الوهن
عزة مختار
عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قال ، قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم : يُوشِكُ الأمم أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ , كَمَا تَدَاعَى اَلْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا فَقَالَ قَائِلٌ: أمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ يا رسول الله ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ كَثِيرٌ, وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ اَلسَّيْلِ, وَلَيَنْزِعَنَّ اَللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ اَلْمَهَابَةَ مِنْكُمْ, وَلَيَقْذِفَنَّ اَللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ اَلْوَهْنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ، وَمَا اَلْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ اَلدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ اَلْمَوْتِ
صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم
تلك هي حقيقة ما كان يعانيه المسلمون في الحقب الماضية : الوهن والذي هو حب الدنيا وكراهية الموت ، كراهية الابتلاء ، الخوف من مواجهة الظالمين وذلك خوفا علي النفس أو طمعا في متاع قليل ، صرنا نخاف حتي من أنفسنا وصارت الحيطان لها آذان كما أوهمونا كثيرا وسرنا داخل الحائط بدلا من السير بجوارها كما نصحونا
وصارت الأمة الإسلامية كلها يلفها ذلك الوهن حتي لفها معه الضعف والاستكانة بل الموات وصارت في مؤخرة الأمم وصارت موصومة بالجهل والفقر والتخلف بل والإرهاب الذي الصق بالإسلام لصقا ، وصار حكامنا أنصاف آلهة يحكمون فلا ترد لهم كلمة ولا ينتهي حكمهم إلا بالموت فيرثه الأبناء رغما عن الشعوب ، لأنه في الحقيقة لم تكن هناك شعوب وإنما مجموعة من البشر يحكمها الخوف علي دنيا ليست لهم وإنما هي لمن يملكونهم وكنا كمن باع آخرته بدنيا غيره
وكانت إرادة الله عز وجل ودستوره الذي لا يتغير " إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم " تتحرك الشعوب العربية معبرة عن ألمها في صرخات مكبوتة حتي يتفجر ذلك الكبت إلي انفجار ليطيح بتلك العروش التي جثمت علي الصدور حقب متتالية وهان الموت ، وكذلك هي مشيئة الله عز وجل وسنته في الأرض ، الحرية لا يمكن شراؤها إلا بالدماء والكرامة لا يمكن الذود عنها إلا بالشهداء والحق الضعيف غير مصان ، والفرقة والتشرذم لا يخلفان سوي الهزيمة وانتفاش الظلم والظالمين، وفتحت الشعوب العربية صدورها أمام رصاص الطواغيت غير هيابين وغير مبالين فأشرقت شمس الحرية بسرعة ما كان يتوقعها احد ، وكأنها كانت رسالة من الله عز وجل أن تحركوا ، فقط إبدأوا بالخطوة الأولي وأنا معكم ، وما كنا نظنه في يوم المستحيل ذاته تحقق في ثمانية عشر يوما دفع فيها الشباب أرواحهم ودمائهم في سبيل حرية وكرامة وطن ، وهان الموت ، وهانت الدماء ، وسرت روح جديدة في الشعب المصري ، بل في الشعوب العربية كافة تقول أنه لا عودة للوراء ، ولقد رأيت بعيني شباب وفتيات تتقد عيونهم بشرر الكرامة الجديدة والتحدي الغير محدود ويقولون نموت ولا نعود لما كنا عليه ، يموت منا الملايين ويعيش الوطن حرا ويمهد لمستقبل أفضل للأجيال القادمة ولن نسمح لأي جهة مهما كانت بان تتلاعب بمستقبل أبنائنا ، وتلك رسالة إلي كل من تسول لهم أنفسهم اليوم فيتلاعبون باستقرار الأوطان أن افعلوا ما شئتم فان عقارب الساعة أبدا لن ترجع إلي الخلف ، وأن من فقدوا أرواح أبنائهم وأحبابهم أبدا لن يتخلوا عن تلك الأرواح وتلك الدماء وأبدا لن يخونوها حتي ولو بذلت في سبيلها دماء وأرواح أخري ، أنفقوا أموالكم علي البلطجية والمجرمين كما تشاءون " فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون :" .
رسالة إلي كل حاكم ابتداءا من العسكر اليوم مرورا بكل ذي سلطة فيما بعد أن إياك أن يغرك المنصب فشعب مصر اليوم ، بل والشعوب العربية جميعا ـ نصر الله كل منتفض في سبيل الحرية علي كل طاغية ظالم ـ قد اختلفت تلك الشعوب عما قبل الخامس والعشرين من يناير فقد نزع الله من قلوبها الوهن وأصبحت الحرية والكرامة الإنسانية أعز لديها من لقمة عيش مغموسة في عرق الذل والهوان .
احذروا شعوبكم فقد عرفوا وفقهوا أنكم أنتم بمناصبكم إنما قد جئتم لخدمتهم وأن من يحيد عن ذلك الدور المنوط به فليس له مكان بين الشعوب الحرة ، واحذروا فإن الأجهزة الأمنية بكل أنواعها من شرطة وعسكر لن تستطيع أن تحميكم من غضبة شعوب ذاقت طعم الحرية وشفاها الله من ذل الوهن ...