ذكريات من الحج ..

الشيخ حسن عبد الحميد

١/ رحلة إلى بيت الله الحرام 

خرجنا من نجران بعد العصر ، وصلنا أبها مصيف المملكة وأردت صلاة العشاء قال ولدنا عبد الحميد لاتصلي إلا في الحرم إن شاء الله ، حيث الصلاة بمائة ألف صلاة ، وبيننا وبين مكة ٧٠٠ كم ، وسرنا على بركة الله ، وعبد الحميد ولدنا لا يطيب له السير إلا في الليل ، وهو حفظه الله صبور جلود على قيادة السيارة فلم ينزل عن المقود إلا من أجل البنزين  .

أنا لا أحب السفر بالليل وهو على العكس ، سرنا وعيني على العداد كي تكون السرعة ١٠٠ ، ولكنه وضع شيئا فوف العداد كي لا أرى سرعته ، وسرنا والسيارة تنهب الأرض وعناية الله تحوطنا ، والطرق في السعودية ممتازة ، مررنا ببلجرشي ثم الباحة وتابعنا السير إلى مكة ، واللافتات ترشد مكة على بعد ٢٠٠ كم ، وقوي أملي بالصلاة في الحرم واقتربنا من الطائف ، ها قد اقتربنا من ديار الأحبة ، ودخلنا مكة  في الساعة الثانية بعد منتصف الليل ، هذه مأذن الحرم تلوح لنا ، الله أكبر وصلنا حرم الله الشريف الذي قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ( إنك أحب البلاد إلي  ) وبعد لحظات دخلنا موكب الطائفين وصلينا عند المقام ، وصلينا العشاء كما هو الوعد ، وحمدنا الله على حفظه ورعايته ، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم  .

٢/ في إحدى الحجات خالفت ولي الأمر وعملنا خطأ نستغفر الله منه بعدم وجود تصريح للحج ، أحرمنا من وادي محرم قرب الطائف وهبطنا في طريق هابط اسمه الهدا وتذكرت طريق الرستن في سوريا فهو كطفل أمام عملاق ، أحرمنا وهبطنا طريقا من أعاجيب الدنيا ، كنت في أسفله ونظرت إلى الأعلى فترى البولمان في الأعلى كأنه عصفور يتحرك ، شيء مخيف كلما ركبت هذا الطريق يرتفع معي ضغظ الدم وأصاب بالدوار .

في وديان هذه الجبال الشاهقة سار عظمينا محمد صلى الله عليه وسلم ، سار في هذه الوديان ومعه غلامه أسامة قاصدا الطائف يطلب الحماية ، يحدوه الأمل في هداية ثقيف ، وقصف بالحجارة حتى دميت قدماه  ، حتى وصل إلى نخلة قرب مكة جلس ، وصلى الصبح وابتهل إلى الله بدعاء خاشع 

( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين ، أنت ربي ، إلى من تكلني ، إلى بعيد يتجهمني ، أم إلى عدو ملكته امري ، إن لم يكن بك غضب فلا أبالي .... لك العتبى حتى ترضى ) 

صلى الله عليك تتحب إلى ربك ، وتتلطف إليه ، وتتودد ، صلى عليك الله يا علم الهدى .

في هذه الصلاة جاء وفد من الجن فسمع القرآن ، ( قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرانا عجبا ) وبالخط العريض ( يهدي إلى الرشد ) أجل والله يهدي إلى الرشد ، افتح المصحف تجد سورة اسمها سورة الجن ، اقرأها .

هبطنا جبال الهدى سالمين وصرنا على بعد ٢٠ كم من عرفة وكانت مئات السيارات القشق أمامنا ، أوقفنا الشرطي ، دعس السائق ولدنا عبد الحميد ولم يشعر إلا وهو في عرفة ، ولكن السيارة غرزت وغطست في الرمال ، تركناها ومشينا مشيا لنلتقي بالدكتور عدنان النجار والمختار ابو نذير رحمه الله  ووليد الجديد ، والتقى الأحبة في اطهر بقاع الدنيا 

في أرض عرفة ، وكان وصولنا منتصف الليل ، التقينا بعلي كامل ومعه نسوة ، طلبت من ولدي أن يركب نساء بلدنا مع راعيهم ، تركت سيارتي لأبناء البلد ، وهمت في عرفات ومشيت إلى المزدلفة فبيل الفجر ، مررت بالمزدلفة صليت جمعا المغرب والعشاء ، وتابعت السير مشيا إلى جمرة العقبة ، رمينا الجمرة فجرا ، ولم نصل إلى بيت اولاد البلد في مكة إلا بعد الظهر ، كان معنا الحاج وليد الشديد لما راني ظهرا في مكة ناعس الطرف أخدني إلى بيته قسم الصالون بالشرشف ، وعشنا فترة من الزمن في ظلال الحرم ، ثم ذهبنا إلى جدة  .

 وفي كل حين وعند كل أمر ونهي نرفع صوتنا عاليا قائلين :

لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة ، لك والملك ، لا شريك لك  .

وندع من يقول لبيك ياعلي ، لبيك ياحسين ، تراب حذاء على رؤوسنا لكن لانقول إلا لبيك اللهم لبيك .

وحانت لحظة الختام فقلنا للقلم : 

تكلم السيف فأسكت أيها القلم 

وسر مع الجيش وأخفق أيها العلم 

لكن الجيش تمزق ، والعلم تخرق ، ولا حول ولا قوة إلا بالله  .

فرجك ياقدير .

وسوم: العدد 735