امتنا وهدهد سليمان

د. عباس العبودي

السلام عليكم ورحمة الله

يقول المولى سبحانه:

{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (104) سورة آل عمران

الامة الحية هي الامة التي تشخص الانحراف بكل انواعه وتسعى لمعالجته والتخلص منه,لان الانحراف يمثل عورة في جسم الامة وهو مشروع معرقل للتغيير والتطوير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي . وعملية التغييلا المستمرة هي علامة صحوة في ضمير الامة ودلالة وعي على قيمة التغيير والتطوير, وتثبت للعالم اجمع انها امة حية ناهظة قادرة على تحمل المسؤوليات الجسام. اما الامة  الميتة وان كانت حية بايولوجيا  هي الامة التي نخر الفساد الداخلي فيها حتى تحولت الى امة مخدرة مشلولة لاحول لها ولاقوة ولاصحوة لها . الفرق بين الامة الحية والامة الميته هي القدرة على التشخيص والقوة في المعالجة لكل ظاهرة انحراف . وما طير  الهدهد الا ذلك النموذج الواعي من امة الطير الذي استطاع بملاحظاته ان يشخص الانحراف في مجتمع سبأ ويسعى في المساهمة بتغييره بعد استنكاره لانحراف الامة عن فطرتها الانسانية وعبادة غير الله تعالى . هذا الطائر الصغير امتلك روح المبادرة و قام بمسؤوليته الرسالية  وقطع المسافات الطويلة من دون كلل او تعب او نصب .فلما رأى القوم يسجدون للشمس من دون الله لم يعجبه هذا الأمر لانه خلاف فطرتهم التوحيدية ,لان الشرك حالى غير طبيعية في فكر الامة وهو نتاج مؤثرات الحاكم الذي يسعى ان يكييف خط الامة مع مساره الخاص {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} (29) سورة غافر .

نستفيد من قصة الهدهد  مايلي :

1-   حكمة القيادة في تعامله مع رعيته وفق النظام العام الذي يحفظ للامة هيبتها وقوتها من دون ظلم او تعسف.

2-   دور الامة(الرعية) في تحمل مسؤوليتها وانسجامها مع حاكمها في تحمل المسؤولية من دون خوف وتشخيصها للانحراف العقائدي في تلك الامة  نتيجة مؤثرات حاكمها جعلهم  يعبدون من دون الله اشياء بديلة كعبادة الشمس . فقام الهدهد بدوره  اما امته وامام قائده ,ولم يطل انتظار سليمان عليه السلام. فجاء الهدهد ووقف على مسافة غير بعيدة عنه وقال: علمت بأمر لا تعلمه أنت، وجئت بأخبار أكيدة من مملكة سبأ -انظر كيف يخاطب هذا الهدهد أعظم ملك في الأرض، بلا إحساس بالذل أو المهانة، وهذه هي الروح التي يجب أن يتحلى بها القائد في تعامله من أتباعه، يجب أن يزرع فيهم احترامه وحبه، لكن من غير خوف وذل ومهانة,{فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} (22) سورة النمل  } إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً) بلقيس (تَمْلِكُهُمْ) تحكمهم (وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ) أعطاها الله قوة وملكا عظيمين وسخّر لها أشياء كثيرة (وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) وكرسي الحكم ضخم جدا ومرصّع بالجواهر (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ) وهم يعبدون الشمس (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ) أضلهم الشيطان (فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ{(24سورة النمل) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ) يسجدون للشمس ويتركون الله سبحانه وتعالى (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) وذكر العرش هنا لأنه ذكر عرش بلقيس من قبل، فحتى لا يغترّ إنسان بعرشها ذكر عرش الله سبحانه وتعالى.

نقول اننا مدعوون جميعا ان نتحمل المسؤولية في بناء عراقنا العزيز من خلال الانسجام والتلاحم بين جميع مكونات الشعب العراقي لبناء دولة الانسان التي نحترم قوانينها وتحترم كرامتنا الانسانية  ولاتمييز فيها ولاطبقات الا بالقيّم الاخلاقية والفضائل الحسنة التي يحملها كل فرد فينا  {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13) سورة الحجرات .

واقول ان الامة التي لم يبلغ افرادها الوعي والمسؤولية في تشخيص ومحاربة الفساد والانحراف  بكل انواعه كما فعل هدهد سليمان  فهي امة ميتة  ,وهذا مالانتمناه لانفسنا ولامتنا. فلننهض ايها الاحبة يدا بيد لنثبت للعالم اجمع ان امة العراق امة حية وكلها هدهد سليمان  انشاء الله.

{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} (96) سورة الأعراف.

والله من وراء القصد