حلب: عندما يقصف الروس مدينتك
دايلي بيست
26\12\2015
يقول جيش بوتين إنه يلاحق الإرهابيين فقط في سوريا. ولكن وجهة النظر في مدينة حلب مختلفة تماما. حيث يتساءل سكان المدينة عن سبب قصف الطيران الروسي لأسواقهم.
يقول رامي جراح, أحد سكان المدينة :" عندما أجلس هنا وأسمع صوت الطائرات,وهي كثيرة الآن, فإنني أعرف من الصوت إذا كانت الطائرة فوقنا – يمكنك معرفة ذلك لأن صوتها مرتفع- وإذا كانت الطائرة روسية, فإنها لا تقصف مكان تواجدنا. فهي تهاجم من مسافة كيلومترين أو ثلاثة".
أخبرني رامي جراح كيف يميز بين الطائرات الحكومية التي تقصف المدنيين حاليا في مدينة حلب. إنه سؤال يحمل إجابته داخله وليس هناك أكثر من ذلك, بالنظر إلى وجود الطيران السوري والروسي وطيران التحالف في سماء البلاد. الطائرات السورية, كما يقول, تطير على ارتفاع منخفض بحيث يمكنك أن ترى الطيارين في قمرة القيادة؛ أما الطائرات الروسية ثابتة الجناحين تطير على أرتفاعات أعلى بحيث يبدو وكأنها صلبان أو علامة زائد داخل السحب. وهي تقصف من مسافات بعيدة, وذلك للهرب من استهدافها برصاصات الدوشكا الروسية, التي يستخدمها معارضو الأسد عادة لردع المروحيات والطائرات الهجومية, والتي تحقق نجاحا في العادة.
يعيش جراح في العاصمة الصناعية لسوريا التي دمرتها الحرب, وهو يوثق البشاعات ذات الأوجه المتعددة للحرب الأهلية لصالح وكالة أخبار "أنا". بعد أن أتم دراسته في قبرص ودرس في لندن, فقد اشتهر أولا عام 2011 كشاهد عيان ناطق باللغة الانجليزية على قنوات التلفزة الغربية لما كانت في ذلك الوقت حركة مظاهرت سلمية ضد دكتاتورية البعثيين. اعتاد أن يطلق على نفسه "صفحة الاسكندر", وهو اسم مستعار لم يعد بحاجة إليه لأنه كما يقول ما الحاجة إلى اسم مستعار ضد واحدة طائرات بوتين؟
في السنوات الخمس الماضية, تنقل داخل وخارج سوريا. وعاد لما كان ذات مرة أكبر مدينة في سوريا وسكن في شقة قريبة من خطوط القتال بين القوات الموالية للأسد والمتمردين المناوئين له. يقول جراح :" جنود النظام متواجدون على بعد 200 متر من المكان الذي أعيش فيه" ولهذا السبب, فإن أطفال حلب يدرسون الآن في شقق قريبة من جبهات القتال, لأن مدارسهم التي لم يكن لها سقوف تعرضت لقصف روسيا. في هذه الأكاديميات المؤقتة, الخوف الأول هو من "صواريخ الفيل", أرض – أرض, التي يصنعها النظام محليا (يطلق عليها هذا الاسم لأنها تشبه خرطوم الفيل عندما يتم إطلاقها) التي يمكن أن تضرب من 60 إلى 70 مرة في اليوم.
عاد جراح إلى حلب منذ شهرين ليرى بنفسه ما الذي يبدو عليه التدخل الروسي على أرض الواقع. وليتأكد فيما إذا كان رفقاؤه في حلب يكذبون حيال حجم الدمار الحالي, وتجاوز عدد القتلى من المدنيين للعدد الذي كان يسقط من قبل النظام؟ تصر موسكو, بعد كل شئ, أنها تلاحق داعش وجماعات أرهابية أخرى وليس عربات الفاكهة والمستشفيات. حتى إن وزارة الدفاع الروسية لم تعلن مسئوليتها عن أي إصابات بين المدنيين وعادة ما تنكر استهداف مواقع ذات تواجد مدني كثيف والتي توحي الأدلة أنها استهدفت من قبلهم فعلا. ولكن الادعاءات بوجود دمار كبير سببه الروس حقيقية دون أي شك, وفقا لجراح. "روسيا تقتل المدنيين وتشن حرب معلومات. أريد أن يعرف كل شخص على هذا الكوكب ذلك, سواء أعترفت روسيا أم لم تعترف".
مراقبون آخرون للصراع يتفقون مع ذلك. وفقا للشبكة السورية لحقوق الإنسان, فإن 570 مدنيا قتلوا بسبب الضربات الجوية الروسية بين 30 سبتمبر, اليوم الأول لبدء روسيا يشن ضرباتها, و1 ديسمبر. وثقت هيومان رايتس ووتش استخدام روسيا للقنايل العنقودية, في خرق لقرار الأمم المتحدة 2139, الذي ساهمت موسكو في إقراره, والذي يدعو إلى "وقف للاستخدام العشوائي للأسلحة في المناطق السكانية". وفي تقرير يحوي 28 صفحة صدر يوم الآربعاء, ادعت منظمة العفو الدولية أنها عاينت ست ضربات جوية روسية – وأكدت مقتل 132 مدني. ووفقا لفيليب آرثر, مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو :" يبدو أن بعض الضربات الجوية الروسية استهدفت مباشرة مدنيين أو أهداف مدنية من خلال قصف مناطق سكنية دون أي دليل على وجود أهداف عسكرية أو حتى منشآت طبية, مما أدى إلى وقوع حالات من القتل والإصابة بين المدنيين".
في مقابل ذلك, طلبت وزارة الدفاع الروسية معرفة هويات مصادر المنظمات غير الحكومية على الأرض, وإلا فإن الوزارة سوف تعرفهم بنفسها.
أمضى كنان رحماني, وهو ناشط أمريكي من أصل سوري, قسما كبيرا من شهر نوفمبر في محافظة إدلب الشمالية, التي ترزح هي الأخرى تحت قصف روسي مستمر. حيث قال إنه في مدينة معرة النعمان "قصفوا على بعد نصف كيلومتر من المكان الذي كنت أتواجد فيه, مما أدى إلى مقتل ثلاثة أطفال في مدرسة". اعتاد سكان معرة النعمان على البراميل المتفجرة, كما يقول, في إشارة منه إلى البراميل المعدنية التي يتم حشوها بالشظايا والمتفجرت والتي تلقى من المروحيات السورية. ويضيف :" ولكن هذه البراميل كانت أكثر محدودية في حجم الدمار الذي تحدثه. أما الروس فإنهم يدمرون المزيد من المباني ويزيدون من الخطر على حياة السكان في الداخل. وهو ما يأخذ شكل العقوبة الجماعية. إذا كنت تريد الحياة في مناطق المعارضة, فإن هذه هي التبعات التي يجب أن تعيش معها".
الطلعات الجوية فوق مدينة حلب خاصة ازدادت سوء في الأيام العشرة الأخيرة. حيث شهدت المدينة بداية الشهر ثلاث أو أربع طلعات جوية في اليوم, ولكن العدد ارتفع الآن ليصل إلى 20 طلعة, على مدار الساعة, مع وجود عشرات الطلعات ليلا. وهذا أثر آخر للحرب الجوية الروسية. ولكن طائرات الأسد عادة ما كانت تهاجم خلال النهار فقط؛ ولكن هجمات بوتين مستمرة على مدارس الساعة.
الطائرات الروسية لا تأت مرة واحدة فقط وتفرغ حمولتها وتذهب. وفقا لجراح, فإنها تعود عدة مرات إلى نفس الموقع, وعادة ما تضرب أول المستجيبين الذين يطلق عليهم "الخوذات البيضاء" وهم فرق من الدفاع المدني الذين يعملون على إنقاذ الضحايا من تحت ركام الطلعات الجوية السابقة. ويتضمن هؤلاء الضحايا نساء وأطفال كما تظهر مقاطع فيديو وكالة "أنا" التابعة لجراح.
في 15 ديسمبر, قصفت الطائرات الروسية سوق المشهد في منطقة تسمى سيف الدولة. وهو سوق مركزي في مدينة حلب. يقول جراح :" عشرة أمتار إلى اليمين وكان من شأن الصاروخ أن يقع وسط السوق وأن يقتل 200 أو 300 مدني. الهجمات ليست بتلك الدقة".
في البداية, كان حائرا لماذا يمكن أن يخاطر الروس بقتل الكثير من المدنيين. ثم إنه تذكر منطق نظام الأسد في القتل في الأيام الأولى للثورة".
يقول جراح بأن منطق نظام الأسد كان كالتالي :" اقتل شخصا في المظاهرة وسوف يهرب الجميع". وكرر ذلك في اليوم التالي. ومن ثم عليك أن تقتل 5 أشخاص للوصول إلى نفس النقطة. الروس يريدون قتل الكثير من الناس مرة واحدة بحيث لا يكونوا مضطرين لقتل المزيد مرة أخرى. الأسواق تشكل شرايين المدينة. إذا قطعت شريانا, فإن المدينة بكاملها سوف تنزف.
ولكن لحد الآن, لم يكن هناك نزيف واضح لدى المدنيين في حلب لأن سكان المدينة لا يريدون الرحيل. يقول جراح إن ذلك لا يعود إلى أنهم وطنيون أو يريدون الوقوف لتحدي الهجوم الوحشي. الأمر يعود إلى أن معظمهم مشردون داخليا؛ أو لاجئون من مدن وبلدات وقرى أخرى من سوريا جاءوا ليسكنوا في الشقق التي تركها أهلها ولينشئوا مساكن بموارد لم تكن متوفرة لهم من قبل. يعتقد جراح أنه وبعيدا عن مدينة حلب القديمة, حيث لا زال السكان باقون, فإن المناطق الأكثر حداثة لم يبق فيها أكثر من 20% من السكان الأصليين. ويضيف :" أما الباقون فهم أشد الناس فقرا في سوريا. وإذا غادروا لن يكون لهم مكان آخر يذهبون إليه".
وسوم: العدد 648