الأسير والدعوة إلى الله !! (ثبات _وموقف _ وكلمة )

أن يكون الإنسان أسيرا أو سجينا يتحكم الآخرون بحريته وتصرفاته ، ويروضونه على ما يريدون ؛ فهذا ما عرف قديما وحديثا حتى إن عددا من النظريات طبقت على بعض الأسرى والمساجين في ظروف معينة جعلت منهم أرقاما تتحرك بفعل فاعل ، وشخوصا توجه من خارجها . غير أن هذا لا ينطبق على كل أسير و سجين فقد يمتلك الآخرون جسده ، ويقيدون حريته ، ولكنهم لا يقدرون على امتلاك عقله وفكره ؛ لأنهما خارج نطاق سيطرتهم ، بل قد يجد وهو في الأسر مجالا لنشر دعوته وبث فكرته ! 

فهذا يوسف _ عليه السلام _ قبل أن يفتي الرجلين في رؤياهما ، ويؤلها لهما ، يبلغ دعوته ، ويدعو الآخرين إلى الانعتاق من عبودية غير الله " يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار " 

39/40 / سورة يوسف 

وعلى طريق تاريخنا الإسلامي العظيم نلتقي بنماذج من هذا القبيل فهذان (زيد وخبيب ) يباعان لقريش ليقتلا برجال قتلوا منها ، وفي الأسر يكونان مثلا فذا فهما لا يأكلان مما لم يذكر اسم الله عليه ، ويكتفيان باللبن ، ويرى المشركون من خلالهما كرامة الله لأوليائه تقول (ماوية ) المرأة التي سجن خبيب في بيتها _ كما ذكر ابن هشام في السيرة _ كان خبيب عندي ، في بيتي، فلقد اطلعت عليه يوما و إن في يده لقطفا من عنب مثل رأس الرجل يأكل منه ، وما أعلم في أرض الله عنبا يؤكل ، … وقال لي حين حضره القتل : ابعثي إلي بحديدة أتطهر بها للقتل ، قالت : فأعطيت غلاما من الحي الموسى ؛ فقلت : ادخل بها على هذا الرجل البيت ، فوالله ما هو إلا أن ذهب الغلام بها إليه ؛ فقلت : ماذا صنعت ! أصاب _ والله _ الرجل ثأره بقتل هذا الغلام ، فيكون رجلا برجل ، وقد ندمت على ما فعلت ، فلما ناوله الحديدة أخذها من يده ، ثم قال : لعمرك ما خافت أمك غدري حين بعثتك بهذه الحديدة إليّ……والمرأة تنظر خائفة ، فينظر إليها ، ويقول : أتحسبين أني أقتله ! إن ديني ينهى عن الغيلة ( الغدر ) 

ويقع عبد الله بن حذافة في الأسر ويروي صاحب سير أعلام النبلاء :أنهم سجنوه ومنعوا عنه الطعام والشراب ودفعوا إليه لحم خنزير وخمرا فبقي أياما لا يطعم ولا يشرب حتى ذوى فقيل للملك : إنه ذوى فقال : أخرجوه .. فقيل لعبد الله : ما منعك أن تأكل وتشرب ودينك يبيح لك ذلك في التهلكة ؟! 

فيقول : إني لأعلم ذلك ولكني كرهت أن أٌشمتكم بالإسلام !! 

فلم يستطيعوا من خلال حاجاته الإنسانية ان يهزوا قناعاته بفكره 

والتزامه بدينه فكان لهم أن يتحكموا في الجسد ويضغطوا عليه ولكنهم لم يستطيعوا أن يؤثروا في فكرته وعقيدته ….. 

ويدعي الأسود النبوة ويؤتى بأبي مسلم الخولاني وتوقد له النار ويقول له : أتشهد اني رسول الله فيقول : لا أسمع 

فيقال له : أتشهد ان محمدا رسول الله فيقول نعم ويدفع به إلى النار ويكرم الله رجلا من أمة محمد كما أكرم به خليله إبراهيم عليه السلام 

ويقول الشيخ عبد الحميد كشك _ يرحمه الله _ في إحدى خطبه : لما جيء بالأستاذ سيد قطب إلى حبل المشنقة جيء بأحد الموظفين المعممين ليلقنه الشهادة _ في زعمه _ فيلتفت إليه السيد قائلا : أتلقنني الشهادة نحن نموت من اجل لا اله الا الله وانتم تأكلون الخبز بها ؟! 

وكان من قبل قد طُلب إليه ان يكتب كلمة اعتذار ليتمكنوا فيما قالوا : من استصدار عفو عنه فقال كلمته الخالدة إن الإصبع الذي يشهد لله بالوحدانية كل يوم خمس مرات ليأبى ان يكتب كلمة يستعطف بها ظالما !! ويحدث احد الدعاة وكان قد سمح له بزيارة لابنه المعتقل وقد خلعوا له سبعة أظافر فيقول : كان يمشي بين سجانيه رافع الرأس بارز الصدر والله لما رأيته ما ظننت إلا انهم المسجونون وهو سجانهم ؟! 

ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين

وسوم: العدد 673