فلسفة الدعاء

كان الشيخ الباز الأشهب عبد القادر الكيلاني إمام أهل العرفان ،قدسبق وعلم الناس فلسفة الدعاء، وفقه مدافعة الأقدار بالأقدار ..

وأننا نحن المسلمين لا ندعوا الله ليصنع لنا.. بل ندعوه ليصنع بنا!!

نحن ندعو الله ونحن موقنون أنه يصنع بأيدينا ( وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ) (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) البداية تكون من عندنا. (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) فعل الشرط علينا وجوابه عنده. ومن سنة المصطفى "صفّ الجند ووزع المهام" ثم دعا بالعريش حتى سقط الرداء عن المنكب ...

حين أقول: نحتاج إلى لحظة نصدق فيها الالتجاء إلى الله، أقصد نحتاج إلى ساعة صفاء وتجرد وفكر نجتمع فيه على تنحية أسباب هزيمتنا، و توثيق مواثيق نصرنا... (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا) والفشل هنا الجبن والخوف الناتجان عن الاختلاف.

يوم ملاذكرد وكانت الوقعة يوم جمعة، ووقع سلطان العالم يومها ألب أرسلان، وهو في فرقة صغيرة من جنده، في كمين للعدو من مائة ألف. وقيل بل ضعفهم.

وأفتاه مفتيه في الليل، أن ليس عليهم حسب حكم الشريعة قتال، وأن بوسعه ووسع جنده الانسلال تحت جنح الظلام...

وقد علم الشيخ ومن معه أنه لو خسرت هذه الفئة القليلة المعركة فلا أحد يصد البيزنطيين عن بغداد ...

في الصباح بل عند الضحى وقف الملك - ملك العالم - وكذا كان لقبه. وقف وسط جنده وقد تحنط وتطيب طيب الشهادة، ولبس الكفن، وقال لهم: قد علمتم أنكم ليس عليكم فيما نحن فيه قتال. وليس لي عليكم حق سمع ولا طاعة، وإني قد عزمت أن ألقى هؤلاء القوم بكفني، فمن أحب منكم أن يلحق بأهله فليفعل، من غير تثريب عليه. وسأنتظر ساعة الزوال إذ خطباء الجمعة على المنابر وأميل على القوم ..

كان ألب أرسلان رحمه الله تعالى في خمسة عشر ألف مقاتل، وكان عدوه في مائة ألف وقيل في مائتين، ولم يدع الداعي إلى صلاة العصر إلا وملك الروم رومانوس الرابع مقيد بين يدي لابس الكفن

معركة ملاذكرد في الثامن والعشرين من ذي القعدة 463 ..يقال عنها إنها إحدى معارك التاريخ الكبرى التي غيرت مسار التاريخ، وعجلت سقوط بيزنطة. وهي مع شقيقتها الزلاقة على أرض الأندلس كانتا من مفاصل المعارك في التاريخ..

كُتب على قبر البطل ألب أرسلان يوم مات: يا من رأيت عظمة ألب قد وصلت عنان السماء انظر إليه هنا ثاويا في التراب..

اللهم يا مفهم سليمان فهمنا...

ودمعي اليوم على الباب هتان..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 994