أكملت دراستي!
أَنْ أَعِيشَ الْحَقِيقَةَ بِمِرَارَاتِهَا خَيْرٌ لَنَا أَنْ نَعِيشَ فِي عَالَمِ الزَّيْفِ وَ الْكَذِبِ ، نُخَادِعُ أَنْفُسَنَا ، نَقْفِزُ عَلَى حَقَائِقَ مَعْلُومَةٍ ، نُحَاوِلُ أَنْ نَعِيشَ دَقِيقَةَ صِدْقٍ ، تُؤَسِّسُ لَنَا حَيَاةً صَحِيحَةً ، تُحَدِّدُ لَنَا مُعَلِّمَ السَّيْرِ الصَّحِيحِ ، خَيْرًا لَنَا أَنْ نَعِيشَ الِانْهِيَارَ وَ السُّقُوطَ فِي عَوَامِلَ مَجْهُولَةِ الْمَصِيرِ .
أَكْمَلْتُ دِرَاسَتِي لَكِنِّي لَمْ أَتَعَلَّمْ فُنُونَ الْحَيَاةِ
كُنْتُ أَعْتَقِدُ أَنَّ مَا تَعَلَّمْتُهُ مِنْ دُرُوسٍ دَوَّنْتُهَا فِي كَرَارِيسِي سَتَكُونُ عَوْنِي وَسَنَدِي فِي مُوَاجَهَةِ الْحَيَاةِ ، لَكِنِّي أَبْصَرْتُ أَنِّي بِحَاجَةِ مُوَاصَلَةِ تَعْلِيمِي فِي مَدْرَسَةِ الْحَيَاةِ .
فِي مَدْرَسَتِي تَعَلَّمْتُ الْكَثِيرَ مِنْ الْمَوَارِدِ وَ الْمَعَارِفِ ، تَعَلَّمْتُ فُنُونَ اللُّغَةِ وَ الْحِسَابِ وَ التَّارِيخِ وَ الْجُغْرَافِيَا ، حَفِظْتُ بَعْضَ السُّوَرِ وَالْأَنَاشِيدِ ، وَغَيْرَهَا مِنْ الْمَوَادِّ الدِّرَاسِيَّةِ الْمُقَرَّرَةِ حَسَبَ كُلِّ طَوْرٍ دِرَاسِيٍّ ، بَعْضُهَا ذَهَبَ أَثَرُهُ بَعْدَ إِجْرَاءِ الِاخْتِبَارَاتِ وَ الِامْتِحَانَاتِ ، وَ بَعْضُهُ تَبَخَّرَ بَعْدَ تَخَرُّجِي أَوْ حِينَ تَوْجِيهِي لِلْحَيَاةِ الْعَمَلِيَّةِ ، وَقَدْ كَتَبُوا لِي تِلْكَ الْعِبَارَةَ فِي ذَيْلِ كَشْفِ نِقَاطِي الْأَخِيرِ .
خَرَجْتُ لِعَالَمِ الْحَيَاةِ أَحْمِلُ أَحْلَامِي الْوَرْدِيَّةَ الَّتِي كُنْتُ أَكْتُبُهَا عَلَى قِصَاصَةٍ صَغِيرَةٍ ، أَخْتَارُ وَظِيفَتِي وَ حَتَّى زَوْجَتِي ، وَ لَوْنَ سَيَّارَتِي ، وَ قَصْرِي الَّذِي أَحْلُمُ أَنْ أَسْكُنَهُ ، كَانَتْ لِي أَحْلَامٌ كَبِيرَةٌ ، كُنْتُ أُصَدِّقُهَا ، لَكِنَّ الْأَحْلَامَ كَانَتْ لَا تُصَدِّقُنِي ، كَانَتْ تُدْرِكُ أَنَّ الْحَيَاةَ وُلُوجُهَا صَعْبٌ ، يَتَطَلَّبُ التَّجْدِيفَ وَ مُوَاجَهَةَ الْأَمْوَاجِ الْعَاتِيَةِ .
تَخَرَّجْتُ أَحْمِلُ رُزْمَةً مِنْ الْأَوْرَاقِ مَخْتُومَةً وَ الْبَعْضُ الْآخَرُ مِنْ أَوْرَاقِي بِهِ تَقْدِيرَاتٌ وَ تَشْجِيعَاتٌ كُنْتُ أَحْفَلُ بِهَا ، كَانَتْ تَبْعَثُ فِي نَفْسِي السَّعَادَةَ ، لَا أَشُكُّ أَنَّهَا كَانَتْ افْرِحَ وَالِدِي وَ أُسْتَاذِي وَ حَتَّى رِفَاقِي ، وَ لَكِنَّ الْحَقِيقَةَ الْمِهْنِيَّةَ أَنَّهَا مُجَرَّدُ أَوْرَاقٍ لَهَا قِيمَةٌ مَحْدُودَةٌ .
حَقِيقَةُ عَلَيَّ أَنْ أَتَقَبَّلَهَا أَنَّ حَيَاةَ الْمَدْرَسَةِ خُطْوَةٌ لَابُدَّ مِنْهَا لَكِنَّهَا لَيْسَتْ كَافِيَةً ، لَهَا مَا بَعْدَهَا ، بَلْ هِيَ الْخُطْوَةُ الْأُولَى فِي الْمِشْوَارِ الطَّوِيلِ ، عَلَيَّ أَنْ أَتَحَمَّلَ تَبِعَاتِ مِشْوَارِهِ ، عَلَيَّ أَنْ أَطْرُقَ الْأَبْوَابَ ، أَنْ أَسِيرَ فِي الدُّرُوبِ ، عَلَيَّ أَنْ أَطْرُقَ أَبْوَابَ الْأَسْوَاقِ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ ، عَلَيَّ أَنْ أَبْدَأَ مِشْوَارِي فَأَحْمِلَ الْمِعْوَلَ ، فَتِلْكَ هِيَ الْبِدَايَةُ الصَّحِيحَةُ .
فِي كُلِّ تِلْكَ الْمَسِيرَةِ مِنْ الْعُمْرِ جَمِيعُنَا يَعِيشُ مَرَارَةَ بِدَايَتِهَا ، لَكِنَّ الْمُؤَكَّدَ أَنَّ الْكَثِيرَ سَوْفَ يَعْبُرُ فِي اتِّجَاهِ قَدَرِهِ ، سَوْفَ يَعْبُرُ نَحْوَ قَدْرِهِ الَّذِي يَنْتَظِرُهُ ، مَهْمَا لَاقَ مِنْ التَّعَبِ وَ الِانْتِظَارِ ، الْمُهِمُّ أَلَّا يَحْسَبَ الْفَرْدُ نَفْسَهُ فِي الزَّوَايَا الْحَادَّةِ الَّتِي تَخْنُقُ الْأَنْفَاسَ ، بَلْ عَلَيَّ أَنْ نَكُونَ الطَّيْرَ الْبَاحِثَ عَنْ رِزْقِهِ ، يَسْتَعْمِلُ الزَّمَنَ وَ التَّبْكِيرَ وَ التَّفْكِيرَ بِبَحْثٍ عَنْ وَرْشَةِ الْعَمَلِ .
وسوم: العدد 1104