عمر من الحزن
في تذكر ثواني الفرح
ياسين سليماني
يا أنت، يا الذي تأتي إليّ دون إعلان مسبق، وتختفي من أمامي دون تنبيه... يا من يشعل في القلب أكوام الذكريات لهيبا ... إنّي أختنق من فراقك ... إنّي أتوجّع من كونك تبتعد عنّي كلّ هذا الوقت... لماذا تسافر وتترك الأنا متحسرّة تفتح عينيها على هشيم المعاني الغائبة التي يتركها رحيلك المفاجئ وتغلقهما لتتخيلك " حاتما " جديدا يذبح فرس وقته ليطعمني بضحكة حلوة وكلمة طيبة.
يا من كنت أراه فأخالني أرى نفسي في المرآة... كنت مرآة نفسي الصادقة أنت الذي لم تعرف في يوم ذلك الحبّ الذي عشت به... كانت النخيل تمتدّ بجذورها إلى أميال في قاع الأرض وكنت خلال كل هذا الوقت أنتظرك... أنتظر حضورك المادي...ذلك الحضور يأتي بهواء غير هذا الهواء، وبدقائق غير هذه الدقائق...
أنا أعيش بك وفيك...أنا تمثال صنعته يداك... شكلته كيف شئت، طينة مبلولة أخذت منذ عقود تغيرها من الجمال إلى القبح إلى البشاعة، ثم تعود إليها فتصبح رقيقة رقة اليدين اللتين تخلقانها...
تلك الروح المقدسة التي عاشت فيك أنت، يا إلهي، كم كانت رائعة كأنها لملاك... لعلك هربت من جنّة الخلود لتأتي إلي وتشعرني بأنّي غير وحيد في هذه المسافات التي تنأى عنها تعريفات الزمان و المكان و الأنا والآخر... وطوال عمري جعلتني أعشق وجودك...أعشق ماهيتك ...كائن خرافي أنت، من نوع الأسطورة التي تلمع عبر القرون والألفيات..أنت ذلك السر في الحياة ...وبغيابك عن حياتي أصبحت لا أملك خروجا من هذا الحزن الطاغي إلى حدّ الفناء، لقد استهلكني الألم منذ أن غادرت في طائرة إلى عوالم أخرى فيما تركتني في هذا العالم البائس نقطة حبر مقيتة لا تفعل شيئا...
هنيئا لك ذلك الحزن الذي أشبعتني به، سينفجر قلبي- إن لم يكن انفجر- بِسَيْلٍ من الألم، والموت والفناء، لن يطول الإحساس بالنهاية أكثر من هذا... وسأغادر أنا أيضا إلى العالم الذي ذهبت إليه، سأتبعك إلى أين ذهبت، لأراك وأشبع من فاكهة حديثك و مجلسك، يا حبيب العمر.