( ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من الله ليقولُنَّ إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في نفوس العالمين )

حديث الجمعة :

من المعلوم أن الله عز وجل صنّف في القرآن الكريم الخلق باعتبار إيمانهم أو كفرهم إلى ثلاث فئات : فئة المؤمنين ، وفئة الكافرين ، وفئة المنافقين وهؤلاء كفار في سرهم يتظاهرون بالإيمان في علنهم .

وإذا كان الكفار يشهرون عداءهم للمؤمنين ولا يخفونه ، وهم بذلك خطر جلي عليهم ، فإن المنافقين يضمرون لهم  نفس العداء ، وخطرهم عليهم  خفي ، ولهذا يعتبرون بتعبير عصرنا طوابير خامسة كان الكافرون يبثونها بين المؤمنين ، ويستعينون بها للنيل منهم أو بتعبير آخر هم حصان طروادة . ولقد جاء تحذير الله عز وجل للمؤمنين من كيد المنافقين أشد من تحذيرهم من كيد الكافرين .

ولقد جاء في القرآن الكريم تفصيل لأوصاف، وأحوال، ومواقف المنافقين الذين عاصروا بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وباعتبار طبيعة الرسالة الخاتمة المنزلة إلى العالمين، فإن ما ورد فيها من أوصاف وأحوال للمنافقين زمن نزول الوحي  ستظل هي أوصافهم في كل زمان وفي كل مكان  إلى قيام الساعة  . ويعتبر منافقو زمن نزول الوحي  نماذج  يقاس عليها  غيرهم في كل زمان . ويكفي أن يستوعب  المؤمنون  في كل زمان ما جاء عنهم من أوصاف وأحوال في محكم الذكر ليعرفوا أشباههم ممن يخالطونهم  .

ومما ورد في الذكر الحكيم عنهم قول الله تعالى في سورة العنكبوت الآية العاشرة : (( ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس  الله بأعلم بما في صدور العالمين )) .ولقد جاء في كتب التفاسير أن هذه الآية نزلت في فريق من المشركين بمكة ، أظهروا للمسلمين إسلامهم  كذبا وخداعا ، ولما لحقهم بعض الأذى بسبب قتال بين المسلمين والمشركين ارتدوا لضعف إيمانهم ولاستحكام الكفر والشرك في قلوبهم .ولقد عد من هؤلاء أبو قيس بن الوليد بن المغيرة ، وعلي بن امية بن خلف ، والحارث بن ربيعة بن الأسود ، والعاصي بن منبه بن منبّه بن الحجّاج ... وغيرهم .

ولما كانت العبرة بعموم لفظ كتاب الله عز وجل ،لا بخصوص أسباب نزوله ، فإن كل من أعلن إسلامه ،ولمّا يستقر الإيمان في قلبه ، يكون معرضا للفتنة إذا ما أوذي في الله تعالى ، ويكون حاله كحال هؤلاء المنافقين الذين وصفهم الله تعالى بأنهم يسوون بين  فتنة الناس وبين عذاب الله . ولقد جاء في كتب التفسير أنه لما كان الإيمان غير متمكن من قلوب هؤلاء ، فإنهم كانوا ينكرون البعث ،ولا يهتمون إلا بما في الدنيا   لهذا كبر عندهم أذى الناس ، واستعظموه  إلى درجة اعتباره كعذاب الله تعالى في الآخرة . ومعلوم أن في هذا سوء أدب معه سبحانه وتعالى . وكان الأجدر بهم  لو استقر الإيمان في قلوبهم أن يستعظموا عذابه ، ولا يجعلونهم كفتنة الناس ، ولكنهم انشغلوا بأمر العاجل عن أمر الأجل وهو الأدهى .وكانوا إذا ما حصل نصر للمؤمنين في قتالهم للكافرين، يدعون لهم  كذبا أنهم كانوا معهم في قتالهم  ضد الكافرين ، وهم  يحاولون بذلك خداعهم، والتمويه على نفاق يضمرونه  بسبب ولاؤهم  للكافرين خلاف ما يدعونه من إيمان كاذب بالله تعالى . ونظرا لنفاقهم  كانوا غافلين عن حقيقة  كون الله تعالى يعلم ما في صدورهم ، وما في صدور كل العالمين سواء كان إيمانا صحيحا راسخا  ، أو كفرا بواحا، أو نفاقا خفيا  يفضحه الله تعالى لا محالة .

مناسبة حديث هذه الجمعة هو أولا تحذير المؤمنين من كيد المنافقين الذين لا يخلو منهم زمان أو مكان إلى قيام الساعة ، ثم تنبيههم من الانزلاق نحو النفاق بسبب ميل إلى موالاة الكافرين إما  دون وعي أو قصد منهم أو بسبب إغرائهم بوعود  أو بعروض من الدنيا الزائلة يخدعونهم بها .

وإننا لنمر اليوم بظرف في غاية الدقة بسبب القضية الفلسطينية التي هي قضية دينية في صميمها ، وليست سياسية كما يسوق ذلك إعلاميا ، وهي  تتعلق بتهديد الصهاينة  للمقدسات في أرض الإسراء والمعراج ،وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين المستهدف  بالهدم  كي يقام مقامه هيكل الصهاينة المزعوم . وهذا التهديد لا يقل عن  خطورة عن تهديد غيره من المقدسات  كالكعبة المشرفة أو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خصوصا وقد كشف الصهاينة عن أطماعهم التوسعية في كل البلاد العربية الإسلامية ، وهو في نهاية الأمر تهديد للإسلام ، وللمسلمين .

ولهذا  يجب على المؤمنين أن يحذروا تسويق بعض الجهات المشبوهة  دعوات التطبيع مع الصهاينة ، عن طريق خداعهم  بأن من ورائه مكاسب  وفوائد تجنى ، كما يجب عليهم ألا ينخدعوا أيضا بمحاولات التشكيك في جهاد المقاومة الفلسطينية ، وترويج الأراجيف عنها حتى أن بعض تلك الجهات التي سقطت أقنعتها ، وافتضح ولاؤها للصهاينة بشهادات من موالين لهؤلاء ، نذكر منهم على سبيل الذكر لا الحصر ما جاء في مؤلف  تحت عنوان" حرب " صدر باللغة الانجليزية  للصحفي والكاتب الأمريكي " بوب وود ورد " الذي كان قد كشف النقاب عن فضيحة " ووترغيت "  التي أطاحت بالرئيس الأمريكي  "ريتشارد نكسون"  سنة 1974 . ول قد جند بعض الدجالين المحسوبين على العلم الديني والفتوى من أجل خداع المؤمنين بأن  المقاومة الفلسطينية التي تواجه العدو الصهيوني  لا علاقة لها بالجهاد الشرعي ، بل هي مجرد  حركة إرهابية كما يصفها الصهاينة  ،وهؤلاء  الدجالين من الذين باعوا دينهم بعرض الدنيا الزائل ، تقربا وتزلفا ممن جندهم لتسويق هذه الأراجيف ،وهم منافقو هذا الزمان الذين يجب على المؤمنين الحذر الشديد منهم ، وتنبيه الغافلين عنهم من كيدهم الذي يخدم الصهاينة على حساب القضية الفلسطينية الدينية أولا وقبل كل شيء ، وهم يتظاهرون بأسفهم على من يسقطون من ضحايا في ساحة الشرف ، ويحملون مسؤولية ارتقائهم شهداء عند الله عز وجل للمجاهدين ، وليس للصهاينة المعتدين بل يبررون عدوان هؤلاء بتصديهم للمجاهدين الذين ينعتونهم سفها بالإرهابيين .

اللهم إنا نعوذ بك من أن نسيء الظن بإخواننا المجاهدين في سبيلك بأرض فلسطين  ، أو  أن نفتن بأقوال الشياطين المرجفين  ممن يروجون عنهم الأراجيف . اللهم ثبت قلوبنا على الإيمان . وانصر اللهم عبادك المجاهدين على أعدائك وأعدائهم الصهاينة الملاعين الظالمين الذين استباحوا أرضهم ودماءهم . اللهم اربط على قلوبهم ، وثبت أقدامهم ، وسدد رميهم ، وامددهم بمددك القوي الذي لا يقهر ، واحفظهم  اللهم من بين أيديهم ، ومن خلفهم ، وعن أيمانهم ، وعن شمائلهم ، ومن فوقهم ، ومن تحت أرجلهم ، ولا تجعل لأعدائهم عليهم سبيلا. اللهم عجل لهم بنصر قريب من عندك، تنصر به دينك ، وتعلي رايته ، وتخذل به أعداءك الكافرين ومن والاهم من المنافقين الذين أنت أعلم بهم ، وبما يمكرون ، وامكر بهم مكر الشديد  عاجلا ،وأنت خير الماكرين .  

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .  

وسوم: العدد 1100