العيد الأكبر والنصر المظفر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد.
فمن رحمة الله بعبادة المؤمنين وبأمة محمد الصادق الأمين، أن جعل لها عيدين في كل عام، عيد الفطر وعيد الأضحى، وعيد الأضحى المبارك يسمى بالعيد الأكبر لما فيه من نصر مظفر، لأنه يُعيد الأمل للأمة بما فيه من انتصارات وفتوحات فردية وجماعية، وعلى المستوى النفسي والمادي، لذلك نحن نكبر ونقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر.
الله أكبر الله أكبر *** زلزلت حصون خيبر
الله أكبر الله أكبر *** أنشودة الجيش المظفر
الله أكبر الله أكبر *** من على فالله أكبر.
ولم لا وهو أعظم الأيام عند الله، لما فيه من خير كثير، فعن عبد الله بن قرط - رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن أَعظمَ الأيام عند الله - عزَّ وجلَّ - يومُ النَّحر، ثُم يَومُ القَرِّ». أخرجه: أبو داود بإسناده حسن.
فقد انتصر فيه إبراهيم - عليه السلام - على الشيطان الرجيم ، وعلى حب الولد الذى جاءه على الكبر، وانتصر إسماعيل – عليه السلام- على حب الحياة وهو لا زال غلام صغير، وانتصرت هاجر على الشيطان وحب الولد، واستجابوا لنداء ربهم، بذبح إسماعيل – عليه السلام- وقد فداه الله في هذا اليوم بذبح عظيم وأصبحت الأضحية من شعائر يوم العيد، كما قال – سبحانه - :{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109)}[الصافات]
وأصبح رمي الجمرات من شعائر الحج في أيام عيد الأضحى، فعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: « إِنَّ إِبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- لَمَّا أُرِيَ الْمَنَاسِكَ عرض له شيطان عند الْمَسْعَى فَسَابَقَهُ فَسَبِقَهُ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ- ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- حَتَّى أَتَى بِهِ مِنًى فَقَالَ: مَنَاخُ النَّاسِ هَذَا ثُمَّ انْتَهَى إِلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَعَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى ذَهَبَ إِلَى جَمْرَةِ الْوُسْطَى فَعَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حتى ذهب ثم أتى جَمْرَةَ الْقُصْوَى فعَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى ذَهَبَ...الخ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ
وانتصر الحُجَّاجُ وفازوا بمغفرة الله ورضوانه وهم أمس على جبل عرفات، وهذا أول يوم في حياتهم الجديدة بلا سيئات، فقد روى جابر – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «إذا كان يومُ عرفةَ نزل الربُّ إلى سماءِ الدُّنيا ليباهي بهم الملائكةَ فيقولُ انظروا إلى عبادي أتونى شُعْثا غُبْرا ضاحين من كل فجٍّ عميقٍ أشهدُكم أنى قد غفرتُ لهم » أخرجه: ابن خزيمة، والبيهقي بسند صحيح
وفاز المُضَحُّون في هذا اليوم أيضا بمغفرة الله – تعالى - ما روي وعن عمرَان بن الْحصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - أَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم- قَالَ لفاطمة: «قومِي إِلَى أضحيتك فاشهديها؛ فَإِنَّهُ يغْفر لَك عِنْد أول قَطْرَة تقطر من دَمهَا كل ذَنْب عملتيه. وَقَوْلِي: إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي [ومماتي] لله رب الْعَالمين لَا شريك لَهُ، وَبِذَلِك أمرت وَأَنا من الْمُسلمين. قَالَ عمرَان: يَا رَسُول الله، هَذَا لَك وَلأَهل بَيْتك خَاصَّة - وَأهل ذَلِك أَنْتُم - أم للْمُسلمين عَامَّة؟ قَالَ: بل للْمُسلمين عَامَّة». أخرجه: الطبراني، والبيهقي، والْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد.
وفازت الأمة بهذا المؤتمر الأكبر والحشد الأعظم في فريضة الحج، حيث اجتمع ملايين المسلمين على اختلاف ألوانهم وأعراقهم وجنسياتهم، يهتفون ويرددون هتافا واحدا وشعارا واحدا (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك) وفى هذا اليوم يرددون (الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد).
وفاز الذين وَسَّعُوا على أولادهم وأهليهم في أيام العيد من الهدايا والعطايا، فعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -قَالَ: «إذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً». متفق عليه.
وزاروا أقربائهم، ووصلوا أرحامهم، كما جاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ في أثره فليصل رحمه» . متفق عليه.
وفاز الذين تصدقوا على الفقراء والمساكين، وأدخلوا السرور على الأرامل واليتامى، وكان هذا من دأبه – صلى الله عليه وسلم - في العيد وغيره ، فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه – قال : خرج رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي أضحى، أَو فطر، فصلى، ثمَّ انْصَرف فوعظ النَّاس، وَأمرهمْ بِالصَّدَقَةِ فَقَالَ: « يَا أَيهَا النَّاس، تصدقوا ». متفق عليه.
فهنيئا لكم بهذه النفحات، وهذه الكرامات، وهذا الأجر العظيم من رب الأرض والسماوات، التي أنزلها عليكم في يوم عيدكم، فنحمد ونشكره، فيزيد في عطائه ومنه.
ولكن معاشر المسلمين، نحن ننتظر فرحًا أكبر، ونصرًا مظفرًا، وذلك بالانتصار على الأعداء وتحرير الأوطان من الطغاة والمستبدين، فنعيد بذلك أمجاد أسلافنا الفاتحين، ونرفع الظلم عن الضعفاء والمساكين.
أيا عيدُ متى النصرُ؟ *** متى حطينُ أو بدرُ؟
تُرى هل يشرقُ الفجرُ؟ *** ونفرحُ فرحةَ الأصحابْ
وهو آت بإذن الله لا محالة، إذا أحسنا الظن بالله، وعملنا بالأسباب وتوكلنا على الله، وربينا أنفسنا على الإيمان بالله، والتزمنا بهدى رسول الله، وأدى كل واحد منا ما هو مطلوب منه نحو دينه ووطنه وأمته والإنسانية، وتوحدت الصفوف، وترابطت الكفوف، وَصَفَتِ القلوب، وَغُفِرَتِ الزلات والعيوب، عند ذلك سيأتي النصر المظفر، الذى وعد به الله المقتدر المتكبر، ونهتف الله أكبر الله أكبر الله أكبر، ولا إله إلا الله، والله أكبر ولله والحمد.
كما قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }[النور:55].
نسأل الله – العظيم- أن يوحد صفنا، ويؤلف بين قلوبنا، ويجمع شملنا، ويوحد بالحق كلمتنا، ويصلح ذات بيننا، وأن ينصرنا على عدوه وعدونا، وأن يغفر لنا، ويتوب علينا، ويعيد علينا الأعياد ونحن في أحسن حال، اللهم آمين
وسوم: العدد 736