هنيئاً لمن حج بيت الهدى
هنيئاً لمن حج بيت الهدى
د. صفاء رفعت
* أشرقت الأفراح والأنوار على قلب كل صابر شكّار
هنيئاً لمن حج بيت الهدى وحطَّ عن النفس أوزارها
وإنَّ السّعـادة مضمـونَةٌ لمن حلَّ طيبة أَو زارهـا
عيدكم مبارك
وفي عيد الضحية نتذاكر ءاباءنا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ونتعلم معهما كيف تكون التضحية في سبيل الله عز وجل بكل عزيز ومحبوب ولو كانت بنحر الولد وقد جاء على كبر وشب حتى بلغ مع والده السعي , ونستحضر كيف يكون الصبر لأمر الله تعالى في امتثال ورضى وصدق وأدب
" يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ , سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ "
وكيف يكون جزاء المحسنين ..
" وناديناه أن يا إبراهيم " ..
"فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ *
وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ *
قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ *
إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ *
وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * "
وكذلك يمن الله تعالى بالفضل على إبراهيم عليه السلام ويتخذه خليلا
" وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا
وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا "
وشهادة بصدق الوعد للعبد المستسلم لأمر ربه متأملا الصبر عليه راضيا به حتى كان عند ربه مرضيا
" وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا *
وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا "
* ولا ننسى أمنا هاجر رضوان الله عليها ..
ونتأمل الأدب الجميل مع الله عز وجل واليقين بإحاطته وحفظه والتسليم له والرضى بكل أمره...
خرج بها تحمل رضيعها من بيت مستقر ءامن بين ظل و ري
ليتركها عزلاء بواد غير ذي زرع !
فلم يكن إلا سؤال واحد ... و لا عن شقاق لا عن خصومة,
"آلله أمرك بهذا ؟"
فلما أنبأها أنه أمر ربه , اطمأن له قلبها ,
ورضيت به وسكنت ,
إذاً لا يضيعنا,
فوجبت البركة ...
ألا أَيُّها الدهر المحقق لي مُنى
قطفنا من الآمال ما بعده جَنى
وَلَم يَبقَ بعد الحج أينٌ وَلا عَنا
سَقا اللَه أَيام الحجيج عَلى منى
مُناها ومن لي لو يَعود نظيرها
وَلِلَّه لَيلات الصفا دام ذِكرُها
وَحق عَلى حجاج مَكَّة شكرُها
وَتِلكَ لَيال لا يُقدر قَدرُها
فَلَو شُريت لَم يَغلُ في السوقِ سعرُها
وَلَو بيع بالعمر الطَويل قصيرها..!
* ومرة أخرى ... في عيد الضحية نتذاكر
ءاباءنا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وهما يرفعان القواعد من البيت في إيمان وخشوع وفرحة بتكليف الله تعالى , هي فرحة تعدل فرحة كل حاج للبيت العتيق إلى يوم الدين , وفي حب وإشفاق وتوحيد و رجاء ..
ونتذاكر الدعاء
" وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ
رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا
إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ *
رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ
وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ
وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا
إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ "
عليهما الصلاة والسلام ,
ومع روعة الدعاء لا يسعنا أن نمر عليه دون أن تتأمله القلوب , دون أن تستدرك معانيه وتستجلي فهم بيناته ومراميه ,
- " ربنا واجعلنا مسلمين لك " , ماهذا الإشفاق وهذا الرجاء المتصل المتجدد , وذلك وهما يباشران أجل طاعة وأكبر تشريف , لا يغيب عنهما الحرص على تجريد التوحيد وإسلام الوجه والقلب والجوارح لله رب العالمين , كانا عليهما السلام يشفقان من الفتنة والتحول ,
وكانا يدركان أن الإسلام عمل دائب لتحقيق التوحيد وإخلاص القلب لله عز وجل بالليل والنهار , بالجوارح والجنان , ليس صكا يناله الناس بالوراثة ليمهر كخاتم الجودة في شهادة الميلاد ولا ينخلع عن مدعيه ولو انخلع منه جملة وتفصيلا فيحيا وقد أعماه الغرورعن حقيقة حاله وعاقبة مآله ,
- "وأرنا مناسكنا" , طلبوا أن يتعلموا مناسك دينهم , لعلمهما أنه لا استقامة على الصراط القويم إلا بمنهج الله وشرعته وأمره , وكذلك هي شريعة باقية , فلا يقوم توحيد الله في قلب العيد حتى يقوده ليتعلم مقتضيات دينه.
وهذا من تمام العبودية , أن يوقن العبد أنه لا يسعه أن يعبد لله إلا بما شرعه الله تعالى له .
- " وتب علينا
إنك أنت التواب الرحيم "
فهذه فوائد جليلة لا ينجو بدونها عبد...
إنه الحرص الأكبر على الإسلام , والعلم بالدين , والتوبة ..
وكان دعاءهما لأمة خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام ,
وتعجب وأنت تقرأ الآيات كيف كان إشفاق الأنبياء من الشرك وحرصهم على التوحيد ,
وسؤالهم الله عز وجل أن يحييهم ويميتهم سواءا عليه ,
وكيف لا وهو وصية الله الأولى قبل كل شيء , ودوما :
" وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ
أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا
وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ "
وليس هناك أمنية أكبر من الموت على الإسلام ,
كان الإسلام هو همّ الأنبياء وشغلهم ووصيتهم أجمعين .. كانوا مشفقين , وهم أنبياء الله وأصفيائه , لم يكن لديهم تلك الطمأنينة وهذا الركون إلى الغفلات والتفلت الذي لدى قومنا حتى ليوشك أن يكون أمنا من مكر الله , نسأل الله العافية
" وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ
يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ *
أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي
قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ"
وكذلك كان دعاء يوسف عليه السلام :
" رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ
فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ "
وكذلك يقرر هذه الحقيقة الثابتة خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام :
"إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ
وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ"
أولئلك هم أنبياؤنا ورسل ربنا فنحن نؤمن بهم وبما أنزل إلينا وما أنزل إليهم ونسعى لله على صراطه المستقيم على خطاهم
" قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ"
-- ---------
* هذا الكون الواسع الرهيب بحاجة لربه الواحد الأحد , الفرد الصمد ,
وهذا الإنسان الضعيف الوحيد الحائر الجهول الجائر بحاجة لمولاه القوي العزيز القادر,
لا قوام لأمره إلا به ولا صلاح لحاله إلا في طاعته ولا راحة لقلبه إلا في نور حبه.
* نعم , على التائه أن يفتح الخريطة و ينظر في علامات الطريق ..
أن يعرض نفسه على القرءان ليضيء بصيرته ويهتدي إلى صراط ربه
وليس لهذا ثمن ءاخر غير نجاته ..
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ "
* فالذي نشأ في وسط يرى الحق والخير شر وباطل
وكل ميزان لديه مطعون فيه وحتى فطرته قد طمست لم تعد تضيء
فإذا سأل نفسه ماذا أريد وأين الجمال والصواب فكيف ترشده
وكيف ترصد اعوجاجه وترى مبلغ كدره ؟
* من لم يقم على إصلاح نفسه
يفتش عن عوارها ولا يرضيه سوء حالها فأنى له أن يفلح!..
ولربما خدعته نفسه فيراها تحسن وهي تسيء وتظلم
ثم يراها تطيع وتؤمن وهي تعصي وتكفر.
-----------------
* قلت : كل نعيم الدنيا مشوب بكدر .. فلا ينقى إلا أ ن يستفتح بذكر الله , ولا يصفو إلا أن يختم بحمده , ولا يتبارك إلا باستحضار فضل الله تعالى فيه وحقه وشكره
* وإلى كل مكروب ...
نتأمل :
" قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا " هل هو التصديق بها أم هو تحقيقها بمعنى قد حققتها ,
فإنما كان الأمر بمباشرة الذبح وقد كان ,
وكذلك كان قوله : " ... إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ " وليس ذبحتك ,
وكانت تتمتها بالفداء.
* وكذلك كما حجب هذا الجزء من الرؤيا عن خليله
ليبتلي صدق محبته وطاعته وتجريد قلبه
فأنت لا تعلم ما الذي حجب عنك من رحمة الله في البلاء
وقد يأتي عند انعقاد أزمة الكرب فرج ربك ,
وإذا صبرت لأمر الله صبرهم ورضيت وامتثلت له في صدق وأدب
فماذا يمنع عنك مع الإخلاص أن تنال جزاءهم الذي هو جزاء المحسنين
" إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ "
* يا رب , دعاء مضطر ضعيف عابر إليك كل سبيل ونورك في قلبه هو الدليل ,
يارب تقبل عنا القليل وتجاوز عن السوء الكثير أنت العليم الحليم ,
يا رب وامنن بعفوك الجميل وفرج الكرب الطويل وأذهب الهم الثقيل ,
يارب واشف عبدك , وأجب دعوتنا وأنجز فينا برحمتك جميل وعدك.
* وهنا نقل طيب:
أعظم أسباب شرح الصدر التوحيد:
"أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه" ..
"فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام .."
والعلم النافع يشرح الصدر ويوسعه حتى يكون أوسع من الدنيا ,
والجهل يورثه الحبس والحصر والضيق..
فأهل العلم أشرح الناس صدرا وأوسعهم قلوبا وأحسنهم أخلاقا وأطيبهم عيشا ..!
----------
* وردة بيضاء لأهل فلسطين
في العيد ,,, كم تمنت القلوب لو أهدت لكم ورودا بيضاء , بلون الصدق و الصفاء بلون السحاب في سماء الحرية والسلام الأخضر في أرض مباركة أريقت عليها على الدهر زواكي الدماء وشهدت على خطى الأنبياء , سلام حقيقي , لا يتحقق إلا بالاستسلام لأمر الله تعالى وقيام دينه في الأرض , كي يمحو كل ظلم وقهر واستبداد وخنوع وفساد وجور وتفلت , وليس لنا عزاء في أننا ليس في أحرارنا من هو خيرا منكم حالا , عم البلاء وانقطع في الأرض الرجاء ولم يعد إلا تجريد التوبة إلى الله فبه العون وعليه التكلان وإليه الإلتجاء ..
يا أهل غزة أنتم شهود ,,, على الظلم والعالمين قعود
على القهر يحكيه دمع الخدود ,,, وفي أرجل الصادقين قيود