بين الغاية والوسيلة
دَرْسٌ بَلِيغٌ نَتَعَلَّمُهُ مِنْ مَدْرَسَةِ النُّبُوَّةِ تَحْدِيدًا مِنْ قِصَّةِ نَبِيِّ اللَّهِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ و مِنْ الْمُعَلِّمِ النَّبِيِّ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ يُوَجِّهُ أَبْنَاءَهُ لِلْبَحْثِ عَنْ الِابْنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى لِسَانِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :
( وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنَّ الْحُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ ( 67 ) )
كَأَنِّي بَنِي اللَّهِ يَعْقُوبَ يُوَجِّهُ أَبْنَاءَهُ لِحَقِيقَةٍ نَحْسَبُهَا قَدْ غَابَتْ عَنْ أَذْهَانِنَا إنَّ اخْتِلَافَ الْوَسَائِلِ مَعَ وَحْدَةِ الْغَايَةِ الْكَبِيرَةِ لَا يَضُرُّ ، فَمَا يَجِبُ أَنْ يَشْغَلَ الْأَبْنَاءَ هُوَ الْوُصُولُ لِمَقْصِدِهِمْ الْمُحَدَّدِ وَ الْمُوَكَّلُونَ بِهِ لِلْوُصُولِ إِلَى الْغَايَةِ الْمُحَدَّدَةِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ [ " يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ . "
وَهِيَ رِسَالَةٌ بَلِيغَةٌ وَ دَرْسٌ مُهِمٌّ يَسْتَفِيدُ الْمُسْلِمُ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ ، كَمَا هُوَ دَرْسٌ بَلِيغٌ لِلْعَامِلِينَ فِي كُلِّ مَجَالَاتِ النَّفْعِ الْعَامِّ فِي الْحَيَاةِ ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُؤَسَّسَاتٍ تَرْبَوِيَّةً تَعْلِيمِيَّةً أَوْ مُؤَسَّسَاتٍ إِقْتِصَادِيَّةً أَوْ مُؤَسَّسَاتِ خِدْمَاتٍ نَفْعِيَّةٍ ، وَاجِبُهُمْ أَلَّا يَشْغَلُوا أَنْفُسَهُمْ عَنْ صُرُوفِ الْأَهْدَافِ الْكَبِيرَةِ وَ مَهَامِّهَا بِالِاشْتِغَالِ بِالْهَوَامِشِ وَ الْفُرُوعِ الثَّانَوِيَّةِ عَنْ هَدَفِهِمْ الْأَصِيلِ .
كَمَا هُوَ دَرْسٌ مُهِمٌّ لِسَاسَتِنَا الَّذِينَ تَفَرَّقَ شَمْلُهُمْ وَ ضَعُفَ رِيحُهُمْ ، حِينَ انْصَبَّ هَمُّهُمْ فِي حُرُوبِ التَّمَوْقُعِ ، اشْتَغَلُوا بِالْفُتَاتِ الزَّهِيدِ بِذَلِّ صَبِّ الْجُهُودِ فِي خِدْمَةِ أَوْطَانِهِمْ وَأُمَّتِهِمْ ، بِسَبَبِ انْشِغَالِهِمْ عَنْ أَصْلِ الْغَايَاتِ وَ الْأَهْدَافِ الْكَبِيرَةِ ، فَضَاعَتْ الْمَكَاسِبُ الْكَبِيرَةُ ، وَ اسْتَمْتَعَ الْقِلَّةُ بِالْفُتَاتِ الزَّهِيدِ .
يَحْصُلُ ذَلِكَ حِينَ تَغِيبُ الْبُوصْلَةُ عَنْ اتِّجَاهِهَا الصَّحِيحِ ، فَتُصْرَفُ الْمُهِمَّاتِ لِغَيْرِ قَصْدِهَا .
وَ خُلَاصَةُ الْقَوْلِ عَلَى الْفَرْدِ أَنْ تَشْغَلَهُ الْأَهْدَافُ الْكَبِيرَةُ الَّتِي مِنْ خِلَالِهَا نَصْنَعُ الْحَيَاةَ السَّعِيدَةَ لِلْفَرْدِ وَ الْجَمَاعَةِ وَ الْمُؤَسَّسَةِ وَ هُوَ بَيْتُ الْقَصِيدِ ، أَمَّا الإبْدَاعٌ فِي اسْتِغْلَالِ الْوَسَائِلِ وَ تَنَوُّعِهَا وَ اخْتِيَارِ أَفْضَلِهَا لِإِنْجَاحِ الْأَعْمَالِ وَ الْخُطَطِ وَ الْبَرَامِجِ أَمْرٌ مُهِمٌّ ، نَخْتَارُ مِنْ الْوَسَائِلِ أَنْفَعَهَا وَ أَبْقَاهَا فِي النَّفْعِ ، وَ نَتْرُكُ الْوَسَائِلَ الَّتِي تَجَاوَزَهَا الزَّمَنُ مِنْ الْقِدَمِ وَ انْتِهَاءِ الصَّلَاحِيَةِ .
وسوم: العدد 1102