ولنا في رجب تاريخ ومآثر
الشيخ حماد أبو دعابس
رئيس الحركة الإسلامية
يزخر تاريخنا الإسلامي المجيد على مدار القرون العشرة الأولى من عمر الأمة الإسلامية على الأقل، بإحداث فارقة وصفحات مشرقة في صحائف العز والمجد، والسؤدد والخلود. سطرها أجدادنا، وبقي لنا منها الدروس والعبر، ومصادر العزة والفخر. وكان لشهر رجب على مدار تلك القرون الطويلة حظِّه مثل بقية الشهور من تلك الأحداث المجيدة. فالمؤرخون يؤكدون أن الألفية الأولى للهجرة النبوية. كانت في مجملها فترة انتشار للإسلام ,وقوّةً ومنعةً للأمة الإسلامية.وقد تصدَّرت فيها الدولة الإسلامية كل الدول والإمبراطوريات المعروفة في ذلك العهد، من ناحية القوة العسكرية، والنفوذ السياسي، والتقدم العلمي والحضاري بلا منازع. حتى جاءت القرون المتأخرة التي بدا فيها تقهقر المسلمين، وتراجعهم أمام تقدم الغرب وتفوقه العسكري والاقتصادي والصناعي. ثم تفكك المسلمين إلى دويلات متحاربة متفرقة وضعيفة.
لقد بلغ بالمسلمين أن يفتحوا الأندلس وبعض أجزاء فرنسا ويمكثوا فيها ثمانية قرون, قبل أن يغادروها .وفتح الجيش العثماني نصف أوروبا الشرقي ووصل إلى فينا، فحاصرها عام 998ه، ولم يستطع فتحها، ثم اضمحلَّ الحكم العثماني عن أوروبا، وبقيت آثاره. وخضعت شبه القارة الهندية لحكم المسلمين فترةً من الزمن. قبل ان يضطروا للانسحاب منها. ومضت على المسلمين فترة ما كانت الشمس تغيب عن أطراف دولتها. فتعالوا بنا نستعرض بعض الصفحات الناصعة من تاريخنا في رجب.
(1) ذكرى الإسراء والمعراج
وهو الحدث العظيم الذي يؤكد الكثير من علمائنا انه أعظم معجزة في التاريخ البشري. والأقرب للتأكيد انه كان في ليلة السابع والعشرين من رجب في العام الحادي عشر للبعثة، أي قبل الهجرة بسنتين. وفيه إسراء النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم معراجه إلى السماوات العلى، والى سدرة المنتهى، وعودته من ليلته.
علماء الفلك يؤكدون أن حدود السماء للدنيا تتجاوز مليارات السنوات الضوئية، فما بالك بالسماوات العلى السبع، وبمن يتجاوز حدودها في سويعات بجسده وروحه. إنها فعلا قدرة الحكيم الخبير ، العلي الكبير جل جلاله ولنا نحن أبناء بيت المقدس وأكناف بيت المقدس ان نعتزَّ بهذه الذكرى خصوصاً وان نعتبرها تكريماً لبلادنا المقدسة.
(2)فتح صلاح الدين الأيوبي للقدس
بعد انتصار صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين في معركة حطين الشهيرة وبعد أن استعاد منهم يافا وصيدا وبيروت وعسقلان ,حاصر السلطان الناصر صلاح الدين القدس، وقصف أسوارها، حتى استسلم الصليبيون فدخلها صلاح الدين وجيشه في 27 رجب سنة 582ه . وأزالوا الصليب الضخم المنصوب على قبة الصخرة، وطهروا المسجد الأقصى من آثار الصليبيين وأقذارهم. ثم نقلوا المنبر الشهير الذي أعده نور الدين زنكي إلى موقعه في قبلة المسجد الأقصى، وبقى هذا المنبر حتى شهر آب 1929م حين احرقه ذلك اليهودي الاسترالي المأفون.
(3) فتح دمشق في 15 رجب سنة 14ه
بعد أن من الله على المسلمين بالنصر في معركة اليرموك بقيادة خالد بن الوليد وأبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنهما، صار جيش المسلمين نحو دمشق فحاصروها سبعين ليلة، ومنعوا عنها الإمداد. ثم اغتنم خالد بن الوليد رضي الله عنه ساعة غفلةٍ لحماة الأسوار،فتسلق الأسوار على الجبال وفاجئوا الروم وفتحوا بوابة الصور من إحدى الجهات فدخلها خالد وجيشه حرباً. وشعر الروم في الجهة الأخرى باقتحام المدينة فساروا نحو أبي عبيدة مستسلمين فدخلها صلحاً من الجهة المقابلة فالتقى الطرفان في منتصف المدينة لتصبح بعد ذلك إحدى حواضر الإسلام الكبرى وعاصمة الدولة الأموية فيما بعد.
(4) معركة الزلاقة 12 رجب 479ه
وهي المعركة التي انتصر فيها يوسف بن تاشفين قائد المرابطين على ملك قشتاله الفونس السادس. وكان المعتمد بن عباد أمير اشبيليه قد استغاث بيوسف بن تاشفين الذي خرج على متن 100 سفينة، و7000 من الجنود ليلحق بهم من مسلمي الأندلس والمتطوعين ، ما بلغ مجموعه الكلي قرابة 20 ألفاً مقابل 50 ألفاً من الفرنجة بقيادة الفونس السادس لينتصر عليهم يوسف بن تاشفين. ويؤكد المؤرخون أن استعادة يوسف بن تاشفين للأندلس وتوحيده لها تحت قيادته فيما بعد، أمدَّت في عمر الدولة الإسلامية في الأندلس ثلاثة قرون. إذ أوشكت على السقوط نهاية القرن الخامس لكنها سقطت فعلاً في نهاية القرن الثامن.
وانتصارات أخرى في رجب
· غزوة تبوك في رجب سنة 9 ه.
· فتح قلعة الروم سنة 691ه
وهي قلعة بالقرب من حلب حررها الاشرف خليل بن قلوون وسماها قلعة المسلمين.
· سيطرة طارق بن زياد لجبل طارق في رجب سنة 92 ه.
وغيرها الكثير من يصعب حصره.
وفاة علماء وفقهاء وخلفاء في رجب
وشهد شهر رجب عبر التاريخ الإسلامي الطويل وفاة العديد من الشخصيات العلمية والقيادية، من خلفاء وعلماء وفقهاء، وعلى رأسهم:
1- وفاة معاوية بن ابي سفيان 1- رجب - 60 ه.
2- وفاة الخليفة عمر بن عبد العزيز25- رجب -101ه.
3- وفاة الإمام أبي حنيفة النعمان رجب – 150 ه.
4- وفاة الإمام الشافعي رجب – 204ه .
5- وفاة الحسن البصري رجب – 110ه.
6- وفاة الإمام الترمذي رجب – 279ه.
7- وفاة ابن قيم الجوزية رجب – 751ه.
8- وفاة الإمام مسلم بن الحجاج رجب – 261ه.
9- وفاة الأمير عبد القادر الجزائري 17 رجب- 1300ه.(1882م).
10- وفاة الإمام النووي 24رجب – 676ه.
وغيرهم الكثير من العلماء والقادة والأفذاذ.
هذه بعض جذورنا وعسى أن تورق أشجارنا عزَّاً ومجداً
إن تاريخ الإسراء إلى الأقصى، وإعادة فتح القدس وتطهيرها على يد صلاح الدين الأيوبي حَريَّة بأن تنهض هممنا نحو استعادة القدس والأقصى إلى أحضان الإسلام. وان دمشق التي فتحها سيف الله المسلول وأبو عبيدة والصحابة الكرام، لتتحسَّر على ما آلت إليه أحوالها في ظل حكم الأقزام الطواغيت، والقتلة المجرمين من أبناء زماننا، فهي تستغيثنا لعودة مجدها وعزها.وان الانتصارات العظمى التي حققها أسلافنا لتنادي في الأمة أن عودوا إلى ما كان عليه أجدادكم من الدين والانتماء، والإخلاص والهمة، واجمعوا أمركم على أمر سواء حتى تنصروا كنصرهم.
أما علماء الأمة الذين ملئوا الأرض علماً وظلوا منارات للهدى ودعاة إلى الخير والفضيلة، فان امتنا بحاجة إلى أمثالهم وأمثال تلاميذهم، نرث عنهم تراثهم وننشره في العالمين، ونمضي على طريق الاجتهاد الذي لا يغلق بابه حتى قيام الساعة.
فيا امة فيها هذا المجد الزاهر وهؤلاء الأعلام العظام، لن تعدمي بإذن الله تعالى أن تنجبي أمثالهم ليعيدوا لك مكانتك بين الأمم منتجةً معطاءةً، تقود الدنيا بأسرها إلى شاطئ الأمان والبشرية إلى عيشها الكريم وسعادة الدارين الدنيا والآخرة.
والله غالب على امره.