سيّدنا عمر بن الخطاب من خلال قراره التّاريخي الخاص بالهجرة النّبوية
تظهر عظمة سيّدنا عمر بن الخطاب من خلال قراره التّاريخي المتعلّق بالتّأريخ للهجرة النّبوية، وتجلى ذلك في العناصر التّالية:
عظمة الهجرة النبوية من عظمة مولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم:
كلّ أيّام سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لدى سيّدنا عمر بن الخطاب رحمة الله، ورضوان الله عليه جليلة، وعظيمة تستحقّ التّعظيم. فيوم ولادته صلى الله عليه وسلّم عظيم، والهجرة، والفتح، والغزو، والصّلح، والزّواج وكلّ أيّامه.
القول أنّ سيّدنا عمر بن الخطاب اختار الهجرة ولم يختر مولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم "كما فعل أهل الكتاب؟!" يعتبر تصغير لعظمة مولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. والهجرة تبع لفضائل مولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. لأنّه لولا مولده صلى الله عليه وسلّم، لما كان مابعدها من فضائل، وعظمة.
قرار التّأريخ للهجرة النبوية بني على مشورة كبار أسيادنا الصحابة:
بنى سيّدنا عمر بن الخطاب قراره بشأن التّأريخ للهجرة النّبويّة على أساس مشورة كبار أسيادنا الصّحابة رحمة الله، ورضوان الله عليهم جميعا. وقد اقترح كلّ منهم يوم يستحقّ الاحتفال، والتّأريخ وتمّ عرضه، ومناقشته بحرية كاملة، وآمنة لايخاف صاحبها سجنا، ولا طردا، ولا تكميما للأفواه. وتلك من عظمة سيّدنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب التي سادت فترة خلافته الرّاشدة.
إذا كان يوم الهجرة النّبوية هو يوم الانعتاق، والحرية فإنّ يوم التّأريخ للهجرة النّبوية هو يوم إبداء الرأي، والأمان على قول الرأي، والحرية في مناقشة الرأي.
سيّدنا عمر بن الخطاب رجل دولة والتّأريخ للهجرة قرار دولة، وأمّة:
سيّدنا عمر بن الخطاب رجل دولة، ورأى أن يتّخذ قرارا يناسب الدولة، والأمّة فاتّخذ قرار التّأريخ للهجرة النّبوية. ومازال رؤساء الدول، والمجتمعات، والأمّة تمتثل لقراره، وتعمل به، وتفتخر به، وتربي أبناءها على تجسيده واحترامه.
العظيم عمر بن الخطاب لم يكن الأناني أبدا ورفض أن ينسب التّأريخ لنفسه:
رفض سيّدنا عمر بن الخطاب أن يؤرّخ بيوم ولادته، أو يوم إسلامه، أو يوم توليه الخلافة. وكان باستطاعته فعل ذلك وهو أمير المؤمنين. لكنّه رفض واختار التّأريخ للهجرة النّبوية من فرط حبّه لحبيبه سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. والعظيم يفضّل العظيم في المناسبات العظمى. وسيّدنا عمر بن الخطاب فضّل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
سيّدنا عمر بن الخطاب يعرف قدر سيّدنا الصّدّيق ولا ينافسه في عظمته:
يعلم سيّدنا عمر بن الخطاب أنّ سيّدنا الصّدّيق شارك مع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في الهجرة النبوية طبقا لقوله تعالى: ﴿ِإِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾، سورة التوبة. 40
وتمثّلت عظمته في كونه أرّخ لحادث عظيم وهو الهجرة النّبوية. فاختار التّأريخ لغيره. أي لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولسيّدنا الصّدّيق. وهو الذي لم يشارك في الهجرة النّبوية. والعظيم يعرف قدر العظام، ويقدّمهم على نفسه، ويؤرّخ لهم، ولا يؤرّخ لنفسه، ويقدّمهم في الأحداث العظمى كالتّأريخ للهجرة النّبوية، ويتأخّر طواعية، وأدبا، وتوقيرا، واحتراما.
عظمة أسيادنا الصحابة في عدم التّأريخ لشخص أمير المؤمنين عمر بن الخطاب:
أسيادنا الصحابة الذين استشارهم سيّدنا عمر بن الخطاب في اختيار يوم للتّأريخ. اختاروا عددا من الأيّام. لكنّهم لم يختاروا يوما يخصّ قائدهم، وخليفتهم، وكبيرهم، وعظيمهم سيّدنا عمر بن الخطاب. وكان باستطاعتهم فعل ذلك وهم الفقهاء، والأحرار، والأبطال، والشّجعان الذين لايخافون خليفة، ولا عدوا.
أمّة عظيمة لاتؤرّخ بيوم من أيّام خليفتها. وخليفة عظيم لايؤرّخ بيوم من أيّام ولادته، ولا إسلامه، ولا هجرته، ولا بيعته.
وسوم: العدد 1086