الخاطر ٣١١ : فلسفة تطور الحياة الجزء ١٨
خواطر من الكون المجاور
في المقالة الماضية تكلمنا عن التشابك الكمومي في علاقة (ذكر - أنثى) كآلية تساهم في تكوين التنوع الهائل الذي حصل في تطور الكون وتطور الحياة {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩)الذاريات} . فعن طريق هذا التشابك بين الذكر والأنثى أدى مع مرور الزمن إلى حدوث التطور والذي ستكون نتيجته في النهاية الوصول إلى الكمال ، وذكرنا أيضا أن الخطيئة التي حصلت في الجنة نتج عنها تشويه في التشابك الكمومي في علاقة (ذكر - أنثى) حيث نتج عنها علاقة تشابك من نوع آخر له دور معاكس يؤدي إلى تشويه التطور ومن ثم الفناء ، والتي على مستوى الإنساني أخذ هذا النوع الجديد من التشابك شكلا جديدا والمعروف بأسم (الشذوذ الجنسي) وقد ذكرنا في المقالة الماضية عن الحكمة الإلهية في ذكر قصة هلاك قوم لوط في الكتب المقدسة وعلاقتها بهذا النوع من التشابك.
الشذوذ الجنسي -كظاهرة إنحطاط روحي- تكلمنا عنه بشكل مفصل في المقالة رقم (٢٥٧) ، ولكن هنا سنتكلم عن المفهوم الروحي للشذوذ الجنسي وعلاقته في التطور السلبي للحياة وظهور الأنواع . فالمشكلة في نظرية التطور الداروينية الحديثة أنها تعتمد على دراسة ومقارنة الشكل المادي للأنواع ، بينما دراسة التطور يجب أن تعتمد على دراسة التعبير الروحي في الشكل المادي وعلاقته بسلوك الكائن الحي والذي على أساسه يتم بناء تكوين الكائن الحي ، وهذه المعاني الروحية لا يمكن فهمها في دراسة الأنواع إلا من خلال فهم النصوص الدينية وبعض نصوص الأساطير التي لعبت دور كبير في قيام الحضارات الإنسانية .فكما ذكرنا في المقالة (٢٥٧) أن تسمية الشذوذ الجنسي بإسم (اللواط) عندما تكون علاقة الشذوذ بين ذكر وذكر ، وكذلك تسميته بإسم (السحاق) عندما تكون علاقة الشذوذ بين إمرأة وإمرأة ، أن هاتين التسميتين للشذوذ الجنسي (اللواط ، السحاق) لم تأتيا عن طريق الصدفة ولكن عن طريق وحي إلهي يؤكد على وجود نوعين من التشابك الكمومي ، فكلا الإسمين (لواط - سحاق) مصدرهما من أسمين لشخصيتين مرتبطتين بالنبي إبراهيم عليه السلام ، فكلمة (لواط) مصدرها اسم النبي (لوط) عليه السلام وكلمة (سحاق) مصدرها اسم النبي (إسحاق) عليه السلام ، فإبراهيم هو عم (لوط) وهو أيضا والد (إسحاق) . فوضع هذين الإسمين كمصدر لتسمية علاقة الشذوذ الجنسي (لواط ، سحاق) هو في الحقيقة حكمة إلهية تساعدنا في فهم موضوع تطور الحياة . فحتى نفهم آلية ظهور الأنواع في المراحل المختلفة من تطور الحياة لابد أولا من فهم حقيقة الفرق بين العلاقة الجنسية بشكلها الطبيعي وبشكلها الشاذ .
هناك نوعان من التشابك : الأول وهو التشابك السلبي (الزنى) ويشمل كل علاقة جسدية بين كائنين هدفها فقط إشباع الشهوة الجنسية ، والثاني وهو التشابك الإيجابي (العفة والحب العذري) وهو إرتباط روحي بين الذكر والأنثى هدفه توحيد الميزات الحسنة الموجودة في كل منهما من أجل الوصول إلى الكمال .
التشابك السلبي وهو الذي ظهر عند إرتكاب الخطيئة في الجنة فكان سببا لطرد الإنسان منها ، ورمزه هنا سلوك قوم لوط ، فالنبي لوط هو إبن هاران أخو النبي إبراهيم عليه السلام ، إبراهيم هنا هو رمز روحي لآدم ، أما هاران والد لوط فهو رمز روحي لإبليس . فهنا لدينا قصة مشابهة تماما للأسطورة المصرية القديمة أوزريس وعلاقته بأخيه سِت . فهذه الأسطورة المصرية ليست من تأليف فكر إنساني ولكن هي من وحي إلهي تساعدنا في فهم رموز قصة إبراهيم عليه السلام وعلاقتها بتطور الحياة ، فالأسطورة المصرية تذكر لنا أن الآلهة التي حكمت مصر في بداية نشأتها هم أربعة أخوة (أوزريس وإيزيس - سيت ونفتيس) ، فهؤلاء الأربعة يمثلون الآلهة التي عاشت على الأرض وهم يمثلون تطور الحياة على الأرض بكلا شقيها : المخلوقات الطاهرة (روح الخير) والمخلوقات النجسة (روح السوء).
أيضا شخصيات قصة إبراهيم عليه السلام تمثل هذه الآلهة ولكنها تركز على شخصيات روح الخير فقط (المخلوقات الطاهرة) . فإبراهيم وأوزريس يمثلان رمز روح آدم (أبو البشرية) ، أما إيزيس وسارة فتمثلان رمز حواء بشكلها الروحي الطاهر والمسؤولة عن التكوين الروحي للإنسانية . سِت وهاران يمثلان روح إبليس ، نفتيس وهاجر تمثلان حواء بعد طردها من الجنة والمسؤولة عن التكوين الجسدي للإنسانية . لذلك نجد في الأسطورة المصرية رغم أنها تذكر بأن نفتيس كانت زوجة سِت (إبليس) ولكن نجد أن إبنها أنوبيس في بعض الروايات تذكر أنها أنجبته من أزوريس وفي بعض الروايات الأخرى أنها أنجبته من سِت ، فأنوبيس هو في الحقيقة إبن تلك الخطيئة التي إرتكبها الإنسان في الجنة فهو إبن آدم كجسد وإبن إبليس كروح . لهذا المصريون القدماء يعبرون عنه بشكل تمثال له جسد إنسان ورأس يشبه رأس الكلب والمعروف أن الكلب في الديانات السماوية هو حيوان نجس . أنوبيس هو رمز قايين (قابيل) الذي قتل أخاه هابيل.
إن ذهاب إبراهيم عليه السلام إلى مصر كما تذكر النصوص الدينية هو حكمة إلهية هدفها ربط شخصيات أسطورة أوزريس مع شخصيات قصة النبي إبراهيم لتساعدنا في فهم الرموز الموجودة في هذه القصة والتي توضح لنا تطور المخلوقات الحية . فإعتماد فنانو مصر القديمة فكرة دمج أجساد حيوانات مع جسد إنسان في أعمالهم الفنية لم يكن من فكر إنساني ولكن من وحي إلهي هدفه ربط تطور الكائنات الحية مع التكوين الإنساني ، فتكوين الإنسان لم يظهر في آخر مراحل التطور كما يعتقد علماء التطور ولكنه بدأ منذ بداية ظهور الحياة ولهذا لا يمكن فهم تطور الحياة بدون فهم التكوين الإنساني أولا .
سفر التكوين يذكر أن إبراهيم عليه السلام تزوج من سارة شقيقته (من أبيه) ورغم حبه الشديد لها ولكنه لم ينجب منها أبناء كون سارة كانت عاقر . وأيضا نجد أن أوزريس أيضا توفي ولم ينجب من زوجته إيزيس أبناء . وهذا تماما ما حصل في تطور الحياة ، فتطور الحياة كان في البداية هدفه التكوين المادي لجسد الإنسان وليس الروحي . لذلك كانت أيزيس بلا أبناء وكذلك سارة كانت عاقر أيضا . ولهذا أيضا نجد سفر التكوين يذكر أولا قائمة نسل قايين (قابيل) في الإصحاح الرابع ، ثم في الإصحاح الخامس يذكر نسل آدم . وفي قصة إبراهيم عليه السلام قبل ولادة إسحاق يذكر قصة قوم لوط وحادثة هلاكهم . فهذا الترتيب في ذكر الأحداث يؤكد على أن تطور الحياة في مراحله الأولى كان هدفه التكوين المادي لجسم الإنسان (خلايا وأعضاء وأجهزة) .
الفرق بين لوط عليه السلام وأبناء قومه (النسل الروحي لإبليس) الذين فعلوا الفاحشة ، أن إبراهيم عليه السلام وكون زوجته سارة كانت عاقر قام بتبني لوط فوضعه تحت رعايته وجعله بمثابة إبنه . فحادثة هلاك قوم لوط المذكورة في الكتب المقدسة رغم أنها تتحدث عن الشذوذ الجنسي ولكنها في الحقيقة تشرح لنا قانون تطوري ساهم في ظهور الأنواع النجسة عبر مراحل تطور الحياة منذ ظهور الحياة على سطح الأرض وحتى الآن . فحادثة هلاك قوم لوط هي حادثة رمزية تشرح لنا بشكل علمي ماهية علاقة التشابك السلبي . فهذا النوع من التشابك ليس المقصود منه علاقة الشذوذ الجنسي بين (ذكر وذكر) ولكن المقصود منه هو علاقة إرتباط تعتمد المبدأ الذكوري . والمقصود هنا بمصطلح (ذكوري) أن مصدره إبليس كذكر وليس آدم . ولهذا نجد أن إمرأة لوط كان مصيرها أنها تحولت إلى عمود من ملح (سفر التكوين ١٩ : ٢٦ وَنَظَرَتِ امْرَأَتُهُ مِنْ وَرَائِهِ فَصَارَتْ عَمُودَ مِلْحٍ) ، فحادثة تحول إمرأة لوط إلى تمثال بلا روح ليس صدفة ولكن حكمة إلهية لها معنى أن أفراد مجتمع لوط كانوا تحت السيطرة الكاملة للمبدأ الذكوري ، وأن المبدأ الأنثوي لم يكن له وجود في مثل هذا المجتمع لهذا كان مجتمعهم يعاني من فاحشة الشذوذ الجنسي(اللواط) . ولهذا نجد أن سفر التكوين يذكر في الإصحاح رقم (١٩) أن نسل لوط لم يأتي من زوجته ، ولكن من إبنتيه (١٩: ٣٦ فَحَبِلَتِ ابْنَتَا لُوطٍ مِنْ أَبِيهِمَا) . للأسف الملحدون يسخرون من قصة النبي لوط المذكورة في سفر التكوين وينظرون إليها وكأنها قصة منحطة أخلاقيا ، أما العلماء المسلمين فهم يتكلمون عن القسم الأول من قصة لوط ، أما القسم الثاني الذي يتعلق بحمل إبنتيه منه فلا يذكره أحد وكأنه غير موجود بالنسبة لهم ، ولكن الحقيقة أن القسم الثاني (ونقصد إنجاب لوط من إبنتيه) هو قصة رمزية تساعدنا في فهم بعض الإختلافات الجسدية بين أنواع المخلوقات وكذلك الإختلافات في طبيعة سلوكها .
أما النوع الثاني من التشابك وهو التشابك الإيجابي (العفة والحب العذري)، وهو التشابك الذي يعتمد المبدأ الأنثوي والذي كان مصدره من إسم (إسحاق) . فمن هذا النوع من التشابك الذي يعتمد المبدأ الأنثوي ظهرت جميع أنواع المخلوقات ذات الأرواح الطاهرة . فحادثة ولادة النبي إسحاق عليه السلام ، هي رمز لتلك العلاقة بين (الذكر والأنثى) في شكلها المثالي ، فعندما تعتمد هذه العلاقة المبدأ الأنثوي ، فهي تعني وجود دوافع روحية عاطفية ساهمت في عملية الإرتباط بين الذكر و الأنثى ، بعكس العلاقة ذات المبدأ الذكوري والتي سببها دوافع غريزية هدفها فقط إشباع الشهوة الجنسية ، فالإباحة الجنسية هي سلوك ذكوري وهي من أسوأ انواع الإرتباطات والتي ستكون نتيجتها في النهاية ظهور الشذوذ الجنسي كظاهرة إجتماعية. أما العفة والحب العذري فهو سلوك أنثوي وهو من أرقى أنواع الإرتباطات بين الذكر والأنثى .
أسطورة أوزريس وقصة إبراهيم عليه السلام كما هي مذكورة في الكتب المقدسة تشرحان لنا تطور علاقة التشابك (ذكر- أنثى) عبر مراحل التطور ، فكما تقول الأسطورة المصرية أن الإله سِت قتل أوزريس وقطع جسده إلى العديد من القطع ورمى كل قطعة في مكان مختلف ليمنع إيزيس زوجة أوزريس من تجميعها لإحيائه ، وأن إيزيس إستطاعت تجميع هذه القطع ما عدا أعضائه التناسلية التي أكلتها سمكة في نهر النيل ، ومن هذا الجسد الذي لا يحوي على الأعضاء التناسلية (رمز الغريزة الجنسية) إستطاعت إيزيس أن تحمل من أوزريس وتنجب منه إبنها حوروس . فحورس هنا هو رمز إبن التشابك الإيجابي في علاقة (ذكر- أنثى) . سارة أيضا في البداية كانت عاقر لهذا وضع الله لوط في رعاية إبراهيم كرمز يوضح لنا أن في المراحل الأولى في تطور الحياة كانت علاقة التشابك بين الذكر والأنثى من النوع الذكوري والذي رمزه (قوم لوط) ، ولهذا أيضا نجد أن سفر التكوين يذكر أولا نسل قايين (قابيل) في الإصحاح الرابع ، ثم في الإصحاح الخامس يتكلم عن نسل آدم . لذلك كانت سارة عاقر لا تنجب كونها تمثل رمز حواء التي تقوم بتصحيح تلك الخطيئة التي سببت طرد الإنسان من الجنة . لهذا طلبت سارة من زوجها إبراهيم إن يضاجع خادمتها (هاجر) لتنجب له إبنا .فهاجر هي رمز حواء كجسد فقط أي أنها المسؤولة عن الصفات الجسدية فقط والتي لها دور في تأمين القسم المادي من جسم الإنسان . فعندما إكتمل التكوين الجسدي للإنسان عندها جاء دور سارة التي تمثل علاقة التشابك الأنثوي في أرقى أشكاله ، فبشر الله إبراهيم بأن زوجته سارة ستحمل منه وتنجب له إبنه إسحاق . سارة عندما أنجبت إسحاق كان عمرها /٩٠/ عاما وكان عمر إبراهيم عليه السلام/١٠٠/ عام . هذه الأرقام هي أرقام رمزية لها معنى أن عملية إنجاب إسحاق لم تكن بسبب شهوة جنسية غريزية ولم تكن أيضا حالة طبيعية نتجت عن مضاجعة طبيعية مادية ولكنها كانت حالة روحية نتجت بسبب معجزة إلهية . فالرقم /١٠٠/ عام والذي يمثل عمر النبي إبراهيم عندما أنجب ابنه إسحاق هو رقم رمزي يحمل معنى التجديد كما هو مذكور في الحديث الشريف (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) . والتجديد هنا ليس في الدين ولكن في تطور الحياة . ولذلك سفر التكوين يذكر في الإصحاح السابع عشر أن إبراهيم عندما كان بعمر /٩٩/ عاما أخبره الله أن إسمه بدلا من أن يكون (أبرام) سيصبح (إبراهيم) ، وأمره بأن يتم ختن جميع ذكور قومه من الآن فصاعدا. فعملية ختن العضو الذكري هنا والتي كانت علامة لولادة إسحاق ، هي علامة رمزية لها معنى قطع العضو الذكري كما حصل مع الإله أوزريس ، بمعنى رمزي أن ولادة إسحاق حصلت كنتيجة لتزاوج روحي وليس نتيجة مضاجعة جنسية .
قصة إبراهيم كما هي مذكورة في الكتب المقدسة هي في الحقيقة قصة تحمل رموز عديدة تساعدنا في فهم مراحل تطور الحياة على سطح الكرة الأرضية. ولهذا كان إسم إبراهيم يعني (أبو الأمم) فكل أمة موجودة في بقعة أرضية خاصة بها جعلها تمتلك ميزات خاصة مختلفة عن الأمم الأخرى {هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا.... (٢٩) البقرة} ، ولكن جميع هذه الأمم إمتلكت نوع من التشابك الذي يوحد جميعها معا ليجعلها كعائلة واحدة كبيرة تدعى (الإنسانية) أو بمعنى آخر أن كل أمة هي عبارة عن جهاز في جسم الإنسان وحتى يعمل هذا الجسم على أفضل حال يجب أن تعمل هذه الأجهزة مع بعضها البعض بشكل متجانس .
الإسلام نزل في الجزيرة العربية التي أفراد شعبها يعتقدون أنهم من نسل (إسماعيل) إبن إبراهيم من زوجته هاجر وليس سارة . فهذا الإعتقاد هو حكمة إلهية لها معنى أن البشرية بأكملها تحمل في تكوينها شوائب من تلك الخطيئة التي حدثت في الجنة ولهذا يقول الحديث الشريف "ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد، فيستهل صارخاً من مس الشيطان، غير مريم وابنها" . فسبب نقاء تكوين إبن مريم من المس الشيطاني (الشوائب الشيطانية) هو كونه عليه السلام ولد من إمرأة دون تدخل الذكر ، فهذا الحديث الشريف يؤكد على أهمية التشابك الإيجابي الذي يعتمد المبدأ الأنثوي في التطور . ففي زمن نزول الإسلام كانت الإنسانية تعيش في نهاية مرحلة الطفولة ، أي كانت تعيش في مرحلة تكوين الأمم لهذا الدين الإسلامي في تلك الفترة لم ينتشر في جميع بلدان العالم ولكن في منطقة محددة تمثل جزء من مناطق العالم الكلي.
خلاصة ما ذكرناه في الأسطر الماضية هو أن تطور الحياة لم يحدث عن طريق الصدفة نتيجة الإنتخاب الطبيعي والطفرات كما يعتقد علماء النظرية الداروينية ، ولكن التطور حدث نتيجة آلية واحد وهي التشابك الكمومي بين الذكر والأنثى ، والتي ذكرها الله تعالى في الآية القرآنية {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩) الذاريات} . هذا التشابك يوجد على نوعين : تشابك من النوع الذكوري وتشابك من النوع الأنثوي .
التشابك الذكوري ورمزه قوم لوط حيث تكون نتيجته ظهور الأنواع النجسة . أما التشابك الأنثوي فله ثلاث أنواع ورموز أنسالها بالترتيب : ١- نسل لوط ، ٢- نسل إبراهيم - هاجر ، ٣- نسل إبراهيم - سارة .
في جميع مراحل تطور الحياة يظهر مبدأ التشابك الذكوري و الأنثوي (بأنواعه الثلاث) ويؤثر على صفات المخلوقات الحية ليأخذ الكائن الحي تكوين معين يعبر عن هوية ذلك التشابك الذي نتج منه ، وسنحاول ذكر أمثلة حسب مراحل التطور :
الحياة بشكل عام تنقسم إلى مملكتين : حيوانية ونباتية ، المملكة الحيوانية هي رمز التشابك الذكوري ولهذا نجد أن التكاثر فيها (بشكل عام) يتم بسبب دافع المتعة وإشباع الشهوة الجنسية لهذا فهو يتم عن طريق إتحاد جسدي بين الذكر والأنثى ، ولهذا نجد أن أنواع كائنات المملكة الحيوانية هي كائنات مفترسة فهي تؤمن الطاقة اللازمة للقيام بوظائفها الحية إما عن طريق التغذية على الكائنات النباتية أو على الكائنات الحيوانية . أما في المملكة النباتية فالتكاثر فيها لا يحصل عن طريق الإتحاد الجسدي بين الذكر والأنثى ولكن عن طريق إنتقال حبات الطلع (الذكرية) بواسطة الهواء أو بعض الكائنات الحية كالنحل مثلا إلى مبيض الزهرة . أي أن التكاثر في النباتات لا يحدث بسبب إشباع شهوة جنسية. ولهذا نجد أن مخلوقات المملكة النباتية (بشكل عام) هي كائنات مسالمة لا تعتمد في تغذيتها على إفتراس كائنات حية أخرى ولكن عن طريق التركيب الضوئي وعن طريق إمتصاص المعادن والأملاح المنحلة في التربة . ولهذا يقول الله عن مريم العذراء {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا...(٣٧) آل عمران} . وكذلك فإن نسب الرسول صلى الله عليه وسلم من أمه يأتي من أسم نباتي (محمد بن آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة ، ولهذا أيضا كان إسم لقب إبنته فاطمة عليها السلام (الزهراء). وفي الآية /٢٩/ من سورة الفتح يصف الله المؤمنين بالنباتات {... مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ ..} .
الآن لنتابع موضوع التشابك في المملكة الحيوانية . كائنات المملكة الحيوانية تنقسم بشكل عام إلى قسمين : اللافقاريات ، والفقاريات . الأنواع التي تنتمي إلى قسم اللافقاريات تمثل التشابك الذكوري ، ولهذا نجد أن أرقى هذه الأنواع هي الحشرات ، حيث نجد أن النمل والذي يعتبر من أرقى أنواع الحشرات ورغم أنه يعيش حياة ذات نظام إجتماعي معقد جدا يأتي في الترتيب الثاني بعد النظام الإجتماعي الإنساني ، ولكن نجد أن هذا النظام يهتم فقط في تأمين الناحية المادية أما الناحية الروحية فلا مكان لها في هذا النظام ، ولهذا نجد أن رمز المسيح الدجال في الديانة المسيحية هو الرقم (666) حيث شكل هذا الرقم هو رمز لشكل جسم الحشرة (الصورة).
أما الفقاريات فهي رمز للتشابك الأنثوي بأنواعه الثلاث ، الأسماك هي رمز نسل لوط ، الزواحف هي رمز نسل إبراهيم - هاجر . الطيور هي رمز نسل (إبراهيم - سارة) .
علماء الحيوان وكونهم يعتمدون الرؤية المادية في تصنيفهم لأنواع المملكة الحيوانية يضعون مع هذه الطوائف الثلاث طائفة البرمائيات وطائفة الثديات ، ولكن حسب الرؤية الشاملة (المادية والروحية) فالبرمائيات والثديات هي مراحل إنتقالية مختلفة في طبيعة ظهورها عن الطوائف الثلاثة الأخرى ، فأصل البرمائيات مثلا ليس الأسماك كما يعتقد علماء النظرية الداروينية ولكن أصلها نتج عن عملية تشابك بين الأسماك ومفصليات الأرجل اللافقارية .
إن موضوع تطور الحياة ليس بهذه البساطة فهو موضوع معقد جدا ويحتاج ذكر مبدأ آخر يُشكل علاقة تشابك من نوع آخر مع علاقة التشابك (ذكر - أنثى) ، وإن شاء الله سنتكلم عن هذا المبدأ في المقالة القادمة.
وسوم: العدد 986