نفحات ذكرى
في أحيان كثيرة نسعد أن نرافق الأخيار في دروب الثقافة والأدب والفنون ، رغم عمرنا المتقدم نوعا ما ، ونحن نرافق أنفاسا طاهرة نلمس صدق تعاملها ، نلمس صدق مشاعرها ، نلمس آثار تلك حسن معاملتها حين نحضر وحين نغيب .
صدقا نشعر أن طاقة متجددة تسري في أرواحنا ونحن نعاشر جيلا مثلهم ، عشنا أيامه الماضية ، ونحن نبذل الجهد ، لا نمل الحركة والنشاط ، يذكرني بجيل عشته في حضن رواحيله ، كانت ترافقنا، تسدد خطونا، تقوي ضعفنا ، تصحح كبوتنا ، تقوم مسارنا.
فكنا نتعلم من عزمهم وجدوتهم وجدهم ونصحهم ، كنا نحمل حملا أن نسير نحو الهدف ، نحمل الأثقال ، ربما كنا لا ندرك سر تلك الجفوة ، فمداركنا صغيرة ، كنا لا نستوعب الكثيرة من فقه العمل.
لكن ثقتنا في كفاية رواحل تلك المرحلة ، كانت تفك ألغاز نجهلها ، فقهنا كنهها حين كبرنا ، وحين تشربت عقولنا أبجديات العمل ، ولمسنا أسرار طعم النجاح .
لا أخفي أن أقول طعم النجاح يتلذذ به الكبير مثلي ، حين يلمس ثمرة جهد وتعب مبدول يتحقق ، فتهزني قشعريرة تتبعها فرحة لا تفسر ، ولكن يفسرها تعابير قلوبنا ، فترانا نحلق مثل الفراشات في البساتين المزهرة .
أنقل شعورا أحسه ، ربما هي منحة تتجدد لمثلي ، أن تتجدد تأشيرة العمر ، في ميدان العطاء مرة ، في ميادين النفع العام ، وفي هذا السياق لا أخفي تأثري بشخصية الإمام محمد الغزالي في التربية ، فهو قدوة لي تعلمت من رسم قدوته الكثير ، لهذا لا عجب عندي أن أرافق الشباب وأنصح له ، فالشباب في كل عصر هم أمل الأمة ومشعل نهضتها .
لهذا فإن ما يجب أن يتعلمه الشباب أنه مهما كانت حماستهم وقوتهم وجذوة نشاطهم ، فهم بحاجة لمرافقة وتوجيه وتسديد وحماية ، كي تقوى مداركهم وتزيد خبرتهم و يتحسن مردودهم .
وفي هذا اخترت من قطف كلمات شيخي ما يقوي حديثي ، يقول الإمام الغزالي موجها كلامه للشباب :
(هذا الشباب هم الأمل ليقظة هذه الأمة ونهضتها، وعندما أنصحه وأقسو عليه أحيانا فإنما أهدف إلى إيقاظه وتنبيهه لما يحاك ضده من مؤامرات تريد شغله بقضايا تهدر طاقته أو تصرف الناس عنه، أو تعطي أعداء الداخل والخارج مبرر ضربه والإجهاز عليه) ..
و في توجيه آخر للشباب يقول فيه :
( المتاعب والآلام هي التربة التي تنبت فيها بذور الرجولة، وما تفتقت مواهب العظماء إلا وسط ركام المشقات والجهود) .
أحسب أن هذه الكلمات بلسم للجروح ، عاشها كهل يرويها لأحبابه ، يجدد العطاء مع فتية يحدوهم الأمل الأخاذ ، يسافر بهم مشاوير النجاح والتألق ، نسأل الله أن يضربوا لنا معهم بسهم في الأجر والثواب ..
وسوم: العدد 1077