البيت المسلم مدرسة : فصولها لاتغلق ... وإرشادها لايتلاشى
بداية ... الإنسان إذا ما تــمَّ تكليفه بأمر من الأمور ، فالواجب أن يستوعب فكرة الأمر الذي سيقوم بتنفيذه ، ويعمل على الاستزادة من عوامل نجاح المهمة التي كُلِّفَ بها مما لديه من إمكانيات عقلية ، ومن تجارب الحياة وأهل الخبرة ، ومن علماء الأمة ، ومن وسائل الإعلام التي لاتحمل الفساد والمساوئ بأنواعها ، ومما يرى ويسمع عن أحوال الناس . وهنا تتسع من حوله دائرة المعرفة ، كما يتضح أمام عينيه المنهج الذي يستحبُ له أن يعمل به . وربُّ الأسرة أو مَن يقوم مكانه في البيت المسلم عليه أن يعرف القصد من الإشراف على تربية الأبناء ، والحكمة من متابعة إرشادهم وتعليمهم الأمور التي وردت في كتاب الله سبحانه وتعالى ، والأخرى التي جاءت في هدي رسوله صلى الله عليه وسلم ، والمرامي الغالية التي يُتحف بنتائجها أبناءَه وبناتِه ، والقضية ليست مغامرة حتى يحسب حساب نجاحها أو فشلها ، وإنما هي المسؤولية الجادة التي سيُحاسب عليها عند الله ، ويتحمل نتائجها الدنيوية بين الناس ، فإن وُفِّق في تربيته الصالحة نال الثواب من الله . وإن فشل فعليه أن يراجع نفسه ويحاسبها على أسباب الفشل ، ليتدارك الموقف قبل فوات الأوان ، ويمثل أمام النتائج بصدق وإيجابية ليستعيد نشاطه واهتماماته بأولاده ، وهنا يأتي دور الشجاعة في قهر المعوقات والمثبطات ، لأن الأمر يتعلق بمصير فلذات كبده
وللمربي هنا الأسوة الحسنة بسيرة نبيِّنا صلى الله عليه وسلم في رعاية الأبناء وحسن تربيتهم والاهتمام بتلك الرعاية ، فلقد كان صلى الله عليه وسلم يسلم على الصغار ويلاطفهم ، بل ربما كان يخطب الجمعة على المنبر فيرى الحسن والحسين رضي الله عنهما يدخلان المسجد وهما طفلان صغيران يتعثران في مشيتهما ، فينزل من منبره ويحملهما ويقبلهما . بل كان يخفف من التلاوة في الصلاة إذا سمع بكاء طفل في المسجد ، وكان يهدي الثمار لهم أنَّى وجدهم ، والأحاديث التي تناولت منهج الرعاية للأبناء كثيرة ومتنوعة . فتربية الأولاد مسؤولية مشتركة بين الأبوين، لا ينفرد أحدهما بها، ففي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ككلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه، والأميرُ راعٍ، والرجلُ راعٍ على أهل بيتِه، والمرأةُ راعيةٌ على بيت زوجها وولدِه، فكلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه ). وهنا تأتي بيئة الشَّر على أيدي بعض الجهلة ، فيقول لك : إذا كان ربُّ البيت بالطبل ضاربا !!! وهذه البيئة نسيت أمرين هامين في هذا الموقف ، أولاهما نسي مسؤوليته عن أهل بيته الذين قد يُجرون إلى مالا تحمد عقباه من العواقب السيئة ، وثانيهما حالة اليأس التي اعتمدها لنفسه لجهله أيضا . فمهما أذنب العبد أو قصَّر ، ثم آب إلى ربه الرحمن الرحيم الذي يفرح بتوبة عبده ، فإن الله يتوب عليه ، بل ويبدل سيئاته إلى حسنات بفضله عزَّ وجلَّ ، فلا يقنط المسلم من رحمة الله وعفوه وكرمه ، يقول الله سبحانه وتعالى ): قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) 53/ الزمر .
وهنا يتأكد للأب والأم أن بيتهما مدرسة بكل مافي معنى كلمة المدرسة من آداب وقيم وتعليم وإرشاد وفضائل ، وأن هذه المدرسة التي تملؤها المودة الأثيرة بين أفرادها ، وترعاها قلوب صادقة في اهتماماتها وتربيتها ، ففصولها لاتُغلق ، وإرشاداتها لاتتلاشى ، وليس هناك من عطلة فصلية أو صيفية لأن قيم هذه المدرسة قيم عقيدة آمن بها المسلم والمسلمة ، واختاراها لهما ولأولادهما ، فالقول الطيب له حسنات ، والقول السيئ له عقوبات ، والعمل الصالح له عند الله منازل ودرجات ، والعمل المحرم عليه حساب يوم العرض على الله . فليس في االوقت مكان للتفلُّت أو الخروج من دائرة المسؤولية المترتبة على الإنسان ، فالأب والأم يؤديان الصلاة ، ويعلمانها لأبنائهما منذ الصغر ، ويصومان ويتعهدان أبناءَها في تحبيب الصوم لهما ولهذا التحبيب طرق وأساليب تناسب عمر الابن ، وكذلك يتعهدانهم في الأخذ بإرشادات الدين الحنيف فيما يقولون إذا أرادوا قضاء الحاجة ، وماذا يقولون إذا خرجوا من مكان قضاء الحاجة ، ويكون الإرشاد مستمرا في كل الأمور اليومية ، عند تناول الطعام يقول الوالد لأولاده : سمُّوا اللهَ عند البدء في الطعام ، كلوا باليد اليمنى ، وكلوا من أمامكم ، واحمدوا الله بعد انتهاء أكل الطعام ، وشرب الماء . ثم الأخذ بالنظافة من غسل اليدين والفم ، فالنظافة من الإيمان ... وهكذا تتم هذه الإرشادات بصورة عفوية وبرفق في كل مايقوم به الفرد منهم من أعمال . فيشعر الأبناء أنهم يعيشون هذه الأجواء التي تعيش معهم مآثرها وحسناتها ، آناء الليل وأطراف النهار . بل ستصبح تلقائية ولا يشعرون بحرج أو تعب عند أدائهــا ، وكأنهاموجودة معهم كأنفاسهم ونبضات قلوبهم .
وهنا يكون التلقين لمتطلبات العقيدة الربانية في نفوس الأبناء ، حيث الحيوية والنشاط ، فلا ملل ولا تقاعس عن أداء أعمال يؤجرون عنها عند ربهم في يوم لاينفع فيه مال ولا بنون إلا مَن أتى اللهَ بقلب سليم . وبها تطمئن الأسرة في حياتها الدنيوية ، وتسعد بها السعادة الأبدية في جنات الخلود برحمة من الله ورضوان . إنها الأخلاق السامية ، والسلوك القويم في ظلال مايُتلى من كتاب الله ، وفي رياض السُّنَّة النبوية ، وهذا السلوك يستمر ليلا ونهارا بين العظات والنصائح والإرشادات ، تحف هذه الأسرة بالطمأنينة والروحانية التي يشعر بها أهل هذا البيت . ويشعر كلُّ فرد أنه مسؤول عن تنفيذ هذه الرسالة التي يحيا من أجلها ، ففي الأخذ بها .. كل الخير والسعادة في الدارين ، وأما الشقاء والقلق والتشنج والعصبية والاضطراب فهي ليست لهم ولا هي مقبولة في حياة عامة الناس ، فما بال قلوب المعرضين عن هدى السماء . مالهم هجروا مراتع الأنس رغم مايملكون من وعي وعقل ومشاعر ، وإنهم لو علموا سوء العاقبة ، وآمنوا بما ورد في كتاب الله الكريم لَمَـا كان لهم إلا اتِّباع هدى نبيِّنا صلى الله عليه وسلم . ولَمَـا أطاعوا الشيطان الذي هـو عدو لهم ، وأي عدوٍّ أشد فتكا من الشيطان الذي يجعل مَن أطاعه يخسر الآخرة بما فيها من رحمة وسعادة أبدية ورضوان من الله . يقول الله سبحانه وتعالى : ( قَالَ ٱهۡبِطَا مِنۡهَا جَمِيعَۢاۖ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّٞۖ فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدٗى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشۡقَىٰ ﴿١٢٣﴾ وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ ﴿١٢٤﴾ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرۡتَنِيٓ أَعۡمَىٰ وَقَدۡ كُنتُ بَصِيرٗا ﴿١٢٥﴾ قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتۡكَ ءَايَٰتُنَا فَنَسِيتَهَاۖ وَكَذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمَ تُنسَىٰ ﴿١٢٦﴾ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي مَنۡ أَسۡرَفَ وَلَمۡ يُؤۡمِنۢ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِۦۚ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبۡقَىٰٓ ﴿١٢٧﴾ من سورة طــه . فالإعراض عما أمر الله به خسارة فادحة ، فسيعيش حياة الضَّنك والشقاء في دنياه ، ويحشر يوم القيامة أعمى لاحول له ولا قوة ، لأنه أسرف في البطلان ، وجافى ما أنزل الرحمن ، فليس له العذاب الأشد في جهنم . وهنا تتفجر ينابيع الخوف من غضب الله لدى أفراد البيت المسلم ، وتنبجس أطياف الشوق في أحنائهم الطاهرة إلى ماعند بارئهم من نعيم في جنات الخلود . ولعل من أعظم الدروس وأجلها هي هذه المواعظ الربانية التي يعيشها أفراد الأسرة في بيت اقتدى بأحوال بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث السكينة والصفاء وأنسام العبق القدسي الذي يملأ صدور أهل البيت بالطمأنينة . فيترعرع الأبناء في بساتين الهداية ، ويشبُّون في ميادين الأعمال الإيجابية ، وينهلون من تدفُّقِ أنوار الإسلام .ويقضون أيامهم في آفاق الخير بالإحسان . والتقوى والباقيات الصالحات والإنسان يولد على الفطرة ، ولكن قد يصيبه الانحراف الذي من أسبابه النشأة الأولى في بيت أهله ، لعدم تلقينه . وتعليمه العقيدة ، ومتابعة سلوكه وأخلاقه. إن الحقبة الأولى بعد ولادة الطفل ... تبدأ عملية التلقين ، حيث يحمله الأب ، أو ولي أمر البيت ليؤذن في أذنه ، ويقيم في الأخرى ... لتسمع ذاتُــه ذكر الله وهي تستقبل الحياة الدنيا ، ثم : يختن الذكر والختان من الفطرة ، وهي سنة نبي الله ابراهيم عليه السلام ، أكد عليها رسولنا صلى الله عليه وسلم . ثم تكون العقيقة للمولود ذكراً كان أم أنثى ويكبر الطفل وينمو ، وهو بين رعاية أمه وأبيه وإخوته ، ينام ويستيقظ على اسم الله ، ويحيا في بيت تقام فيه شعائر الله ، حتى إذا بلغ السابعة من عمره أمره أبوه أو من ينوب عنه بالصلاة. ويصطبر عليه في أدائها ، ويصطحبه إلى المسجد ليتعود على ذلك ، يعلمه الوضوء وآداب المسجد ، فمن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع ... ) الحديث . فيبدأ الطفل أولى مراحل عمره بأعظم ركن عظيم من أركان الدين الإسلامي ألا إنها الصلاة . الصلاة التي من أقامها أقام الدين ، لأن المصلي الذي يقف بين يدَيْ ربِّه مرات ومرات في الليل والنهار ليستحي من جلَّ وعلا أن يفعل ما يرضاه مولاه من المنكرات والأعمال المشينات . يعلم ويعي منذ صغره المعنى الحقيقي للصلاة . وأنه يقف بين يدي ربه فتنغرس حقيقة المراقبة لله فلا يفعل ما حرم الله في ليل أو نهار .ولتشجيع الأبناء الصغار على أداء الأعمال والأقوال التي تؤكد السيرة الحسنة لهم ... نحرك مشاعرهم بما في الجنة من نعيم ، وما فيها مما لــذَّ وطاب من طعام وشراب ، وأنه لاتعب ولا خوف في الجنة من أي شيء ، فالجنة دار اطمئنان وهنــاء لمَن يدخلهـا ويكون من أهلهـا . ويكون ذلك بأسلوب سهل يشعر خلاله الطفل بالحُنوِّ والمودة ، مع تقريب هذه المفاهيم من ذهن الطفل ... حسب عمره وحسب قدراته البسيطة باتزان وهدوء ورويَّة وصبر ، خصوصا في حالة أداء الصلوات ، فلا يتهاون الأب في ترك الصلاة أو السكوت عن تأخيرها من قِبلِ الأبناء عن أوقاتها ... ولو احتاج الأمر للأخذ بأي أسلوب مناسب لإقامتها . حتى إذا كبر الطفل وأينع هذا الغرس الروحاني في قلبه ، وأصبح يافعا ، ودخل مرحلة جديدة من عمره فإنه يقطف ثمار السلوك المرجو في تمكين في نفسه العقيدة وترسيخها في حنايا فؤاده . وهنا تدركه أنوارُ الهدى و يشعر بعمق اليقين برضوان الله عز وجل وتوفيقه . عندها لا مجال - بإذن الله - لشياطين الإنس والجن لخرق إيمانه ، ولا سلطان لهم عليه في سلوكه وتصرفاته ، فذلكم درب الصَّالحين من أبناء هذه الأمة . وتنطلق هذه السجايا بشكل عفوي في حياة الأبناء ، لأنها تصدر عن طبيعة طاهرة ، وفطرة سليمة ، طاعة الله ، واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم . وهكذا يكون البيت المسلم مدرسة الحياة الفاضلة ، لا تغلق فصولها ولا تصفر أوراق أدواحها النديَّة المباركة، ولا يضاهي البيت المسلم أي بيت على وجه الأرض في أدب جــم وخلق فاضل وبر يومي على صدق النيَّة في الأقوال والأفعال ، وعلى كل صفة كريمة وخصلة عظيمة ، وهنا تتجلَّى استجابة الوالد والوالدة لنداء الله سبحانه وتعالى في وقاية الأبناء من خسران بهجة الحياة الدنيا ، وإنقاذهم من مصير مؤلم قاسٍ يوم القيامة ، أجل إنها المسؤولية والأمانة التي يؤدِّيانها على هدى من الله وبصيرة لاتغادر تطلعاتهما في شأن سعادة أبنائهما .
ولتكون المرحلة التالية مرحلة سن اليفاعة وترعرع الأبناء ، حيث القوة والحيوية والفتوة وقد ناهـز الفتى سن البلوغ ، ومخالطة أبناء الحي ، وزملاء المدرسة في مراحل التعليم ، والرفقة التي تنشأ في هذه المرحلة ، وما فيها من نواد رياضية ، ومن سهرات السَّمر ... وهنا يتوجب على الوالد بشكل خاص أن يبذل جهده ليحافظ على سيرة أطفاله الحسنة بعد أن أصبحوا شبابا ، ولا يتناسى أثر التيارات الجارفة في هذا العصر ، تيارات الفساد ، والوسائل العديدة التي قد تؤثر على الشباب . ولعل الوالد بحكمته وحنكته وحُسْن تصرفاته يستطيع أن يحافظ على هُـويَّة أولاده ، هويَّة الإيمان بالله ، التي تحمي من الزيغ والانجراف والضياع في بيئة تعج بالشهوات والإغراءات التي لايردها إلا ذاك التحصُّن بالقيم الإسلامية العالية السامية، التي تردع النزوات ووساوس شياطين الإنس والجن في عصر امتلأت أرجاؤُه بأقبح الصفات ، وأخس ( التقليعات ) الشيطانية . فلا نرى الشاب المسلم إلا في مواطن الخير والتواصل مع الطيبين من الأصدقاء ، وبات يعي معنى البر والتقوى ، وأداء الأمانات ، والتحصن بالدعاء ، واللجوء إلى الله ، وبث روح التعاون والتعاضد ، وتأكيد حقوق الأهل والأرحام والأقارب والجيران ، ورعاية حقوق المسلمين عامة في السراء والضراء ، وحب الخير للبلاد، والعباد والزهد في الدنيا من غير انهزامية عنها ، والعمل والكد بلا جشع ، والرضا والقناعة بالقليل ، وقضاء حوائج المسلمين ، والبعد كل البعد عن نوازع الظلم والبغي والتكبر والغيبة والنميمة وشهادة الزور ، مع دوام الشكر الله على توفيقه وحفظه ، وعدم العزلة عن خلق الله ومعاشرتهم بالحكمة والمعروف . ويؤكد رب البيت لأولاده وأهل بيته قيمة الوفاء بالعهد ، وطيب الكلام ، وطلاقة الوجه في لقاء المسلمين : فذلك أدعى للمحبة والمودة، وأقرب لروابط الألفة ، ويفجر في ضمائرهم معنى إكرام الضيف ، والعطف على الفقراء ، وحب الضعفاء ، ومساعدة المحتاجين، والبدء من يلقونه من إخوانهم وعامة المسلمين بالسلام ، والتصرف بما أمر الشرع الحنيف أثناء المآتم والأفراح ، فلا يخرجون عن حدود الله ، ولا يتكلمون إلا بما يرضي رب العباد . ويضع أمامهم التعاليم الربانية من آيات وأحاديث في سفرهم وفي كل مناسبة اجتماعية أو دينية ، ويحافظ الشاب المسلم على الأدعية المأثورة الواردة في كتاب الله وفي سُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومنع النساء من السفر بدون محرم معهن ولو لأداء فريضة الحج أو غيرها . والقيام بالشعائر الدينية أثناء رمضان والعيدين وما يتعلق بكل منهما من سحور وفطور وقيام ليل ومن أدعية ، وقراءة لكتاب الله ، وكذلك ليلة العيدين إحياء لهما بذكر الله وطاعته، وما يتبعها من صدقة الفطر ، ومن الأضحية في عيد الأضحى ، والبعد عن الضلالات من البدع، والتحذير من الأخلاق الذميمة المحرمة كالغيبة والنميمة وهتك الأعراض ، والنفاق والمراء والتجسس ، والتعامل بالربا والبعد عن المحرمات ، والكبائر التي حذَّرنا منها الشرع الحنيف . ومن التبرج والاختلاط والتشبه بالأجانب الكافرين ، وعدم تقليدهم في مآثمهم ، والاهتمام بيوم الجمعة من طهارة ولبس ثياب - نظيفة ، والذهاب إلى المسجد في الساعات الأولى من يومها، لحضور فريضة الجمعة. ولا ينسى الوالد العدل بين الأولاد في كل أمر وحال حتى يشعروا جميعاً أنهم في بيت مسلم . حيث الأبوة والحنان والعدل .
وهنا : ربما يقول قائل : أين البيت المسلم ؟ وأين فصوله التي لاتغلق ؟ وأين إرشاده الذي لايتلاشى ؟ . وقد قيل هذا الكلام ، ومَن قاله دفعه الأسى والألم على حال بعض بيوت المسلمين ، وعلى حال الأمة بشكل عام . وهذا الباب طرقه الكثيرون من علمائنا العاملين الأخيار ، ومن مفكرينا ودعاة ديننا الأبرار . وفي مكتبتنا الإسلامية مالا يُعدُّ ولا يُحصى من المجلدات التي تتحدث عمَّ جرى للمسلمين ، وفي هذا العصر بالذات .
فالبيت المسلم موجود ولله الحمد والمنَّـة ، والإسلام ــ بفضل الله موجود ــ بقرآنه الكريم وبسُنَّة نبيِّه الكريم صلى الله عليه وسلم . وبوجود العلماء العاملين والمفكرين المخلصين لدينهم . ولا تخلو البيوت المسلمة من الخير ومن الاعتصام بعروة الإسلام الوثقى . ولعلنا نعلم جميعا ضراوة أعداء الإسلام على الإسلام وعلى الأمة المسلمة وعلى العلماء العاملين والمفكرين الإسلاميين ، فهاهي الأمم الكافرة قد تداعت على الأمة في هذه الأيام ، تريد إبادتها واستئصال الإسلام من صدور أبنائها ، وهاهم الطغاة الذين يحكمون الدول الإسلامية قد امتلأت سجونهم بأهل الإسلام ، وازدحمت مشانقهم بكثرة الذين تم إعدامهم لالشيء إلا أنهم قالوا : ربُّنا الله ، ونبيُّنا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم ، ومَن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك من أشقياء الدنيا والآخرة . ولقد أخبرنا الله في كتابه الكريم عن ضراوة هؤلاء الأعداء في كتابه الكريم ، فقال جلَّ وعلا مخاطبا نبيَّه الكريم مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم ( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) /120البقرة ، ولن يهدأ لهؤلاء بال ولن يرضوا بحال إلا إذا ارتدَّت الأمة عن دينها القويم . يقول تعالى : ( وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ) 217 / البقرة . ولن يستطيعوا ــ بمشيئة الله ــ رغم ضراوة عدوانهم كما نراه ــ الآن ــ في غزة ، وكما نراه في بقية الأقطار التي استُبيحت دماء أبنائها ، وتم تهجير سطانها الأصليين ، وتم الحصار والتجويع لمَن بقي في داره ــ ولا حول ولا قوة إلا بالله . لقد أصاب المسلمين عناء كبير ، وضنك في العيش خطير ، وهحمة للأعداء ساحقة ماحقة ، وذلك بعد أن تخلوا عن ثغور إسلامهم فاختُرقت ـ وعن قيم دينهم فهانت قيمتُهم عند الأمم ، فالإسلام كما يجري في الحقب الأخيرة ينقض عروة عروة كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( لينقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، وأولهن نقضاً: الحكم، وآخرهن الصلاة ) رواه أحمد . ولقد أخبر عليه الصلاة والسلام عن قوم سيخرجون يتفاصحون، و يتباهون بالكلام، ويخرج الواحد لسانه أثناء الحديث كالبقرة تتخلل بلسانها، وقال: لا تقوم الساعة حتى يخرج قوم يأكلون بألسنتهم، كما تأكل البقر بألسنتها ) رواه أحمد . وكذلك سيكون التفاصح، والتشدق، والتكلف، والتعاظم، ومساوئ الأخلاق التي نراها الآن في البيوت وفي الأسواق والمنتديات . ولا تخفى الموبقات على ذي عينين . ولا حول ولا قوة إلا بالله . هذه لمحات مما جاء عن نبيِّنا صلى الله عليه وسلم ، ومن هنا جاءت الأهواء والانحرافات على البيت المسلم ، على الأسرة المسلمة التي يحاول الأعداء هدمَ صرحها القائم على طاعة الله ، واستعاظ عنها بعض المسلمين إن لم نقل أكثرهم بالعادات والتقاليد الغربية أو الجاهلية ، وهذا من أسباب شقاء المسلمين، وضنك ما العصر مما يلاقون في عيشهم . إن المسلم لو أصغى لنداء الآخرة والحساب يوم العرض على الله .. لأعطى نفسه الفرصة الكافية يتعلم كل أحكام الإسلام وقيمه ، ويعلمها من يعول . ولكن الخير باقٍ في أسرنا وفي زوايا مجتمعنا ، والمبشرات مابرحت تتراءى لأبناء أمتنا في خضم الأحداث الجِسام التي تجتاح العالم اليوم ، وقلوب العبادِ بيد الله ، يقلبُها كيف يشاء ، وهـا نحن نرى الأعداد الهائلة من النصاري ومن بعض الملل الأخرى يدخلون في دين الله أفواجا . وهذا مايؤكد للمسلمين أن الله سبحانه لن يتخلَّى عنهم أفرادا وأسرا وأمَّـــــة ، ولن يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى عند الله ، يقول الله عز وجل : ( وما تفعلوا من خير يعلمه الله) . وكل مايجري إنما هو بأمر الله وعلمه وحكمته . روى البخاري و مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال:قام فينا رسول الله ﷺ مقاماً ما ترك شيئاً يكون في مقامه إلى قيام الساعة إلا حدث به، حفظه من حفظه، و نسيه من نسيه . ونقرأ في ذلك أن الإسلام كلما اشتدت غربته كثر المخالفون له والناقضون لعراه ، يعني بذلك فرائضه وأوامره ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : ( بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء ) أخرجه مسلم في صحيحه . وسيأتي الفرج القريب بمشيئة الله تبارك وتعالى . أجل :
جـــــــــــــاؤوا بــــــــــكلِّ قبائــــــــــح الشيـــــــطانِ ... وبكلِّ مـــــــــافي الكفـرِ من بُــــطْـلانِ
وبكلَّ إسفافِ التمادي في الهوى ... يُــــــؤتـــــــى أذى مـــــــــــــاكان لــلإنـــــــــسانِ
وتــــمــــــــرُّدٍ عــــــمَّـــــــا أتـــــــــــى مــــــــــن بـــــــارئ ... للنـــَّاسِ للــــــــتوحيـــدِ والإيمــــــــــــــــانِ
فاللـــــــــؤمُ للسُّفهـاءِ خُبْثُ طــويَّــــــــةٍ ... زادتْــــــــــــهُ مكـــــــــــرًا لـــوثـــــــــةُ الـــــــــشَّيطانِ
لكنَّـــــــــه الرحـــــمنُ يحفـــــــظُ أهــلَـــــــه ... أتبـــــاعَ مــــــــا قــــــــد جــــــــــــــاءَ في القرآنِ
إنَّ المبشِّرَ بالفــلاحِ مُحَمَّدٌ ﷺ ... أمَّــــــــــا الثَّبــــــــاتُ فمنهـــجٌ الفرســـــــانِ
وَلْتُبشرِ الأُســــــرُ الكريمةُ بالمنى ... وبــبــيــــتِــــــهــــــا الـــمــُتــــــــــألِّـــــــــقِ الفيـــــــــنانِ
وسوم: العدد 1069