مكتبة الأسرة المسلمة
يستحسن لربِّ الأسرة أن يوفر في بيته مكتبة مناسبة لأبنائه ، تحتوي على تفسير للقرآن الكريم ، وعلى بعض كتب السُّنة ، وبعض الكتب في الفقه ، التي تبين أحكام الإسلام في الصلاة والصيام والحج والزكاة ، وأقصد توفير مكتبة يجد فيها الناشئ مبادئ عقيدته الإسلامية بالدرجة الأولى . وتكون له متكأ مباركا يجد في صفحاتها ما لا بدَّ منه . ومَن وجد السعة في منزله وماله وأبنائه فأغنى هذه المكتبة بالعديد من الكتب النافعة التي تزيد ثقافة الأبناء ، وتفتح أمام مداركهم المساحات الواسعة للعلوم والآداب . وجدير بمَن يحب أخاه المسلم أن يشجعه على امتلاك مكتبة منزليه ، وأن يهديه بعض الكتب التي تعود بالفائدة على أهل البيت . وما أجمل أن يجد ربُّ الأسرة أبناءَه وبناته يجلسون حول طاولة فُتحت عليها صفحات الكتب ، وهم يقرؤون ويتناقشون فيما فيما من حكم وآداب وثقافة ، فيشجعهم على متابعة المطالعة ، بل ويشاركهم على قدر معرفته ليبث بينهم أنه يحب المطالعة ، ويحبهم وهم يؤاخون الكتب ليستفيدوا ويُفيدوا غيرهم . ويجعل المكتبة صغيرة كانت أو كبيرة موئلا للاستفادة ، لا أن توضع الكتب على رفوف جميلة منمقة ، لتصبح من عوامل الديكور الناجح في البيت ، أو مظهرا من مظاهر التَّباهي والتفاخر ، وليلفت انتباه الزوار . وإنما وجود الكتب في المنزل دليل على اهتمام الأسرة بأمر أبنائها ، ووضع العديد من الأحكام الشرعية والآداب الفاضلة تحت أيديهم من خلال صفحات مليئة بتلك القيم العالية في مختلف النواحي . ومن أمور يتوجب القيام بها في اليوم والليلة كآداب الطعام والطهارة ، و أدب الاستئذان داخل البيت، وفي بقية المواقف العديدة الأخرى اليومية ، والتي بين الإسلام أحكامه فيها . وربما يظن البعض أن على رب البيت المسلم أن يكون عالماً في الدين، أو فقيها في الأحكام الشرعية أو محيطاً بكافة العلوم والمعارف .. وهذا ظن خاطئ . بطبيعة الحال .. فإن رب البيت لو كان أميا لا يقرأ ولا يكتب فإنه يستطيع أن يتعرف إلى تلك الأمور ،ويسأل العلماء وأهل المعرفة ، ومن يعرف القراءة ، ويندر أن يخلو بيت في هذا الزمان من طالب أو طالبة أو متعلم ، ويندر كذلك أن لا يكون للبيت قريب متعلم كخال أو عم .. فهؤلاء إن وجدوا يستطيع رب البيت أن يتعرف إلى بعض أحكام دينه من خلال كتب تكون موجودة في بيته . وهنا تأتي ضرورة وجود مكتبة في كل بيت مسلم ، لآثارها الإيجابية في حياة الأسرة المسلمة. و وجود مكتبة في المنزل من العوامل الأساسية في تكوين شخصية الطفل، ويجعله يشعر بالراحة والطمأنينة ، وتتولد لديه الرغبة في الحصول على المزيد من المعارف، وذلك لما تكسبه له القراءة من متعة وفائدة، وأكد خبراء التربية وعلماء النفس أن نشأة الطفل في جو عائلي من عاداته الأساسية القراءة تجعله يحاكي أفراد أسرته، وذلك لأن القدوة في هذه المرحلة لها أثر بعيد في صقل موهبة الأبناء ، وتنمية مهارات الطفل المعرفية والاجتماعية . يؤكد خبراء المكتبات وعلوم التربية على : ( ضرورة أن يعتاد الطفل على وجود الكتاب أمام ناظريه كمادة متاحة وليس كفرض ثقيل. وربما لا يستفيد الطفل من مكتبة أبويه ولكن مجرد وجودها يقوي لديه حب المعرفة والابتكار، ويجعله حريصا على أن تكون له مكتبته الخاصة عندما يستقل بذاته . وأشاروا إلى أن المكتبة المنزلية إذا توافرت فيها مصادر المعرفة المتنوعة والمنتقاة بعناية لكي تناسب جميع أفراد الأسرة فإنها ستكون من أهم الأدوات التربوية التي تساهم بإيجابية في التنشئة السليمة للأطفال التي تؤثر في مختلف مراحلهم العمرية، واعتبروها مظهرا للسلوك الحضاري والتربوي.ويستطيع الآباء تحفيز أطفالهم على القراءة عندما يكونون قدوة يحتذى بها إذ أن الأطفال يتأثرون بآبائهم ويقلدونهم في أكلهم وملابسهم وهواياتهم ولا تمثل القراءة استثناء ، فإذا كان الآباء يهتمون بالكتب والقراءة، فسوف يحذو الأطفال حذوهم. ( ومن المؤكد أن الحالة المادية للأسرة الفقيرة لاتمنع هذه الأسرة من إيجاد مكتبة ولو من بضعة رفوف تلفت انتباه الأبناء ، ثم تحفزهم على المطالعة وعلى شراء الكتب ولو من مصروف أيام العيد على سبيل المثال الواقعي وهنا يجدر بالأب والأم والأخ الأكبر و الأخت الكبرى أن يتحمل كلٌّ منهم مسؤولية التشجيع وشراء الكتب ، لتزدان المكتبة ولو ببطء بأنواع الكتب . وتبقى المكتبة المنزلية نداء حارا ومؤثرا في نفوس الأبناء الذين ليس لدى أهلهم القدرة المادية على توفير الكتب ، و الوسائل الأخرى التي تساعد في الإقبال على المطالعة كالطاولات والكراسي والمستلزمات الأخرى من أجهزة مساعدة وغيرها ، وهذا الشعور كافٍ للنهوض بحالة تعلق الأبناء بكتبهم ومكتبتهم ، وبالتالي تضع أمامهم صورة لمستقبل علمي وثقافي ، ولوحات جميلة زاهية بما استفادوه من القيم والآداب والأحكام الشرعية التي هي مادة النجاة يوم القيامة من مصير لاتُحمد عقباه .ويبقى اهتمام الأبناء مرهونا بما يجدونه في البيت من تشجيع ، ومن آخرين لهم علاقة طيبة بالأسرة كأعمام أو أخوال أو أصدقاء للأب ، فالكلمة الطيبة التي تشجع الأ[ناء من هؤلاء لها أثر فعَّال في نفوس الأبناء ، وكم من كلمة أيقظت قلبا لاهيا ، أو فتَّقت فكرا فانبجست منه أمارات الذكاء وطلب المعالي . فإنَّ التعبئة الثقافية للأبناء ، ومدار تنمية المواهب ، والحفاظ على قدرات الأبناء في بداية مشوار نشأتهم ، وسمو سيرتهم الذاتية من خلال تقويم سلوكهم اليومي في المعاملات المنزلية ، ومع الضيوف والجيران وأصدقاء الحي الذي يسكنون فيه ... كلها وإن كانت تبدو للوالدين من الأمور العادية ، أو التي لاقيمة لها ، ولكنها في الحقيقة ماهي إلا مفاتيح المستقبل لكل ابن وكل ابنة في هذا البيت ، فكم من عظيم ملأ الدنيا وشغل الناس وهو ابن فقيرا بل عاش فقيرا بين أحياء الأغنياء والمترفين . فالأمر بتوفيق من الله سبحانه وتعالى . ويبقى تأصيل أثر المكتبة المنزلية ذا أهمية بالغة في إعداد الأبناء لنيل وسام الفخر بنعمة الله عليهم على مدارج مستقبل منيف ترضاه الأسرة ، وتتطلع إليه الأمة بشغف ، ويرضاه الله عزَّ وجلَّ لعباده الفائزين بخيري الدنيا والآخرة .
والمكتبة المنزلية عامل من عوامل حفظ تطلعات الأبناء إلى ماجدَّ في هذا العصر المشؤوم ، فما في المكتبة من كتب تحيي مشاعر القيام بالواجبات المرعية ، فيقف الأبناء على مفترق طرق مخيف ، فإما إلى الضياع في متاهات الترفيه والخلاعة والإباحية والإلحاد ونسيان أن الإنسان خُلِق ليعبد الله وحده، وأن ما يُبث في وسائل التواصل الاجتماعي كما يسمونها اليوم فيه ضرر كبير على مشاعر الأبناء وعلى نفسياتهم ... وأن الباطل وتضييع القيم الإنسانية الصالحة ، والانفلات الخُلُقي تقوم عليه مؤسسات ومحافل عالمية ذات مكر وخداع لتوقيع شباب الأمم في مستنقعات الرذائل والكبائر وعظائم الموبقات ، فكل هذه الهجمة الشرسة على قيم ديننا وحضارتنا الإنسانية الفاضلة ، أُعدَّت لها الدراسات ، والوسائل المتنوعة ، وتم تجنيد العملاء لها من أبناء الشعوب . وهذا مانراه اليوم من فتن لاحدود لها ولا رادَّ لقوتها وتأثيرها إلا مالدى أمتنا من دين قويم وعقيدة راسخة ، ومن رجال بايعوا الله على نصرة الحق مهما كانت التكاليف .
والبحث في شأن توفير مكتبة منزلية يطول وتتفرع عنه أبواب عديدة ، لزخم الأخطار التي تحيط بأبنائنا في هذا العصر . ووجود المكتبة يوجه أنظار أبناء البيت إلى طلب العلم والمعرفة ، والشغف بها منذ نعومة أظفارهم ، كما يتعودون على أمر هام وهو ضرورة الرجوع إلى الأحكام الشرعية التي هي مناط سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة ، ولعل الأبناء يشعرون بأهمية توفير مكتبة في بيوتهم ، فينصرفون إلى شراء الكتب النافعة بدلا من أن يخسروا ما لديهم من مصروف في التوجه إلى التدخين أو المقاهي أو إلى أماكن اللهو والفساد، وما يسمى بالترفيه والاختلاط الفاجر ، وإلى أزقة مَن يروجون بيع المخدرات ، فالتصرف بتلك الأموال قليلة أو كثيرة في وجوه البر والخير تقود الأبناء إلى السمو بأخلاقهم وسيرتهم ، و تحفظ المال من التبذير ومن العبث المخزي . فصحبة الكتاب ومجالسته لهو المنتقى الطيب المبارك ، وفيه الربح الحقيقي والسعادة النفسية الدائمة ، إذا كان الكتابُ ذا فائدة في الدين والدنيا والآخرة . وهناك فوائد وإيجابيات أخرى عديدة لوجود المكتبة في البيت المسلم، لسنا بصددها ، و بيان فروعها ولا تخفى على ذي لب .وحريٌّ بالمسلم الواعي وهو يعيش في ظلمات العصر وفساده . أن يبحث عن مجالسة العلماء ، والاستفادة من إرشاداتهم ونصائحهم ومَن عندهم إطلاع على كثير من الأحكام في شأن العبادات والأحكام والآداب الضرورية ، ويستطيع راعي البيت سؤالهم ، والاستفسار عن الأمور التي يريدها .. فإن المكتبة في البيت المسلم تظل النافذة المشرقة ، يفتحها المسلم لأولاده، ولإخوانه ، وزائريه ، وليستخرج من خلالها ما يريد من أحكام وآداب وعظات . ويبقى الأمر متوقفاً في الحقيقة على راعي البيت نفسه، وعلى مدى إيمانه وحماسه وحبه لمعرفة أهمية العلم الذي شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في العبادات بشكل خاص كالصلاة والصيام والحج والزكاة والحجاب والمعاملة ، وأن هذه الأعمال هي عدته وزاده من هذه الدنيا الفانية إلى الدار الآخرة الباقية في ظل رحمة الله عز وجل .
وجود المكتبة في البيت بات ضرورة ملحة لولي أمر البيت ، إذا ماأراد هداية أبنائه وبناته إلى سبل الرشاد والرقي بتربيته وتوجيهاته لهم . فالمسلم غناه بالله ورسوله ودينه وبما يحمل من الصالحات إلى القبور ، وأنه فقير وإن ملك المال والعقار والمنصب ، إن لم يكن غنيا بما يتقبل الله منه من أعمال ، ولو ملك مال قارون و قصور الفراعنة في ماضي العصور وحاضرها .
وسوم: العدد 1078