عَبِيرُ الشَّهَادَةِ

يَهْمِسُ فِي أُذُنَيْ فُلَانٌ ارْتَقَى ! 

قُلْتُ : سُبْحَانَ اللَّهِ  !  ارْتَقَى ! 

أَيْ عَلَتْ مَرْتَبَتُهُ

وَنَالَ دَرَجَةَ الشَّرَفِ

مَا أَحْلَى أَنْ تَرْتَقِيَ الرُّوحُ دِفَاعًا عَنْ حِيَاضِ الْوَطَنِ

فَقَدْ مَاتَ الْأَشْرَافُ مُنْذُ الْأَزَلِ

بَدَمَاءٍ مُخَضَّبَةٍ تَصْدُرُ مِنْهَا رَائِحَةُ الْعَنْبَرِ

لَا يَهُمُّ أَنْ يَشُجَّ الرَّأْسَ بِشَظِيَّةٍ

أَوْ أَنْ يَمُوتَ تَحْتَ أَنْقَاضِ الْبُيُوتِ الْمُهَدَّمَةِ

فَقَدْ مَاتَ قَبْلَهُ مِئَاتُ الْأَحْرَارِ فِي سَبِيلِ الْقَضِيَّةِ

هُمْ لَيْسُوا طَفْرَةً وِرَاثِيَّةً تَظْهَرُ ثُمَّ تَخْتَفِي

هُمْ لَحْنُ قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ تَتَشَابَكُ فِيهَا الْأَحْدَاثُ فِي صِرَاعٍ طَوِيلٍ .

هُمْ لَحْنُ قِصَصٍ تَتَوَالَى فِيهَا الْمَشَاهِدُ تِلْوَ الْمَشَاهِدِ فِي سِجَالٍ طَوِيلٍ ، لِيَخْلُصَ الْمَكَانُ لِلْبَطَلِ ، فِي الْمَشْهَدِ تُحَاصِرُهُ الْعَدَسَاتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ

وَ الْبَطَلُ يُقَاوِمُ فِي بَسَالَةٍ وَحَوْلَهُ الشُّخُوصُ يُؤَدُّونَ الْأَدْوَارَ بِبَرَاعَةٍ

مِنْ عَادَةً كُتَّابُ الْقِصَصِ رَسْمَ خُيُوطِ النِّهَايَةِ لِيَعْتَلِيَ الْبَطَلُ مَكَانَ الرِّيَادَةِ ، لِيَصْنَعَ مَشْهَدَ النِّهَايَةِ

يَهْمِسُ فِي أُذُنَيْ فُلَانٌ شَهِيدٌ ارْتَقَى

قُلْتُ : لَا تَخْجَلِي يَا أَرْضُ بِمَوْتِ فُلَانٍ

فَفَلَانُ ارْتَقَى فِي شُمُوخٍ ، فَالْأَرْضُ الَّتِي حَوَتْ أَجْسَادَ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ لَا تَقْبَلُ الْجُبَنَاءَ مَنْ يَبِيعُونَ الْقَضِيَّةَ

فَالْأَرْضُ الطَّيِّبَةُ لَا تَرْضَى لِلْأَبْطَالِ حَيَاةَ الْحَفْرِ

قُلْتُ : يَمُوتُ فُلَانٌ وَ يَبْقَى الْوَطَنُ يَحْكِي حِكَايَاتِ الْبُطُولَةِ لِلْأَجْيَالِ

لِيَتَعَلَّمَ الصِّغَارُ أَنَّ آبَاءَهُمْ كَانُوا أَبْطَالًا ، عَاشُوا شُجْعَانًا بَيْنَ الْأَنَامِ

لِيُرْفَعَ الْجُثْمَانُ بِالزَّغَارِيدِ

لَكِنَّ أَرْوَاحَهُمْ يَحْمِلُهَا حَوَاصِلُ الطَّيْرِ فِي الْجِنَانِ

تَنْعَمُ بِرَيَاحِينَ عَبِيرُ الشَّهَادَةِ .