مصارع الظالمين

الشيخ عبد العزيز رجب

الحمد لله الذي حرم الظلم على نفسه وعلى عباده، وأصلي وأسلم على خير خلقه، وعلى آله ومن تبعه بإحسان إلى يوم لقائه.

تحريم الظلم من الأمور المسلمة بين الناس، وقد حرمه الله على نفسه قبل أن يحرمه على عباده، فقال عز وجل في حديثه القدسي: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرما بينكم فلا تظالموا» (أخرجه: مسلم والحاكم، وقال: صحيح).

{ َا عِبَادِي! إِنِّي حَرَّمْتُ اَلظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي, وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا, فَلَا تَظَّالَمُوا} أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.‏ (1957)‏ .‏

وعن عبد الله بن عمرو –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله وإياكم والظلم فان الظلم ظلمات يوم القيامة». (متفق عليه).

والتاريخ مملوء بقصص عن نهاية ومصارع الطغاة الظالمين، وما جرى لهم من العذاب الأليم، والأمم التي أهلكها الله تعالى بسبب ظلمها وبغيها عديدة، كما قال سبحانه: }كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ (29) { [الدخان].

وهذه السنة الربانية المتكررة عبر، والظالمون يحتاجون إلى قراءتها وتدبرها وفهمها، لعلهم يرتدعون عن ظلمهم، ويرعوون عن كفرهم، فيشكرون الله على ما مَنَّ به عليهم من القوة والسيادة في الأرض بإقامة العدل ورفع الظلم، وعدم استغلال ضعف الضعفاء بالتسلط عليهم، ونهب ثرواتهم ومقدراتهم وتبديل دينهم .

وكما يحتاج الظالمون إلى معرفة السنة الربانية في إهلاك الظالمين لعلهم يجتنبون الظلم، فإن المظلومين في أَمَسّ الحاجة إلى معرفتها أيضًا، ولا سيما إذا كانوا من المسلمين أتباع الأنبياء -عليهم السلام-؛ لأن معرفتهم بعواقب المجرمين ومصارع الظالمين تزيدهم إيمانًا بدينهم، ويقينًا إلى يقينهم، وثباتًا عليه مهما كانت التبعات والتضحيات؛ كما أن فيها تسلية لهم، وفتحًا لأبواب الفرج والنصر، وكلما زاد ظلم الظالمين ، واستكبار المجرمين، وأصروا على تغيير معالم الدين علم المؤمنون أن هلاك الظالمين بات وشيكًا، وأن سنة الله الماضية في الظلم وأهله قد أَزِفَ وقوعها؛ لتكون عذابًا على أعداء الديانة، ورحمة ونجاة لأتباع الرسل عليهم السلام، كما مضت سنة الله تعالى في الظالمين السابقين الذين أُهلكوا في أوج قوتهم وسيادتهم، واستفحال ظلمهم وطغيانهم، كما قال سبحانه }فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ القَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ (الأنعام: 44-45) ، {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ{ (هود:102) .

القصاص من الظالمين:

ونتيجة للظلم الذي ارتكبوه فإن الله لن يتركهم أبدا يفرحون بظلمهم، بل سيعاقبهم أشد العذاب، فلن يتركهم الله أبدا؛ فأين فرعون وهامان وجنودهما؟ أين كسرى وقيصر؟ أين أبو جهل وأبو لهب وأمية؟ أين هتلر وموسيلينى؟ أين الطغاة على مر العصور؟ وكيف كانت نهايتهم؟ هل ظنوا أن الله غافلا عنهم؟ هل ظنوا أن الله تاركهم؟ لا ورب الكعبة! أبدا لن يتركهم، فعن أبي موسى –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إن الله يملي للظالم، فإذا أخذه لم يفلته».(متفق عليه).

فالظلم إلى زوال، والظالم إلى هلاك، وسنة الله مطردة في هلاك الأمم الظالمة، قال تعالى:} وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لِّمَّا جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ * وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ{ [هود:101]

ولينتظر زوال ملكه، قال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ{ [هود:117]،

حتى ولو كانت دولة مسلمة ظالمة، فإن الدولة الكافرة قد تكون عادلة، بمعنى أن حكامها لا يظلمون الناس، والناس أنفسهم لا يتظالمون فيما بينهم، فهذه الدولة مع كفرها تبقى فقد قيل: (العدل أساس الملك)، إذ ليس من سنته تعالى إهلاك الدولة بكفرها فقط، ولكن إذا انضم إلى كفرها ظلم حكامها للرعية، وتظالم الناس فيما بينهم.

قال الإمام الرازي في تفسيره "إن المراد من الظلم في هذه الآية الشرك، والمعنى أن الله تعالى لا يهلك أهل القرى بمجرد كونهم مشركين، إذا كانوا مصلحين في المعاملات فيما بينهم، يعامل بعضهم بعضاً على الصلاح وعدم الفساد".

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام، وذلك لأن العدل اساس كل شيء، فإذا أقيم أمر الدنيا بالعدل قامت، وإن لم يكن لأصحابها من خلاق -أي في الآخرة- وإن لم تقم بالعدل لم تقم، وإن كان لأصحابها من الإيمان ما يجزي به في الآخرة". (مجموع الفتاوى:2358)

واللعنة من الله تعني ملعون، أي مطرود من رحمة الله، قال تعالى: }أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ{ [هود: 18]

ولينتظر سوء الخاتمة: كما كانت خاتمة الظالمين على مدار السنين، وما نهاية الطغاة والظالمين من لدن تاريخ البشرية إلى يومنا هذا ببعيد.

ولا يشفع النبي صلى الله عليه وسلم للظالمين، فعن معقل بن يسار –رضي الله عنه– قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رجلان من أمتي لا تنالهما شفاعتي: سلطان ظلوم غشوم وآخر غال في الدين مارق منه». (أخرجه: مسلم والطبراني، وهو صحيح).

ويوم القيامة عذاب الظالم  شديد كما قال سبحانه: }وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17) {[إبراهيم].

وعن أبي ذر الغفاري –رضي الله عنه-  عن النبي  صلى الله عليه وسلم: «أنه يؤتى يوم القيامة بأنعم أهل الدنيا من أهل النار فيغمس في النار غمسة، ثم يقال له: هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا، وعزتك» .(أخرجه: مسلم وابن حبان وهو صحيح)

واجبنا نحو الظالم وظلمه:

وإذا كان الظلم سبباً في هلاك الأمة فمن الواجب شرعاً الإنكار على الظالم ومنعه من الظلم، وعدم الخضوع له، ولا الركون إليه، وبهذا تنجو الأمة مما قد يحل بها من عقاب أو هلاك بسبب الظلم الواقع فيها.

فيجب التصدي لهم، فقد جاء عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أنه قال: "يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ{، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس إذا رأوا ظالماً فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه". أخرجه: ابن ماجه والترمذي وقال: صحيح.

ووصف النبي صلى الله عليه وسلم من يتصدى للظلم بسيد الشهداء، فعن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيد الشهداء يوم القيامة حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر  فأمره ونهاه، فقتله». (رواه أحمد والطبراني، وهو صحيح).

بل هو من أفضل أنواع الجهاد: فعن طارق بن شهاب –رضي الله عنه- أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الجهاد أفضل؟ قال: «كلمة حق عند سلطان جائر». (أخرجه: الطبراني والنسائى وهو صحيح).

وعدم الاستكانة للظالم: وفي تفسير القرطبي في قال تعالى :}وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ{ [الشورى:39]"، أي إذا نالهم ظلم من ظالم لم يستسلموا لظلمه".

وعدم الركون إلى الذين ظلموا: قال تعالى: }وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ{ [هود:113].

إنّ الميل إلى الظالمين يسبب مس النار والإحراق في نار جهنم، فكيف بالظالم نفسه الذي يتعدى على حرمات المسلمين وأموالهم وحرياتهم وحقوقهم وأعراضهم، ...الخ.

ولا يعان الظالم على ظلمه، فأعوان الظالم ظلمة مثله، فلا تجوز إعانة الظالم، كما حصل لفرعون وأعوانه. قال تعالى: }فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ{[القصص:40]

وعن أبي سعيد –رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يكون أمراء يغشاهم غواش وحواش من الناس يكذبون ويظلمون فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه، ومن لم يدخل عليهم ويصدقهم بكذبهم ويعينهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه».(رواه: ابن حبان والترمذي وهو صحيح).

ولا يعان الظالم على بقائه في مركزه الذي يمكنه من الظلم، ولا يُدعى له بالبقاء، لأن في بقائه استمرارٌ لظلمه، وقد جاء عن الحسن البصري أنه قال: "من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه".

ثم أخيرا  الدعاء على الظالم، كما قال تعالى: }لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوء مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً{ [النساء:148].

ودعوة المظلوم لا ترد، عن أبى هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين». (أخرجه: أحمد، والترمذي وقال: هذا حسن) .

اللهم عليك بالظالمين، وانتقم منهم  ومن عاونهم وناصرهم، وارفع الظلم عنا وعن كل المظلومين.

وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

وسوم: العدد 666