عجائب من معاني أوائل السور التي تبدأ بالحروف المقطعة المعجزة

عبد الرحيم بن أسعد

الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر، ثم اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبعد: فمن معاني أوئل السور التي تبدأ بالحروف المفطعة المعجزة:- أولا: "الم"-البقرة1-:- فالفعلان ألف ولمم إن استعملا في الخير يكونا مشتقان من اسم الله الرحيم لأن الله عز وجل جامع المؤمنين في الجنة وجاعل قلوبهم قلبا واحدا برحمته، فقد قال الله تعالى "وَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِهِم"(الأنفال:63)، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، لاَ يَبْصُقُونَ فِيهَا، وَلاَ يَمْتَخِطُونَ، وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ، آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ، أَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ، وَرَشْحُهُمُ المِسْكُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنَ الحُسْنِ، لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا» صحيح البخاري، ثم إن "الم" إشارة إلى اسم الله الرحيم لأنه توسط ذلك الاسم الأحرف (ر، ح، ي) وهي بتراتبها تؤلف كلمة رحي التي معناها مدار، ومدار حروف اسم الله الرحيم هو الأحرف "الم"، هذا والله أعلم، ثانيا: "الر"-يوسف1-:- تقرأ الفلامرا، فألف تعني مالك الرحموت، ولا مْراء وزنها لا فْعال من الفعل مَرَأَ، ومْراء مصدر مَرْءٍ ويحمل معناه على امرئ أو امرأة أو مثنى أو جمع أحدهما أو كلاهما، فبذلك يكون معنى "الر" هو أن مالك الرحموت لا يشبهه أحد، أي أن تأويل "الر" هو اسم الله الوتر لقول الله تعالى "وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ"-الفجر3-، ويتوسط اسم الله الوتر الحرفين (و، ت) فهما بتراتبهما يؤلفان كلمة "وت" فهي من قول الله تعالى "مَلَكُوتَ"(الأنعام:75) التي معناها ما اتصل بالسماوات والأرض، فما اتصل بـ "وت" في اسم الله الوتر هي الأحرف "الر"، هذا والله أعلم، ثالثا: "كهيعص"-مريم1-:- معناه كالتالي ’’ك‘‘ أي (الله عز وجل كاف) وهو جواب السؤال "أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ"(الزمر:36)، ومعنى "هيـ" هو (هذا يا)، ومعنى "عـ" هو (عين)، ومعنى "ص" هو (صاد عن سبيل الله)، لذا تقدير قول الله تعالى هو (أن الله عز وجل كافيك -أيها النبي-، فهذا غضب الله الذي ذكره الله تعالى في هذه السورة وهو جهنم جزاؤك أيها الصاد عن سبيل الله بعينك، لقول الله تعالى "وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْر"(القلم:51))، هذا والله أعلم، رابعا: "طه"-طه1-:- "طه": «قَالَ عِكْرِمَةُ، وَالضَّحَّاكُ: بِالنَّبَطِيَّةِ أَيْ يَا رَجُلُ» صحيح البخاري، فكأن معناه هو (رجل هذا الذين يريدونه أن يشقى) وذلك لأن ’’طَ‘‘ تقرأ طَا وأصلها طاء والله أعلم ومعناها رجل لأن الرجل يطأ بقدميه الأرض، و ’’هْـ‘‘ تقرأ ها ومعناها هذا أو هذان أو هؤلاء كما في قول الله تعالى "يَا أَيُّهَا النَّاسُ"(البقرة:21)، وهي هنا بمعنى هذا لاتصالها بطاء فهي مفردة، فعَنْ زِرٍّ، قَالَ: قَرَأَ رَجُلٌ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ: ’’طَهْ‘‘ مَفْتُوحَةً، فَأَخَذَهَا عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ ’’طَهْ‘‘ مَكْسُورَةً، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إِنَّمَا يَعْنِي ضَعْ رِجْلَكَ مَفْتُوحَةً، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «هَكَذَا قَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَكَذَا أَنْزَلَهَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ» المستدرك على الصحيحين للحاكم، والله أعلم، خامسا: "طسم"-الشعراء1-:- "طس": فـ طاء تأويلها ساق و سين للتنزيه أو ضد الشبه مثل نجى ارتفع ونجس انخفض واختلط بالدنس، لذا طس تعني تنزه الله عز وجل عن تجسيم الساق أي معنى اسم الله "القدوس"، لذا "طسم" من معنياها (يا طاءسين أنت أميم) أي بمعنى "اللَّهُمَّ" أي يا قدوس أم إجابة دعائنا بخير، والله أعلم، سادسا: "يس"-يس1-:- تقرأ (ياسينُ)، وتلك القراءة تجوز في قراءة الجملة (يا أسين)، وأسين على وزن فعيل من الفعل أسن ومعناه يتغير كثيرا بتغير السنين لقول الله تعالى "فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ"(محمد:15)، والإنسان هو الأسين، فيروى عن ابن عباس أن معناها: يا إنسانُ بلغة طيْءٍ، أي يا مُحَمَّدُ {صلى الله عليه و سلم}، و مثله ’’طَهْ‘‘(طه: 1): «يَا رَجُلُ» صحيح البخاري، وقد قال الله تعالى "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ"-الحجر26-، هذا والله أعلم، سابعا: "حم"-غافر1-:-"حم": «مَجَازُهَا مَجَازُ أَوَائِلِ السُّوَرِ» صحيح البخاري، فهي للتنبيه على أن هاذين الحرفين علمان بارزان في تصريف كلام الله تعالى في هذه السورة، فمن ادعى أن هذه السورة من عند البشر فليأت بمثلها، وهما أول حرفين من إسمي الله تعالى ’’حسيبا‘‘ و ’’مقيتا‘‘ أو ’’مقتدرا‘‘ أو ’’مالك يوم الدين‘‘، وهما تهجية حُمَّ، وحُمَّ أمر الله معناه أن الأمر الذي قضاه الله عز وجل بعذاب الكفار صار قريبا وقوعه لقول الله تعالى "وَنَرَاهُ قَرِيبًا"-المعارج7-، هذا والله أعلم، ثامنا: "ق"(ق:1):- "ق": تقرأ (قاف) ومعناها مقتفي، أي أن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم متتبع آثار الرسل بما يأمره الله عز وجل به في القرآن المجيد لقول الله تعالى "ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَة"(الحديد:27)، و "ق" أول حرف من اسم الله عز وجل القريب أي الولي، أي أن القرآن المجيد يطيب قلب المؤمن فيرفعه الله به إلى أقرب الجنات إلى العرش المجيد وهي جنات الفردوس، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَقَامَ الصَّلاَةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، هَاجَرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ نُنَبِّئُ النَّاسَ بِذَلِكَ؟ قَالَ: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأَعْلَى الجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّةِ» صحيح البخاري، تاسعا: "ن"(القلم:1):- "ن": أول حرف في اسم الله تعالى "نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ"، وآخر حرف في سطر ينتهي بـ "وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ"(القلم:51)، و "يَسْطُرُونَ": «يَخُطُّونَ» صحيح البخاري، فتقدير قول الله تعالى في أول آية من سورة القلم هو (أقسم الله عز وجل بالقلم الذي كتب الحرف "ن" في آخر سطر ينتهي بقول الكافرين "وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ" في أم كتاب الأعمال قبل خلق السماوات والأرض، وأقسم الله تعالى بما كتبت ملائكته في سطور كتب أعمال الثقلين التي سيأخذونها يوم القيامة، والتي ستكون نسخة لا تختلف عن أم كتاب الأعمال، وجواب القسم هو ما أنت -أيها النبي- بإنعام الله تعالى عليك بالقرآن المجيد بمجنون)، والله أعلم، فاللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم أن تغفر لنا وترحمنا في الدنيا والآخرة، وأسألك أن تنصرنا والمجاهدين في سبيلك على الروم وجميع أعدائك، فسبحان الله رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

وسوم: العدد 1088