التأدب مع عالم الدين إنما هو أدب مع الدين
استوقفني عنوان نشره موقع هسبريس وهو : " بنحمزة يربط بين الإرهاب وتسيب فتاوى الموقعين عن الله " وبعد قراءة المقال استوقفتني التعليقات عليه وكانت من ضمنها تعليقات لم تحترم قواعد الأدب و التأدب مع عالم جليل هو فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور مصطفى بنحمزة عضو المجلس العلمي الأعلى ورئيس المجلس العلمي المحلي بوجدة . وتلك التعليقات دليل على التسيب الحاصل عندنا ، والذي تحدث عنه فضيلته ،، وسببه هو التجاسر على العلم وأهله عند البعض، ومرد ذلك إلى انحشار هؤلاء في تيارات وتوجهات منحرفة وشاذة لها حساسية ضد الإسلام الرافض لانحرافها ، وهي تروم إقصاءه من الحياة لتخلو لها الساحة، فتعربد فيها كما تشاء، وتستبيح ما لا يستباح من القيم والأخلاق. والسمة الغالبة على تعليقات الذين لم يحترموا قواعد الأدب هو الجهل الصارخ والمخجل والمركب ، والذي يعكس المسافة التي تفصل أصحابها عن التمييز بين الكوع والبوع كما يقال للتعبير عن فداحة الجهل المتفشي لدى البعض ،ومع ذلك سمح الموقع لتعليقاتهم بالظهور، وذلك في الحقيقة تعريض منه بسمعته الإعلامية ، ولا يستبعد أنه يتخذ تلك التعليقات مطية للتعبير عما يخفيه من مواقف سلبية تجاه بعض المفكرين والعلماء الذين لا يرضون ميوله الإيديولوجية ، ولا يعزفون على أوتاره التي تبين بما لا يدع مجالا للشك أنها علمانية الهوى ، وقد دأب على نشر كل ما يستبيح حرمة الدين، بل صار بوق دعاية للتيار العلماني وهو ينفخ في عناصره من خلال تقديمهم بنعوت مضخمة من قبيل الخبراء والمتخصصين... وما هم في حقيقة الأمر سوى متعصبين للتيار العلماني يبحثون عن موقع قدم في مجتمع مسلم رعاياه متدينون يسفهون كل تيار دخيل لا ينسج مع عقيدتهم . ولا هم لهؤلاء المتعصبين للعلمانية سوى النيل من الدين ومن علمائه والتشكيك فيه وفيهم بشتى أساليب المكر والخبث . وليس هؤلاء سوى أشخاص مستأجرين يمارسون القوادة العلمانية نيابة عن العلمانية الغربية في مجتمع مسلم يلفظ تلك العلمانية ويستهجنها لأنها عبارة عن توجه يهبط بإنسانية الإنسان إلى الحضيض وإلى أسفل سافلين ،ويستبيح كرامته بعد درجة أحسن تقويم التي لا يضمنها له إلا الدين . ومن أساليب تجاسر العلمانيين ومن تستهويهم طروحاتهم على الإسلام الاستخفاف بعلمائه ،وتلقين رعاعهم وسوقتهم ذلك لأن غرضهم هو التطبيع مع التجاسر على قدسية الدين من خلال استهداف من لهم به علاقة خصوصا أهل العلم والدراية به . ومعلوم أن التأدب مع علماء الدين إنما هو في الحقيقة تأدب مع الدين ، ذلك أنهم لا ينتقدون ولا يعرض بهم كأشخاص بل يفعل بهم ذلك بسبب علاقتهم بالدين . وإذا كان التأدب مع الناس كافة مما أمر به الإسلام ، فإن التأدب مع علمائه مما أوجبه ، ذلك أن الله عز وجل صرح في محكم التنزيل بأنه قد رفع الذين أوتوا العلم درجات ، وجعلهم أشد الناس خشية له ، وما ذلك إلا لأنهم يعلمون ما لا يعلمه غيرهم من عامة الناس . وإذا كان الله عز وجل قد رفع من شأن أهل العلم عموما وأهل العلم بدينه خصوصا ،فما بال البعض يحاول الحط من شأنهم وقدرهم ، ويغري الرعاع والسوقة والعوام والجهلة والسفهاء بالتجاسر عليهم ؟ ومن نماذج التعليقات التافهة على ما أشار إليه المقال بخصوص ما ذكره فضيلة العلامة من نماذج الاجتهاد الفقهي في النوازل، قضية الأمر بتوسيع الحرم المكي ليتسع لتزايد عدد الحجيج قول أحد سفهاء المعلقين : هذا الاجتهاد لو طرح على صبي لأفتى بمثله . وهذا يعكس الجهل المركب لدى صاحب هذا التعليق لأنه يستبيح الفتوى حين يجعلها في متناول الصبية ، و هو يعتقد أن توسعة الحرم المكي أمر هين يحتاج إلى مجرد الزيادة في المسافة طولا وعرضا وارتفاعا كما ورد في تعليقه، وهو جاهل بعبادة الحج ومتطلباتها . والذين اجتهدوا في توسعة الحرم المكي من أهل العلم لم يقدموا على ذلك من فراغ أو عن هوى بل التزموا بشرع الله عز وجل وهم أعلم وأدرى بموضوع توسعته بكيفية لا تمس بجوهر عبادة الحج . وقول الرعاع أن فتاوى العلماء ليست بشيء ، وهي في متناول كل من هب ودب هو نتيجة مباشرة لتطاول بعض العلمانيين على الإسلام ،ومحاولة الخوض في قضايا بشكل مثير للسخرية بغرض تطويعه كي يساير أهواءهم، وليحققوا حلمهم وهو ما يسمونه لا دينية المجتمع أو مدنيته، وهو عبارة عن رغبتهم في الاحتكام إلى تشريعاتهم الوضعية عوض الاحتكام إلى شريعة السماء. وتعكس مناقشات العلمانيين التي تنشرها بعض المواقع على الشبكة العنكبوتية للقضايا الدينية جهلهم الصارخ به ، وسوء فهمهم لآراء أهل العلم به. ولقد بلغ غرور هؤلاء ادعائهم العلم والإحاطة بقضاياه أكثر ممن هم أعلم بها ، بل تسول لهم أنفسهم السخرية من هؤلاء واتهامهم بالجمود . ولا يسلم من ألسنتهم الوقحة عالم قديم ولا عالم حديث ،فالكل في نظرهم على ضلال ، وأن لا أحد يملك ناصية الحقيقة إلا هم ، ولا فهم للدين يضاهي فهمهم المتطور . وتستهوي شطحاتهم قطعان الرعاع والسوقة الذين يجدون متعة في خرجاتهم المتجاسرة على الدين وعلمائه . ولا ينتظر من هذه القطعان المطبعة مع الانحلال والانحراف والفساد إلا ازدراء الدين لخلق المناخ المناسب لتبرير سلوكاتهم المنحرفة . فماذا ينتظر على سبيل المثال من مثليين أو شواذ جنسيا همهم الوحيد في مؤخرتهم أن يقولوا في الإسلام وهو يدين فاحشتهم ؟ وماذا ينتظر من مجاهرين بالإفطار في رمضان أن يقولوا في الإسلام المانع للمجاهرة بالمعصية ؟ وماذا ينتظر من كاسيات عاريات مائلة مميلة أن تقول في الإسلام وقد شرع لهن لباسا يستر ما تردن الكشف عنه ليكون في متناول العيون ، ولتحرك بذلك الغرائز؟ وماذا ينتظر من شاربي الخمر أن يقولوا في الإسلام ،وقد حرم عليهم معاقرتها ؟ وتتوالى مثل هذه الأسئلة المتعلقة بجميع أصناف السلوك الممنوعة شرعا والصادرة عن أهواء . وحين ينبري أهل العلم إلى تبصير الناس بالممنوع والمحرم في دينهم يتصدى لهم العلمانيون لتكريس هذا الممنوع والمحرم بذريعة الدفاع عن الحريات العامة . ومتى كانت ممارسة الممنوع والمحرم حرية ؟ وإذا كان هؤلاء لا يقبلون ولا يستسيغون اعتبار مخالفة ما يسمى القوانين المدنية ، وهي قوانين وضعية ممارسة للحرية فما بالهم يستسيغون اعتبار مخالفة قوانين الشرع الإسلامي ممارسة للحرية ؟ ومعلوم أن محاولة التجاسر على أهل العلم ، ودعوة العوام إلى ذلك وتشجيعهم عليه هو عملية تخريب ممنهجة للهوية الإسلامية التي لا قيمة لنا بدونها بين شعوب المعمور. ولقد بات التآمر على الإسلام وعلمائه مكشوفا في الخارج من طرف أعدائه ، وفي الداخل من طرف مأجوري العلمانية الذين يحاطون بهالة إعلامية كبرى لتحقيق الهدف من ذلك التآمر. ولقد ثبت عبر التاريخ أن التآمر على الإسلام لا يزيده إلا انتشارا ، ولا يزيد أهله إلا قوة وصلابة ، وكل مكر يمكر به وبهم لا يحيق إلا بالماكرين.
وسوم: العدد 710