الرسول و فن الإشراف التربوي و الدعوي
الرسول صلى الله عليه و سلم يؤسس البيان :
كان الرسول صلى الله عليه و سلم مؤيدا بالوحي من الله تعالى ومعوناته ، و مع ذلك أقام تلك الدعوة على المؤيدات البشرية مستحضرا كل المعاني الربانية في التأييد و النصرة . و قد ظهر هذا جليا من التربية الفريدة و المميزة لذلك الجيل الأول ، فكانت نوعية تلك التربية مركزة ، واجهت الواقع في المحك و في الميدان ، لأن مثل هذا النوع من التربية هو الكفيل و الضامن للصمود في مواجهة التحديات و المتاعب المرافقة للطريق .
فكان السائر في الطريق مزودا بمناعة خاصة ، يقاوم بها تلك الهزات العنيفة ، لأن نواميس سنة التدافع تقرر أن الثبات للأصلح ، و أن الاستمرارية لصاحب المبادئ المضحي ، صاحب البذل و العطاء ، و للفرد الذي يضع كل مواهبه في خدمة تلك الغاية طاعة لله و الرسول صلى الله عليه و سلم .
الرسول يرعى البناء في الميدان :
كانت دار الأرقم هي المدرسة الأولى لتعهد ذلك الغرس الجديد بالتربية الرصينة ، لتربية أظهرت كل سمات المنهج في شموله ، منهج نقي صافي ، فأنشأ جيلا سليم العقيدة، صحيح العبادة ، مثين الخلق ، جيل استوعب كل الخصائص الدعوة . و إن الملفت في هذا البناء ، أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يهمل أقرب الناس إليه ، فكان أهل بيته أقرب داعم لهذه الدعوة ، فكانت الزوجة و الأبناء و أبناء العمومة و الأعمام ثم لتتسع الأوسع لتشمل أطياف المجتمع ، و هي قيمة يجب الوقوف عندها ، على رجل الدعوة عدم اهمالها ، .و تتأكد هذه الرعاية من حيث تأصيلها من خلال توجيه القرآن الكريم للرسول حاضا إياه لزوم المرافقة التربوية و المتابعة الميدانية للبيان . فلا يصرفه شاغل عن هذا المقصد باللفظ القرآني " اصبر نفسك " في قوله تعالى ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ من سورة الكهف
نماذج الرعاية النبوية للصحابة :
لقد كانت المعايشة الحسية و الشعورية للصحابة واقعا ملموسا في حياة الصحابة رضي الله عنهم من خلال المشاركة ، حيث لم تنفك حياة الصحابي عن حياة الرسول صلى الله عليه و سلم ، يعايش دقائق حياتهم في حله و ترحاله ، في فرحه و أشجانه ، يشاركهم مشاركة مكنت الصحابة الاقتداء الصحيح جسد توثيق حياة الدعوة قولا و عملا و تقريرا و صفة ، فلا تكاد جزئية بسيطة في مفصل حياة الدعوة تغيب عن الصحابي في حياة رسول الله ، ربما المقال لا يسعنا أن نعرض كل النماذج و لكن يكفينا عرض نماذج عملية مضيئة لتلك المعايشة .
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سالت فسال الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لم اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وان اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف).رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
من ثمار الغرس التربوي للصحابة رضي الله عنهم :
لقد كان الغرس طيبا ، أثمر رجالا عظماء ، لم ترى الدنيا مثلهم ، تميزا في العطاء و التضحية و الجهاد، فكانوا حقا صمام آمان لهذه الدعوة المباركة ، فأبلوا البلاء الحسن في حياة الرسول، ثم أكملوا مشوارهم بعده صلى الله عليه ، حملوا تكاليف و واجبات دون كلل أو ملل ، وفاء لعقد و ميثاق ، فكانت أعمالهم كالدرر و المصابيح المضيئة ، فأقاموا صرح حضارة تحمل الروائع ، حوتها رفوف المكاتب ، و صدور العلماء و الأثار ، فمن يذكر أعمال الصديق أبي بكر و الفاروق عمر، و خطاء عثمان و فداء علي رضي الله عنهم وتضحية الزبير و طلحة و أبي عبيدة و خالد و أمهات المؤمنين و فاطمة بنت زيد نسيبة و القعقاع و أبي رواحة و مصعب رضي الله عن الصحابة أجمعين ، إنها قائمة طويلة لتاريخ حافل بالأعمال الكبيرة ليت ذاكرة الأمة تعود ، لتقرأ الروائع ، و تسجل صفحات تاريخ عاشته الأمة في رحاب التربية النبوية لجيل مميز، و ليتنا نتأسى بهم في الوفاء لديننا و لهدي رسولنا ، نحمل أثر ما حملوا ، فنمضي به في عزة ، نحمل النور و الهدي للإنسانية التائهة .
وسوم: العدد 725