الخاطر ٢٠٣ : الفيلسوف ابن رشد المظلوم الجزء ٦
خواطر من الكون المجاور
في الأجزاء الماضية من سلسلة (ابن رشد الفيلسوف المظلوم) ذكرنا بأن الله عز وجل أنعم على النبي يوسف عليه الصلاة والسلام علوم الحكمة وأن هذه العلوم من بعده بقرون عديدة إنقسمت إلى قسمين : علوم روحية وعلوم مادية ، العلوم الروحية ذهبت إلى آسيا (الشرق) مع قوم موسى ومنهم وصلت إلى النبي سليمان ومن سليمان خرجت عقيدة (الكابالا اليهودية) . أما العلوم المادية من علوم يوسف فذهبت إلى أوربا (الغرب) وبالتحديد إلى بلاد اليونان وهناك ظهرت بعقيدة سُميت (الأورفيكية) نسبة إلى أسم أورفياس الذي يعبر عن القسم المادي من صفات يوسف (ظل ، صوت) . ثم شرحنا كيف ظهرت محاولات في تشويه حقيقة العقيدة (الأورفيكية) وكيف حصل التدخل الإلهي فولد بيثاغوراس الذي اعطى اسم (الفلسفة) لهذه العقيدة لتعبر بوضوح عن حقيقة علوم الحكمة ، ثم ذكرنا كيف بدأ تشويه الفلسفة لتصل إلى مرحلة جعلت أرسطو يحل محل بيثاغوراس كأكبر فيلسوف يوناني ، فحدث تدخل إلهي آخر فظهرت أولمبيادا التي كانت ثمرة الحضارة الإغريقية فولدت ابنها اسكندر وراحت تربيه ليكون ذلك المنقذ الذي سيحرر شعوب العالم لينشر فيها ثمار الحضارة الإغريقية ليمهد لقدوم عيسى المسيح عليه الصلاة والسلام .
في البداية اود أن أنوه لملاحظة هامة ، وهي أن موضوع اليوم موضوع حساس جدا لأنه متعلق مباشرة بأمور دينية ، فكما يحدث عادة في كل موضوع أنشره له علاقة بالدين وبسبب إحتوائه على معلومات مختلفة عن تلك التي تعلمها بعض القراء من مشايخهم ، تكون ردة فعلهم قاسية على تلك المعلومات التي أذكرها ، وتعليقاتهم تكون عبارة عن شتائم فقط دون ذكر أي دليل يجعلني أشك بما أنشره من معلومات في مقالاتي ، ومن عادتي بدلا من أن أرد على شتائمهم ، أقول في نفسي (ربي زدني وزدهم علما) ، وعادة أقوم بحذف كل تعليق يحوي على شتيمة فقط ، ليس لأنها تمس شخصيتي ولكن لأنها تمس شخصية المئات من القراء الذين يتابعوني منذ بداية ظهور هذه الصفحة في الفيس بوك وحتى الآن . وهنا أود أن أقول للقراء أصحاب الشتائم الذين يذكرون بعض الآيات القرآنية كدليل لإثبات خطأ المعلومات التي أذكرها ، بأن كل الآيات القرآنية والآحاديث الشريفة التي يمكن للمسلم أن يستند عليها لإثبات خطأ هذه المعلومات ، أعرفها وجميعها لا تناقض آرائي ، ولكن الفرق هو أن هؤلاء ينظرون إلى هذه الآيات والأحاديث الشريفة بمفهوم مغلق منعزل عما قبلها وعما بعدها ، بينما الأمر بالنسبة لي كوني أعتمد مبادئ علوم الحكمة في أبحاثي فلا يوجد معلومة مغلقة مهما كان نوعها ، لأن القرآن ليس كتاب فيزياء مغلق ولكن كلام الله ، أيضا الكون بما يحتويه هو وحدة متكاملة وجميع أحداثه بجميع أنواعها تنتمي إلى رواية واحدة كتبها إله واحد ، لذلك فأي معلومة يتم فصلها عما يحيط بها تخسر مضمونها الروحي الذي يربطها بالمخطط الإلهي . ولهذا من يتمعن في مقالاتي سيجد مواضيعها تعتمد جميع العلوم المادية والإنسانية والفنون والديانات . هناك شيء آخر أود أن يعرفه القراء ، وهو أن كل ما تقرأونه في مقالات " خواطر من الكون المجاور ليس إلا خطوط عريضة لموضوع واحد طويل جدا يحمل عنوان " فلسفة السلام " الذي هدفه الأخير هو كشف وتوضيح الأسباب الحقيقية التي أدت إلى تدمير البيئة الروحية لعالم الأطفال والذي بدوره أدى إلى تشويه الفطرة الإلهية التي وضعها الله في تكوين الطفل ، فكان نتيجتها في عصرنا الحديث ولادة ظاهرة (الطفل المجرم) والتي لم يعرف مثلها التاريخ من قبل. الأطفال هم المستقبل وولادة ظاهرة (الطفل المجرم) لها معنى واحد هو أن الديانات العالمية جميعها بسبب تفسيراتها الخاطئة من علمائها قد خسرت هويتها الإلهية فأصبحت مثلها مثل الديانات الوثنية ، عندما يتوقف الدين عن منفعة الناس يتحول إلى دين وثني .
هذا التشويه في الفطرة الإلهية في تكوين الأطفال شعرت به وأن طفل صغير وبدون أن ادري رأيت نفسي أبحث عن أسبابه ولمدة أكثر من أربعين عام من البحث الصامت ، دون أن أذكر لأحد حتى فكرة واحدة من هذه الأبحاث وذلك بسبب غرابة ما توصلت إليه من معلومات ، لذلك وجب علي قبل نشر أي معلومة أن أكون متأكد تماما من صحة القواعد التي ابني عليها تفسيرات الأحداث والأشياء فكان أهم شيء بالنسبة لي قبل نشر أي معلومة هو التأكد من عدم تعارضها ليس فقط مع آيات القرآن ولكن أيضا مع آيات جميع الكتب المقدسة . لذلك اقول لأولئك القراء الذين يرسلون الشتائم ابحثوا في الإنترنت عن المواضيع التي يتكلم بها علماءكم الذين تثقون بهم ، لن تجدوا أحدا منهم قد إنتبه إلى ولادة ظاهرة جديدة تدعى (الطفل المجرم) ، لذلك كانت جميع المواضيع التي يتكلمون عنها سطحية لا علاقة لها بأكبر مشكلة تعاني منها المجتمعات الإسلامية والإنسانية بأكملها ، والتي وصفها التاريخ في صفحاته " لم تعرف الإنسانية وحشية مثل وحشية العصر الحديث". الفطرة الإلهية التي وضعها الله في تكوين الأطفال لخصها القرآن الكريم بالآية " لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (٢٨ المائدة)" .
هذه المقدمة لم أذكرها عبثا ولكن ذكرتها لأنه في المقالات القادمة لموضوعنا الرئيسي إن شاء الله تحتوي على معلومات غريبة جدا على القراء .
هناك نوعان من علماء الدين الإسلامي ، النوع الأول هم أولئك العلماء الذين يستخدمون الأسلوب الذي يعتمد على روح الإسلام والذي علمه الله للرسول " ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١٢٥ النحل) " الله وحده فقط هو من يعلم بمن ضل عن سبيله. لذلك هؤلاء العلماء عندما يبحثون في الكتب المقدسة المسيحية وبناء على ما خرجوا به من معلومات يقومون بذكر تلك الإختلافات بين الديانتين ليشرحوا وجهة نظرهم في هذه الإختلافات ، لذلك تكون معلومات بحثهم تخص الأفكار وليس الشخصيات . مثل هذا النوع من الابحاث لا يؤدي إلى تعصب المسلم بسيط الثقافة بل على العكس تنمي به روح الإحترام والجدال العلمي وتقوي إيمانه بدينه ، ومن جهة أخرى فهي أيضا لا تثير أعصاب المسيحي فهذا الأسلوب الحضاري يسمح للمسيحي أن يقرأها من بدايتها إلى نهايتها ، ورغم انه هناك إحتمال كبير أن لا يوافق على صحتها ولكن هذه ليست بمشكلة بل على العكس فهذا الأسلوب الحضاري سيدفع القارئ المسيحي للتفكير بتلك الثغرات التي يظن المسلمون بوجودها في دينه المسيحي ، لذلك سيحاول هو أيضا أن يبحث في دينه لتفسير هذه الثغرات التي غابت عنه ليفهم أسبابها أو الحكمة الإلهية فيها . فستكون النتيجة أن العالم المسلم الأول باسلوبه الحضاري رغم عدم إستطاعته في إقناع المسيحي بوجهة نظره ، يكون قد ساعده في تنشيط فكره ودفعه إلى البحث في التعمق في دينه ، ومن يبحث عن الحقيقة بنية سليمة خالية من جميع أنواع التعصب فالله سيهديه إلى الحق ليفهم دينه أكثر فأكثر . فالموضوع هنا ليست معركة يجب فيها إنتصار أحد الأطراف على الآخر ولكن الهدف منها هو التعاون الفكري بين الطرفين للوصول إلى الحقيقة التي هي صفة من صفات الله عز وجل.
أما النوع الثاني من العلماء المسلمين ، فهؤلاء في بحثهم في الكتب المقدسة المسيحية ، يستخدمون أسلوب تسيطر عليه روح الجاهلية المناقضة تماما لروح الإسلام ، فنجدهم يركزوا على الشخصيات وليس الأفكار، لذلك نجد أبحاثهم في الدين المسيحي هدفه تكفيرها فقط ،لذلك نجدهم قد حصروا معلوماتهم في شخص واحد وهو (بولس الرسول) فنراهم ينهالون عليه بالشتائم ( دجال ، منافق ، كاذب ...)، المسيحي الذي سيقرأ مثل هذه الأبحاث سيشعر من البداية أن صاحب المقال يشتمه هو شخصياً لأن بولس الرسول بالنسبة للمسيحيين هي شخصية مقدسة فهو الشخصية الثانية بعد المسيح ، لذلك لن يتحمل المسيحي هذا الاسلوب الهمجي في الشتائم ، فيجد نفسه من البداية يتوقف عن القراءة ويرمي ما قرأه في سلة المهملات ، وستكون النتيجة النهائية لهذا البحث الهمجي على القارئ المسلم زيادة تعصبه وكره للمسيحيين ، أما تأثيرها على المسيحي فهو ظهور الإحساس بالكراهية والعدوانية فيه لجميع المسلمين ولدينهم ، لأنهم سمحوا لهذا الهمجي أن يشتمهم تحت اسم الإسلام . من يبدأ بالشتيمة يجب أن يتوقع من الطرف الآخر شتيمة أقسى من شتيمته لأن الشتيمة تثير الغضب والغضب يمنع العقل عن العمل، لذلك فالأسلوب الهمجي يفتح بابا للشيطان ليشارك هو أيضا في المجادلة بين الطرفين ، لتتحول هذه المجادلة في النهاية إلى معركة شيطانية تنمي العداوة والبغضاء بين الطرفين .
إذا ذهبنا وبحثنا في شبكة الإنترنت نجد وللأسف أن العلماء من النوع الثاني اليوم هم الأكثرية على مواقع التواصل الإجتماعي ، لذلك نجد في الفترة الأخيرة ظهور العديد من المواقع المسيحية التي ترد على شتائم المسلمين بشتائم أقسى منها ، من هو البادئ ليست المشكلة ، المشكلة هي أن النتيجة بدلا من أن تكون مواقع التواصل الإجتماعي وسيلة للإخاء والتعاون بين الشعوب كما هو مذكور في الآية القرآنية (..... وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣ الحجرات )) ، نجد انها قد أصبحت بفضل العلماء الهمج من جميع الأطراف سلاح شيطاني يزرع الفتن بجميع أشكله حتى وصل الأمر إلى مستوى زرع العداوة والبغضاء ليس فقط بين الديانات ولكن في افراد المذهب الواحد . القرآن الكريم يذكر الأسلوب الهمجي في المجادلة في آيته الكريمة " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧ سبأ). للأسف نحن نعيش اليوم في قمة عصر الخلق الجديد ( ولادة ظاهرة الطفل المجرم) .
في هذه المقالة سنحاول هنا توضيح حقيقة (بولس الرسول) الذي يشتمه الكثير من المسلمين دون ذكر أي دليل . وسنحاول في مقالتنا هنا أن نعتمد فقط على تفسير الحقائق الإلهية التي وضعها الله في الدين المسيحي لتبقى إلى يوم الدين ، والتي لا يستطيع أحد من المسلمين أن ينكر وجودها ، هذه الحقائق حتى علماء الدين المسيحي أنفسهم لم ينتبهوا إليها ليستخدموها في الدفاع عن بولس بشكل لا يسمح لأي مسلم أن يتكلم عنه بأي سوء ، ومن خلال حديثنا عنه سنفهم علاقة بولس بعلوم الحكمة والتي جعلته ثاني شخصية في الدين المسيحي بعد يسوع المسيح لذلك سُّمي بولس (رسول الأمم) وليس رسول أمة واحدة كما هو مع بقية تلامذة عيسى. ما سنذكره هنا موجود في سفر (أعمال الرسل) ولكن في سفر أعمال الرسل يستخدم أسلوب مشابه لأسلوب السرد التاريخي الديني والمواعظ وبدون أي تفسيرات لتلك الرموز . واتمنى من القراء المسلمين أولئك الذين يرفضون كل فكرة مخالفة لما تعلموه من شيوخهم ، ان يقارنوا بين ما أذكره هنا عن بولس وما يذكره شيوخهم عنه ، ليعلموا الفرق الكبير بين دراسة الأشياء والأحداث باستخدام علوم الحكمة التي تعتمد على الحقائق الإلهية ، عن دراسة شيوخهم للأشياء والأحداث بشكل مغلق بسبب استخدامهم علوم اللغة فقط ، والتي نشروها في اليوتيوب ليشوهوا بها حقيقة بولس في نظر المسلمين .
عندما أراد الله تكوين ديانة جديدة بعد اليهودية كانت الحكمة الإلهية أن يرسل الله شخصين وليس شخص واحد : يحيى (يوحنا المعمدان) وعيسى (يسوع) عليهما الصلاة والسلام كما حدث تماما في اليهودية (وكما سيحدث في الإسلام أيضا والذي سنشرحه فيما بعد) ، فحتى تكون الديانة اليهودية متكاملة ومناسبة للدور الذي ستلعبه الأمة اليهودية لتقوم في تطوير الإنسانية في القسم الخاص بها ، أرسل الله موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام ، كان دور موسى يتعلق بالتكوين الروحي للدين اليهودي، أما هارون فكان دوره يتعلق بالأمور المادية لهذا الدين . وقد وضح الله هذه الحكمة في علاقة الإسمين مع بعضهما ، فرغم أن معنى أسم (موسى) غير معروف لأنه من أصل لغة مصرية قديمة، ولكن من خلال أسم هارون نفهم معنى أسم موسى ، فإذا عكسنا ترتيب أحرف أسم هارون والتي تكتب أيضا بالشكل (هرون) سنحصل على كلمة (نوره) أي نور الله الذي أخذه موسى من تلك الشجيرة المنورة عندما تكلم مع الله .
هكذا تماما هي الحالة أيضا في الدين المسيحي ، النبي يحيى كان دوره يتعلق بالتكوين المادي (يعمد بالماء) أما عيسى فكان دوره يتعلق بالتكوين الروحي (يعمد بالنور) ، أسم النبي يحيى في اللغات الاوربية لفظه قريب من كلمة (جان) وهو أسم مشهور في تلك الشعوب ، فإذا عكسنا ترتيب أحرف هذا الأسم سنحصل على كلمة (ناج) أي مصدرها في العربية (ناجي ، أنجى ، منجي) ، هذه المعاني هي معنى أسم يسوع (يشوع) في اللغة العبرية وهو اسم مركب من كلمتين "يهوه شوع" ومعناه الحرفي " الله ينجي". (عيسى له وضع خاص يختلف عن موسى لأنه ولد ولادة غير طبيعية من أم عذراء ، ولكن في البداية سنتكلم عنه كنبي مثل موسى وفي المقالة القادمة إن شاء الله سنشرح هذا الوضع الخاص عن عيسى) .
عيسى هو رمز اليد اليمنى للدين المسيحي ، ويحيى هو رمز اليد اليسرى لهذا الدين ،
ولكن الذي حصل أنه في بداية إعلان عيسى عن دينه الجديد ، تم القبض على النبي يحيى ومات مقطوع الرأس ، هذه الحادثة ليست صدفة ولكنها تحمل حكمة إلهية لذلك إحتفظوا بعبارة ( مقُطوع الرأس) في أذهانكم لأننا سنذكرها في نهاية موضوعنا عن بولس وسنشرح معناها الروحي إن شاءالله .( كل ما نذكره هنا سيساعدنا على رؤية الحقائق الإلهية في دين الإسلام أيضا والتي علماء هذا الدين لم يعطوها أي أهمية لفهم دينهم وعلاقته مع الديانات السماوية من قبله) .
يسوع في بداية تكوين دينه الجديد أراد أن يختار (١٢) تلميذا ليكونوا رسله لنشر هذا الدين من بعده، الرقم (١٢) ليس صدفة ولكن حكمة إلهية تعبر عن نسل يعقوب وكذلك تعبر عن آلهة أوليمبوس التي ظهرت من العقيدة الأورفيكية التي تحدثنا عنها ، معنى الرقم (١٢) سنشرحه بشيء من التفصيل إن شاء الله في الجزء الأخير من سلسلة (ابن رشد الفيلسوف المظلوم) عندما سنتكلم عن الدين الإسلامي .
في الفترة التي كان فيها عيسى يختار تلامذته ، كان هناك شاب يدعى يهوذا الإسخريوطي ، هذا الشاب كان من ثوار اليهود الذين يعملون بسرية لجمع قوة كبيرة من رجال اليهود للتمهيد لإعلان ثورة ضد الإستعمار الرومي الذي كان يحتل بلادهم . لهذا عندما علم يهوذا بظهور شخص أسمه عيسى يصنع معجزات ويملك قوة فكرية هائلة تسمح له بجمع الآلاف من الناس ليسمعوا كلامه ، خطرت على باله فكرة وهي أن يستغل شخصية ومواهب عيسى الخارقة لينضم هو وأتباعه إلى الثوار اليهود ليساعدوهم في تحقيق تلك الثورة التي يحلمون بها ، ففي تلك الفترة كان اليهود ينتظرون شخص اسمه (المسيح) سيرسله الله لإنقاذ الأمة اليهودية ليعيد لها أمجادها . فرأى يهوذا أن عيسى هو المسيح المنتظر ، لذلك حاول يهوذا التقرب من عيسى وراح يتتبعه في رحلاته ليقنعه بشتى الوسائل بأن يقبله تلميذا له ، وكان دوما في محاولات إقناعه لعيسى لكي يقبله تلميذا له يذكر بأنه مثقف ويتكلم عدة لغات بعكس معظم تلامذة عيسى الذين كانوا بسطاء في الثقافة.
في تلك الفترة كان عدد تلامذة عيسى (١١) فقط وبقي التلميذ الثاني عشر ، الرقم (١٢) هو أهم الأرقام لأنه يمثل النبي يحيى ويرمز لـ(علوم الحكمة) ، فاختار عيسى يهوذا الاسخريوطي ليكون هو ذاك التلميذ الذي سيحمل هذا الرقم . إن إختيار عيسى ليهوذا ليأخذ رقم التلميذ (١٢) كانت حكمة إلهية توضح من خلالها الفرق بين الثورة الدموية والثورة السلمية لتشرح حقيقة تلك الفترة الزمنية التي وصلت إليها الإنسانية في المخطط الإلهي.
بعد فترة طويلة من وجود يهوذا الاسخريوطي مع عيسى وتلامذته ، علم يهوذا أن عيسى يرفض تماما حمل السلاح وأسلوب العنف ، لأن جميع تعاليمه كانت عن المحبة والسلام والتسامح بين الناس أجمعين . عندها خطرت على باله فكرة شيطانية ، وهي أنه طالما عيسى هو المسيح والله قد أنعم عليه صفات خارقة وله جمع كبير قد آمنوا بدينه الجديد ، وانه أيضا قد أصبح يشكل خطورة على الكهنة اليهود وعلى الأمبراطورية الرومية ، أراد يهوذا أن يضع عيسى في موقف صعب يفرض عليه أن يستخدم قواه الخارقة في الدفاع عن نفسه فكان ظنه بأن عيسى عندها سيتحول إلى المسيح المنتظر وسينقذ نفسه وينتصر على الروم بمعجزاته وفكره الخارق ، وعندها سيعلم اليهود به لأنه إستطاع تحدى الإستعمار الرومي وانهم عجزوا عن إيذائه وسيشعر عندها اليهود بأن تلك القوة الجبارة التي تملكها هذه الأمبرطورية الرومية والتي كانت تثير الخوف فيهم قد تحطمت بنظر اليهود ، وبهذه الطريقة سيدفع جميع أتباعه أيضا في المشاركة لمساعدة عيسى ضدهم ، وعندها سيقوم يهوذا مع ثوار اليهود في الإنضمام إلى الثورة لتتحول الثورة إلى ثورة الشعب اليهودي بأكمله ضد الإحتلال الرومي . ولتنجح خطته راح يهوذا يلعب على الطرفين ، فكان من ناحية يظهر بأنه من أحد تلامذة عيسى ومن ناحية أخرى كان يعمل جاسوسا لكهنة اليهود ليحرضهم ضد عيسى وذلك من خلال تشويه تعاليمه لتبدو لكهنة اليهود وكأن هدف عيسى الحقيقي هو إزاحتهم من الكنيسة اليهودية ليحل هو مكانهم بدلا منهم عن طريق القضاء على دينهم ليحل محله دين عيسى الجديد ، وعندما رأى يهوذا نجاح مهمته الأولى وأن الكهنة اليهود قد اصدروا قرارا بإعتقال عيسى وتلامذته ، قرر يهوذا تنفيذ الخطوة الثانية من خطته ، فقام بخيانة عيسى وأخبر كهنة اليهود عن مكان وجوده فأرسلوا إليه جنودهم وقبضوا عليه وسلموه للمجلس الأعلى لكهنة اليهود لمحاكمته لتبدأ خطة يهوذا في تحقيق الثورة ضد الأمبراطورية الرومية.
هنا نتوقف عن متابعة الأحداث حتى لا ندخل في موضوع (هل صُلب عيسى أم لا ؟) لأنه شرحه يحتاج إلى صفحات عديدة ستخرجنا عن موضوعنا الرئيسي .
بعد صعود عيسى إلى السماء وموت يهوذا الأسخريوطي ، أصبح عدد تلامذة عيسى (١١) تلميذ فقط ، فوجب عليهم إختيار تلميذا آخر بدلا من يهوذا الأسخريوطي ليكتمل عددهم إلى (١٢) ، بعد صلاة التلاميذ ليساعدهم الله في إختيار التلميذ المناسب قاموا بإجراء عملية القرعة فتم تعيين شخص يدعى متياس ليأخذ مكان التلميذ رقم (١٢) . رغم أهمية دور التلميذ رقم (١٢) ولكن نجد ان الكتب المقدسة للعهد الجديد لا تذكر أي معلومة على الإطلاق عن متياس سوى كلمات قليلة لا أهمية لها لتحديد حقيقة دوره . لذلك معظم المسيحيين لا يعلمون شيئا عن متياس ، والسبب أن الحكمة الإلهية كانت قد إختارت شخصا آخر وكانت تهيئ له الظروف منذ سنوات عديدة ليكون هو الشخص المناسب تماما للمواصفات التي ستشرح حقيقة دور التلميذ رقم (١٢) والذي سيقوم بتوحد الدين المسيحي مع الحضارة الإغريقية لتكون هذه الحضارة قاعدة للدين المسيحي ، لذلك لا يمكن فصل الحضارة الإغريقية عن الدين المسيحي فمن خلالها يمكن فهم حقيقة الدين المسيحي ودوره في التطور الروحي للإنسانية في المخطط الإلهي .
بولس هو أسم التلميذ الذي اختاره الله ليكون هو حامل الرقم (١٢) ليحل محل يهوذا الإسخريوطي الذي حل محل النبي يحيى وفشل .
في المقالة القادمة إن شاء الله سنتابع موضوعنا عن بولس وسنذكر دوره في نشر الدين المسيحي في القارة الأوربية ، وسنشرح بعض االإختلافات بين الدين المسيحي والدين الإسلامي لنثبت أنها في الحقيقة ليست إختلافات ولكن رؤية من زوايا نظر مختلفة وهي مذكورة في القرآن الكريم بشكل رمزي يراه فقط من يفهم حقيقة الدين المسيحي وأن وجود هذه الإختلافات هي حكمة إلهية وضعها الله لتشرح لنا المخطط الإلهي في تطور الإنسانية الروحي والمادي .
وسوم: العدد 805