى حساب الضحية .
والدعاة إلى هذا التوجه يجدون أنفسهم محاصرين بما يقدمه القرآن الكريم وهو آخر الكتب المنزلة على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والذي حسم في أمر إسلام كل الديانات المنزلة من عند الله عز وجل ، و في أمر إسلام من جاءوا بها ، وأن السلم والأمن في هذا العالم لا يمكن أن يتحقق إلا بالدين الذي هو عند الله الإسلام وبعدالته ، والذي لا يقبل من أحد غيره . و لهذا يتعين على المسلمين في كل مكان من المعمور أن يكونوا يقظين لما يراد بدينهم من مؤامرات ، وأن يصونوا بالدرجة الأولى ناشئتهم المتعلمة وشبابهم من برامج ما يسمى بالمراكز الإبراهيمية التي تدس لهم السم في الدسم كما يقال . وعلى علماء الأمة الإسلامية تقع مسؤولية توعية المسلمين بما يحاك لدين الله عز وجل من دسائس وإلا فعليهم إثم ضحاياها من المسلمين وإثم ضياع مقدساتهم.
اللهم إنك أنت الله الذي لا إله سواك ، ولا معبود غيرك ، أنت من رضيت لنا الإسلام دينا ، فاحفظه لنا يا مولانا واجعله لنا ذخرا ، ولا تمتنا إلا ونحن مسلمون لك ، ولا تجعل لمن يريد به وبنا كيدا سلطانا عليه أوعلينا . اللهم رد بالمسلمين جميعا ردا جميلا إلى دينك وإلى نهج نبيك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم غير فاتنين ولا مفتونين .
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وسوم: العدد 936