يوميات رمضانية
طالت قائمة المشتريات لشهر الخير، والعربة عانقت هام السحاب (حالها حال غيرها ولا أعلم ليش)؟!
نعم، بعض العيون تصطاد تواريخ الصلاحية، والأُخريات يوجعها مقدار الثمن لكل سلعة معروضة، وتكتفي بحزن الكلام: "فلوسنا ما تكفي"
(يا الله.. كم هذه الكلمة موجعة)
هذا حالنا ساعة التسوق، ذاك يجر عربته بشموخ شاهق، وتلك تجر أذيال الحسرة لعوزها، ووجه المقارنة بينها بالنظرات والعربات!
والأُخرى تُربت على كتف ابنها بدلع التحنان، والمباهاة بلون (آيس كريم باسكن روبنز)، وأخرى تُتمتم بالوجع: (أصبر يا ولديّه، وما يخالف بشتري لك بكره إن شاء الله إذا صار عنديّه)!
هذا من جانبٍ، والجانب الآخرٍ في موقف السيارات، تتعطل سيارة عطية صاحب الثوب اللماع، والحذاء الماركة (كرمكم الله)، وكُل الأيادي تتعاضد، وتُشمر عن سواعدها لنجدته ومساعدته (بالدف، وتعشيق القير في اثنين للنتعة).. وما أن (تنتع)، ويدور مُحركها إلا وتتصاعد الصلوات، ويحلو التصفيق في ذاك الجو الحار والملتهب!
حينها همس محمد في أذن عطيه: (عاد بخهم بكم ريال لأنهم ساعدوك)..
فتبسم عطية وقال: (اشلون بيدخلون الجنة أجل، ما يبون الأجر)
الشاهد هُنا: (بتشوف) الفوارق والصواعق بكل شيء، وبالخصوص ساعة تهادي الأطباق.. ليس فقط نوعية الطعام وحسب، فحتى بين مستوى الخزف والبلاستيك، وكذلك نوعية المعدن الذي صدّعه الفقر لتعففهم.. فتأمل ساعة الغروب في عيون الفقراء، لتشاهد لحظة الفرح، ودهشة الركض لرد الجميل.. وكأن لسان حالهم يقول: (حتى أحنه عطيناكم من طبخ بيتنا)!
ولك أن تُقسم العطاء في من يُبرهن لك بقوله تعالى: "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون"، وبين من يُلملم ما تبقى من طعامه، أو ما أهداه إياه ذاك الفقير لبساطته.. ليتفضل به على شريكه الآخر بالإنسانية، والخلق، والدين!
(المهم بيني وبينكم، ولا تقولون إني قلت لكم، ولا أحد يدري، أو سمعت بأذني، ونقل لي أحد الثُقات)..
(انعزمت) ذات مرة على وجبة سحور، ولكم تعداد حضورها، وتنوع أطباقها..
جلست بجانب أحدهم، وكان يُشير إليّ بهذا فلان الفلاني، وذاك اللحم يطبخونه بكذا، وعلى حطب كذا، وعلى الفقير أن لا (يمد ارجوله إلا على قد الحافه).. حتى ذيل همسته: (على الفقير أن لا يأكل الكباب كل يوم ويشغلنه رايحين رادين عليه، الفلافل يسد محله، ويوفي بالغرض، ويترس الكرشة)!
في حين جلس الأخ يسبح في جدر المندي، والعيش الحساوي المُعطر بالسمن والمستكة!!
على كل حالٍ، غسلت يدي، (وطوالي على سيارتي العنود المُدللة)، وما إن هممت بالمسير إلا ونافذة السيارة تُطرق بيدٍ مزينة بحجر العقيق اليماني والفيروز.. فتحت النافذة بالترحيب والتهليل، فطلب مني إيصاله إلى منزله، فرحبت بذلك..
(طال المسير، وسالفة تجر سالفة).. وقلت له: ألم تلاحظ أن السحور لذيذ؟
قال: نعم.
فقلت: ولكن الأطباق لم تتغير لكثرتها، والبذخ الملفت، فأطرق برأسه وسكت!
قال: هل تُريدني أن أتحدث مع صاحب الوليمة بالنصيحة؟
قلت له: وإذا (ما أعزمك) في المستقبل على وليمة أخرى؟!
فتدارك الموقف وقال: (أكو طريق أقرب من هذا، وغير السالفة)!
وسوم: العدد 773