الخاطرة ٣٠٩ : فلسفة تطور الحياة الجزء ١٧
خواطر من الكون المجاور فلسفة تطور الحياة الجزء ١٧
ما يهمنا من تطور الحياة هو ثمرة هذا التطور والمقصود من الثمرة هنا هو الإنسان ، ولكن حتى نفهم حقيقة التكوين الإنساني لابد أيضا من فهم جميع مراحل التطور التي حصلت في الكون وفي الكائنات الحية ، ولهذا حاولنا في المقالات الماضية من سلسلة (فلسفة تطور الحياة) أن نعطي لمحة عامة عن التطور المادي الذي حصل في تاريخ الكون والذي نتج عنه تلك العناصر والمركبات الكيميائية التي ستدخل في تكوين أجهزة وأعضاء أجسام الكائنات الحية . وذكرنا كذلك في المقالات الأخيرة عن أهمية قوانين العالم الكمومي في تطور الكون وتطور الحياة على سطح الأرض . وفي مقالة اليوم والمقالات القادمة إن شاء الله سنتكلم عن أهم المبادئ والآليات التي ساهمت في ظهور ذلك التنوع والإختلافات بين الكائنات الحية والتي أدت إلى تكوين ما يسمى مملكة أو رتبة أو فصيلة أو نوع وهكذا . فآليات التطور التي تعتمدها النظرية الداروينية الحديثة وأهمها الإنتخاب الطبيعي هي آليات ضعيفة لها دور بسيط جدا لا يؤثر على الحوض الوراثي الذي يُعبر عن هوية النوع مهما طالت الفترة الزمنية . فآلية الإنتخاب الطبيعي مثلا هي فكرة تعتمد مبدأ (حدث بالصدفة)، ومبدأ الصدفة لا محل له من الإعراب في تطور الحياة . فالتغيير في شكل الكائن الحي الذي تعتمده نظرية التطور الداروينية يمكن حصره في تلك الإختلافات التي نجدها في أشكال القطط المنزلية أو الكلاب المنزلية فقط لا أكثر من ذلك ، بينما تطور الحياة فهو يسير ضمن مخطط إلهي دقيق يعتمد مبادئ واضحة : من البسيط إلى المعقد ، من الفوضوي إلى المنسجم ، من القبيح إلى الأجمل، ومن الوحشي إلى الأليف المسالم ، وربما الأهم أيضا هو التطور من الشعور بالأنا إلى الشعور بنحن .
في البداية لا بد أن ننوه لملاحظة هامة وهي أن البحث في التفاصيل الدقيقة في موضوع التنوع والإختلافات في الكائنات الحية هو موضوع معقد جدا ويحتاج إلى دراسات طويلة وشرحها يحتاج إلى ملايين الصفحات، فحسب علماء الأحياء تم تقسيم الكائنات الحية حسب إنتمائها بالتسلسل إلى مملكة ثم شعبة ثم صف ثم رتبة ثم فصيلة ثم جنس ثم نوع ، وهناك أيضا تقسيم أدق يتم وضعه في هذا التدرج وهو تحت الصف أو تحت الرتبة وهكذا ... وحتى نفهم مدى شدة التفاصيل الدقيقة في تسلسل هذا التقسيم سنضرب لكم مثال بسيط وهو القطة السيامية :
القطة السيامية تنتمي إلى سلالة القط السيامي وهذه السلالة تنتمي إلى مجموعة أكبر منها تسمى النوع وهو القط المنزلي ، والنوع ينتمي إلى مجموعة أكبر تسمى جنس (القطط) وهو يشمل بما فيها القطط المنزلية المألوفة وأقاربها البرية . وهذا الجنس أيضا ينتمي إلى مجموعة أكبر منها تدعى تحت فصيلة (فُصيلة) وهي القطية أو تحت فصيلة السنوريات، وهي تضم عدة أجناس مثل القطط، الفهد، عناق الأرض، الوشق، والبوما. وهذه المجموعة بدورها تنتمي إلى مجموعة أكبر منها تسمى فصيلة السِّنَّوْرِيَّات أو الهِرِّيَّات أو القططيات وهي فصيلةٌ من الحيوانات الثَّدْيِيَّة التي تضم كَثِيرًا من الأنواع مثل الأُسُود، و البُبُور، و النُّمُور، و الفُهُود، و القطط الأليفة والبرية. والفصيلة أيضا تنتمي إلى مجموعة أكبر منها تسمى الرُتيبة وهي رُتيبة سنوريات الشكل وهي تضم القطط الحقيقية الكبيرة والصغيرة ، والضباع والنمس والزباديات . والرُتيبة أيضا تنتمي إلى مجموعة أكبر منها تسمى الرتبة وهي رتبة (اللواحم ) والتي تضم أيضا الفصيلة الكلبية (كلب ، ذئب ، ثعلب ...) ، والرتبة أيضا تنتمي إلى مجموعة أكبر وهي الرتبة الكبرى وتسمى أوابد : وهي مجموعة من الحيوانات تتبع الصنف من الوحشيات من طائفة الثدييات آكلات اللحوم وهي أكثر من 260 نوع، حول العالم ومنها أيضا آكل النمل الحرشفي . والأوابد تنتمي إلى رتبة عليا تسمى اللورسيات ، واللورسيات تنتمي إلى مجموعة اكبر تسمى طائفة الثديات ، والثديات تنتمي إلى مجموعة أكبر منها تسمى شعيبة الفقاريات ، والفقاريات تنتمي إلى مجموعة أكبر منها تسمى شعبة الحبليات ، والحبليات تنتمي إلى مجموعة أكبر منها تسمى مملكة الحيوان وهذه المملكة تنتمي إلى مجموعة تسمى نطاق حقيقيات النوى والتي تشمل أيضا المملكة النباتية والفطريات ، وهذه بدورها تنتمي إلى مجموعة فوق النطاق تسمى حيويات والتي تشمل جميع أشكال الحياة على سطح الأرض .
ولهذا هنا وحتى لا نطيل الشرح كثيرا سنتكلم عن الخطوط العريضة بحيث تسمح للمختص أو لمن يريد التعمق أكثر أن يتبع نفس الطريقة للخوض في تفاصيل أكثر دقة . فهذا النوع من التصنيف هو تصنيف من رؤية مادية تهم المتخصصين بعلماء الأحياء وكذلك العلوم التي تهتم بالشكل والتكوين المادي ومنها علم الطب أيضا. ولكن علم تطور الحياة هو أعمق بكثير من هذه العلوم المادية لأنه عدا عن التطور الجسدي فهو يبحث في تطور السلوك الروحي للكائنات الحية والتي على أساسها سيتم في الأخير إنتاج كائن جديد يدعى إنسان مختلف كليا عن كافة الكائنات الحية حيث سلوكه الروحي سيجعله يبحث عن أرقى الأشياء ألا وهو فلسفة الوجود . فما يهمنا هنا هو محاولة إعطاء صورة عامة لتلك المبادئ والآليات والتي على أساسها نتجت جميع تلك التغيرات والإختلافات التي أدت إلى هذا التنوع الهائل في أنواع الكائنات الحية. فهذا التنوع الهائل هو في الحقيقة يُعبر عن مدى شدة تعقيد التكوين الإنساني.
إن أهم مبدأ من مبادئ وآليات التطور هو تلك العلاقة التي نتجت بسبب وجود التشابك الكمي والتي ساهمت في تطور الأنواع ألا وهي علاقة (ذكر - أنثى) . فلولا وجود علاقة التشابك الكمومي بين الذكر والأنثى ربما لما حدث أي نوع من التطور أو حتى لما وجد الكون أصلا .
يقول الله تعالى في سورة الذاريات {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩)} . فمعلومة (خلقنا زوجين) ليست موجودة في الكائنات الحية فقط ولكن في (كل شيء) ، بمعنى أن حتى الجسيمات تحت الذرة والتي تُعتبر أصغر الأشياء التي توصل إليها العلماء ، توجد على حالتين : الذكر والإنثى ، وكذلك العناصر الكيميائية أيضا يوجد منها المذكر ومنها المؤنث ، والمركبات الكيميائية كذلك ، حتى الأجهزة والأعضاء التي يتكون منها جسم الكائن الحي يوجد منها أجهزة وأعضاء مذكرة وأجهزة وأعضاء مؤنثة ، فصفة الذكر والأنثى كقانون لا يرتبط فقط على النوع الواحد (ثور - بقرة) أو (أسد - لبوة) وهكذا ، ولكن ينطبق أيضا على الفصيلة والرتبة والصف والشعبة والمملكة أيضا .
حتى نفهم بشكل أوضح طبيعة مبدأ التشابك الكمومي في علاقة (ذكر - أنثى) يجب علينا في البداية شرح قصة الخلق : الله عز وجل خلق آدم ، فآدم ككائن حي في البداية كان كائن كامل لا ينطبق عليه قانون (ذكر - أنثى) أي أنه لم يكن كائن مخنث ولكن كائن له طبيعة خاصة لا تنطبق عليه القوانين الموجودة داخل الكون . ثم بعد خلق آدم (الكائن الكامل) أخذ الله قسم من تكوين آدم وخلق منه كائن جديد وهو (حواء) ، مع خلق حواء ظهرت علاقة (ذكر - أنثى) حيث تحول آدم الكامل إلى نصفين : النصف الأول وهو آدم الذكر ، والنصف الثاني وهو حواء الأنثى ، فبسبب ظهور الذكر والأنثى من كائن واحد ظهرت علاقة التشابك الكمي بين آدم (الذكر) وحواء (الأنثى) . ولكن مع ظهور إبليس الذي حرض الإنسان على إرتكاب الخطيئة والتي كان نتيجتها ولادة قايين (قابيل) الذي قتل أخيه هابيل ، ظهر نوع آخر يحمل صفة (الذكر) مختلف تماما عن صفة (الذكر) الموجودة في آدم . فمع خروج الإنسان من الجنة بسبب إرتكابه للخطيئة حصلت ولادة الكون فأصبح لدينا نوع واحد يحمل الصفة الأنثوية والتي أتت من حواء ، ونوعين من الذكر : الأول يمثل الصفات الذكرية لآدم ، والثاني يمثل الصفات الذكرية لإبليس التي دخلت في تكوين قابيل . وبما أن حواء هي التي أغواها إبليس أولا وهي بدورها التي قامت بإقناع آدم ليأكلا من ثمار الشجرة ، لهذا كانت روح حواء (الروح الأنثوية العالمية) هي المسؤولة عن تصحيح ذلك التشويه الذي حصل في تكوين الإنسان ليستطيع التخلص من الشوائب في تكوينه ليعود إلى شكله الصحيح الذي سيجعله ملائما للعودة إلى الجنة . فالسبب الحقيقي لطرد الإنسان من الجنة بمعناه الفلسفي هو ظهور علاقة من نوعية جديدة مضادة لمبدأ التشابك الكمومي ، بمعنى آخر أن الخطيئة قد أحدثت نوع من التشويه في العلاقة (ذكر - أنثى) فتحولت إلى علاقة جديدة وهي علاقة (ذكر - ذكر) والتي نتجت بسبب إغواء إبليس لحواء . ولهذا أنجبت حواء ذكرين (قابيل وهابيل) وليس ذكر وأنثى . قابيل يمثل إبليس وهابيل يمثل آدم ، فبدلا من أن تكون النتيجة ولادة ذكر وأنثى يجمع بينهما علاقة تشابك روحي مشابهة لتلك العلاقة بين آدم وحواء ، كانت النتيجة ظهور تنافر روحي أدى إلى إرتكاب جريمة قتل قابيل لأخيه هابيل .
الله عز وجل ذكر هذه المعلومة بصورة رمزية في الكتب المقدسة السماوية في قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، حيث إسم (إبراهيم) يعني أبو الأمم وهو رمز آدم أبو البشرية، في قصة إبراهيم عليه السلام يتم ذكر عقاب قوم لوط عليه السلام. وكما تذكر الكتب المقدسة أن إبراهيم هو عم لوط فهو الذي إعتنى بتربيته وأخذه معه بعد خروجه من بلاده . فإبراهيم هنا هو رمز آدم أما لوط فهو رمز الإبن الجديد الذي حل محل هابيل ، أما قوم لوط فهم رمز السلالة الروحية لقابيل ، لذلك كانت العلاقة السائدة في مجتمع قوم لوط هي علاقة الشذوذ الجنسي (ذكر -ذكر) فكان عقابهم الهلاك . فالشذوذ الجنسي الذي يُلغي علاقة التشابك يكون نتيجته الفناء التام كما حدث بقوم لوط .
إن مبدأ التشابك الكمومي بين الذكر والأنثى -كما ذكرنا قبل قليل- لا ينطبق فقط على الكائنات الحية ولكن ينطبق أيضا على العناصر المادية ، فمن علاقة التشابك الكمومي بين الألكترون والبروتون تم تكوين الذرة فأعطتها نوع من الإستقرار ليجعلها تبدو وكأنها كائن ذري كامل ، فالذرة تملك عدد من البروتونات الموجودة داخل نواتها يعادلها نفس العدد من الألكترونات خارجها تدور حولها ، فهذا التساوي في العدد والذي أعطى الذرة نوع من الإستقرار حدث بسبب وجود التشابك الكمومي بين الذكر والأنثى ، حيث البروتون يحمل شحنة موجبة (أنثى) والألكترون يحمل شحنة سالبة (ذكر) . فالعلاقة بين البروتون والألكترون مشابهة تماما لتلك العلاقة بين البويضة والحيوان المنوي، فالبويضة هنا تمثل النواة (البروتون) ، أما الحيوان المنوي فيمثل الألكترون . فعملية تلقيح الحيوان المنوي للبويضة تعتمد مبدأ التشابك الكمي بين البويضة (الأنثى) والحيوان المنوي (الذكر) ولهذا فإن إنجذاب الحيوان المنوي نحو البويضة لا يحدث بالصدفة ولكن بسبب وجود علاقة التشابك الكمومي بينهما .
التشابك الكمومي كظاهرة فيزيائية - كما ذكرنا في المقالة الماضية- هي حالة خاصة تحدث بين الجسيمات تحت الذرية ، ولكن هذه الظاهرة تطورت و أخذت أشكال جديدة مختلفة ، فمع كل تطور فإن علاقة التشابك بين الذكر والأنثى تأخذ شكلا جديد ، فعلاقة الترابط بين البروتون والألكترون تحدث بسبب إختلاف نوعية الشحنة (سالب - موجب) ، أما علاقة الترابط بين البويضة والحيوان المنوي فتحدث بسبب عوامل مادية مختلفة مثل الإنجذاب الكيميائي مثلا حيث العضو الأنثوي يقوم بإفراز مواد كيميائية معينة تجذب الحيوان المنوي نحو البويضة ، أو عن طريق الإنتحاء الحراري حيث إختلاف درجات الحرارة تساعد في توجه الحيوان المنوي نحو البويضة . هذه الطرق المختلفة في ميكانيكية جذب البويضة للحيوان المنوي نجدها أيضا -وبشكل مختلف قليلا - في طرق جذب الأنثى للذكر عند الحيوانات . أما في الإنسان فحالة التشابك (الإنجذاب) بين المرأة والرجل نجدها على نوعين : الأول وهو الإنجذاب الغريزي ، والثاني الإنجذاب العاطفي . الإنجذاب الغريزي هو مشابه للإنجذاب عند الحيوانات رغم أن ميكانيكية الجذب فيها مختلفة ولكن هدفه الأساسي هو إشباع الرغبة الجنسية ، أما الإنجذاب العاطفي (الروحي) والذي ساهمت الديانات في تنميته لتأخذ العلاقة (رجل- إمرأة) شكلها المقدس ، فهو يُعبر تماما عن مبدأ التشابك الكمومي في شكله الحقيقي حيث تحولت العلاقة (رجل - إمرأة) إلى علاقة حب عذري تعجز جميع أنواع العلوم في تفسير هذا النوع من الإرتباط . فالظاهرة المعروفة بأسم (حب من أول نظرة) والتي كُتبت عنها قصائد وروايات كقيس وليلى أو روميو وجوليت ، لا يمكن تفسيرها من خلال العلوم المستخدمة حتى الآن ، فهي تنتمي إلى معارف روحية يعجز العلماء في فهم أسبابها ، ولا يمكن تفسيرها إلا عن طريق فهم ظاهرة التشابك الكمومي .
ليس من الصدفة أن آخر ديانة سماوية (الإسلام) والتي كانت خاتمة الديانات أو بمعنى أدق كما عبر عنه الحديث الشريف الكمال الأخلاقي (إنَّما بُعثت لأتمِّم مكارم الأخلاق) ، قد ظهرت في مكة وليس في مدينة أخرى ، فظهور الإسلام في منطقة مكة هو حكمة إلهية، لأن سكان هذه المنطقة كانوا قد وصلوا في تقاليدهم الشعبية أن تقام في كل عام مسابقات شعرية حيث القصيدة الفائزة كانت تكتب بماء الذهب على جدران الكعبة ولهذا سميت القصائد الفائزة بالمعلقات ، وكانت معظم المعلقات عبارة عن قصائد في الحب العذري والتي ربما أهمها معلقة إمرؤ القيس (قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ) .
الكعبة كما ذكرنا في سلسلة مقالات الرمز الروحي للكعبة ، هي رمز الثقب الأسود البدائي الذي تكون بعد طرد الإنسان من الجنة بسبب الخطيئة والتي ترمز إلى الزنى الروحي ، وعلى جدران هذه الكعبة في مكة المكرمة كُتبت معلقات الحب العذري بماء الذهب لذلك ظهر الإسلام في مكة كآخر ديانة سماوية .
إن تسمية آخر ديانة سماوية (إسلام) هو حكمة إلهية تربط بين سبب طرد الإنسان من الجنة والهدف الحقيقي للتطور بشكل عام ، فسبب طرد الإنسان من الجنة كان الزنى الروحي الذي نتج عنه تشويه علاقة التشابك الكمي بين آدم وحواء والذي نتج عنه ولادة قابيل (قايين) الذي قتل أخيه هابيل ، ولهذا كانت الديانة السماوية الأخيرة تحمل إسم (إسلام) فمصدر كلمة (إسلام) هو كلمة (سِلم) ، على وزن كلمة (إعلام) التي مصدرها كلمة (عِلم) ، فمعنى كلمة (إعلام) هو نشر المعلومات أي نشر العلم ، ومعنى كلمة (إسلام) هو نشر السلم أي تنمية عاطفة السلام في تكوين الإنسان ، فأحد أسماء الجنة هو (دار السلام) . أما معنى (إسلام) المعترف عليه فقهيا (الخضوع لله) فهو ليس إلا تحريف للمعنى الحقيقي لهذه الديانة فهذا المعنى يجعل دين الإسلام ديانة مبهمة مغلقة على نفسها ومنفصلة عن التاريخ ومنفصلة عن الديانات العالمية ومنفصلة أيضا عن تطور الكون وتطور الحياة ، فمعنى الإسلام بإنه (الخضوع لله) لا يفيد العلماء -بشتى أنواع علومهم- في شي ، فمعنى (الخضوع لله) هو موجود أصلا في كلمة دين أو ديانة وليس في كلمة (إسلام).
إن علاقة التشابك الكمومي هو مبدأ كوني فالعلاقة بين الرجل والمرأة (الزوج والزوجة) عندما تكون في شكلها الحقيقي تجعل الرجل والمرأة وكأنهما كائن واحد حيث يُكمل كل واحد منهما الآخر ، هذا الترابط بينهما يخلق بيئة روحية تربط أفراد العائلة مع بعضهم البعض وتجعلهم وكأنهم كائن واحد ، والذي يحدث في هذه الحالة أن تأثير هذا الترابط العائلي يخلق شعور روحي بوجود نوع من النقص في هذه الوحدة فتظهر الحاجة إلى شيء جديد يدفع إلى الشعور بالحاجة إلى التعاون مع عائلات أخرى هذا الترابط الجديد يخلق مجتمع مترابط بين عدد كبير من العائلات حيث أفراده يتعاونون مع بعضهم وكأنهم عائلة واحدة . المجتمع المترابط هو بدوره يخلق بيئة روحية متشابكة فيما بينها تجعلها تشعر بوجود أشياء أخرى أرقى هي بحاجة لها ، هذا الشعور ينتج عنه رغبة روحية في التعاون مع المجتمعات المجاورة فينشأ عن هذا التعاون وحدة جديدة أكبر تمثل شعب واحد ، هذا الشعور بوحدة الشعب ينشأ عنه تنمية علاقاته مع الشعوب المجاورة ليجعل منهم وكأنهم أمة واحدة ، فكل أمة أنعم الله عليها بميزة حسنة خاصة بها ، فمع إستمرار نمو هذا التشابك الروحي ينتج عنه نمو الإحساس بضرورة التعاون أكثر فأكثر ليشمل في الأخير الإنسانية بأكملها ، فبتعاون الأمم مع بعضها البعض تصل الإنسانية إلى الكمال . وهذا هو الهدف الحقيقي للإيمان ، فأركان الإيمان في جميع الديانات العالمية متشابهة (الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح) ، فهدف الإيمان بمعناها الشامل (الفلسفي) هو تنمية التشابك الكمومي بين جميع أفراد سكان العالم ليشعر كل واحد منهم وكأنه فرد من أفراد عائلة كبيرة تدعى (الإنسانية) تمتلك ميزات شديدة التنوع في المعارف قادرة على حل جميع مشاكلها بمختلف أنواعها كما يقول الله تعالى في سورة الحجر {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣)} ، فكلمة تعارفوا تعني التناصح والتناصر بالحقّ والتعاون بهدف الوصول إلى الكمال ، فالقانون الكوني يقول بأنه كلما نمى التشابك الكمي كلما إنتقل هذا التشابك إلى مرحلة أرقى من الكمال.
فمبدأ التشابك الكمومي الروحي بين البشر والذي يعتمد أساسه على علاقة (ذكر - أنثى) والذي هدفه تحويل الإنسانية إلى عائلة واحدة متكاملة ، هو أساس تلك الآليات التي تم عليها ولادة الكون وظهور الذرات وظهور الحياة وظهور جميع الأنواع المختلفة من الكائنات الحية والتي كان هدفها الحقيقي هو إعادة التكوين المادي (الخلايا والأعضاء والأجهزة) والروحي (الاخلاق الحميدة) للإنسان ليصل التكوين الإنساني إلى ذلك التكوين الذي وصفه الله في سورة التين {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤)} . ولكن وبسبب وجود النوع الآخر من الذكر الذي أتى من روح سلالة قابيل ، هذه الروح -روح السوء العالمية- كان دورها محاولة عرقلة المخطط الإلهي في التطور لذلك نجد حدوث بعض التشويه في تكوين الأنواع الحية حيث نتج عنه بعض الأنواع في الكائنات الحية والمعروفة كمصطلح ديني كائنات نجسة ، حيث نتج عنها علاقات عدائية معارضة تماما لتلك العلاقة التي تحدثنا عنها قبل قليل ، فنجد على مستوى عالم الصغائر مثلا وجود نوع آخر من الألكترون وهو الألكترون المضاد ، حيث العلاقة إنجذاب بعضهما إلى بعض يؤدي إلى فناء الإثنين معا ، فعلاقة التناقض هذه بين الإلكترون والإلكترون المضاد هي علاقة (ذكر-ذكر) وهي صورة مشابهة لعلاقة أفراد قوم لوط ببعضهم البعض (الشذوذ الجنسي).
موضوع التشابك الكمي (ذكر- أنثى) هو موضوع طويل ومتشعب وسنحاول في المقالات القادمة إن شاء الله متابعة شرحه بشيء من التفصيل لتوضيح دوره في تطور الحياة وظهور الإنسان.
وسوم: العدد 978