آه يا وطن إني أحبك وأهيم فيك

محمد فاروق الإمام

محمد فاروق الإمام

[email protected]

وصلتني على بريدي الإلكتروني قصيدة للشاعر الشعبي المصري المعروف فؤاد نجم تحمل عنوان: إزاي أحبك يا بلد وانت مش حباني.

يقول فيها:

إزاى أحبك يا بلد وإنت مش حبانى

إزاي أعيش وأموت وأندفن في أرض رفضاني

بنام وأحلم ببكرة ألاقي بكرة زود أحزاني

آه يا بلد لو بإيدي كنت أهدك وأبنيك من تانى 

بيقولك تعديل دستوري إحنا عايزين تعديل إنساني

كل إنجازات البلد أنفاق وكباري

بلد بتموت وشعب في حالة سكوت وكأنها لعبة أتاري

من كتر الظلم والظلمة بقول يا ريت أيام الملك والانجليز ترجع تاني 

أه يا بلد مليت بحبك الدفاتر مع العلم أنك قتلاني

مين اللي قال أن عبارة السلام غرقت

ومين اللي قال أن ممدوح إسماعيل قاتل وجاني 

اللي غرقت مصر واللي غرق ما بيطلعش حي تاني 

هو يطلع من صالة كبار الزوار وأنا اتحبس في سجن المطار واتعرض على البحث الجنائي 

أنا اللي من صغري أخترتك سكتي أتريها سكة أحزاني

أنا اللي من صغري أخترتك كلمتي ألاقيك مقيداني

 أه يا بلد نفسي قبل ما أموت ألاقي زمانك وزماني

 اتغربت أكتر من سبع سنين ورجعت لاقيت الغربة هنا شكل تاني

 بلد بتعاني بكل المعاني بكياني وأنا أملى أحس بكياني

 عشرين سنة مخلص محبوس بين جدران دكاني

 نفسي أعيش من غير ما أنافق السلطان والسلطاني 

 نفسي أعيش من غير ما أنافق ولا حتى أبويا اللي رباني

 بكرة نتحاسبو على السكوت وعلى العيشة العمياني

 ابني مكملش سنتين نايم جنب مني بيشد في شعري ويحط صبعه في وداني 

ويضربني بالقلم ولسان حاله بيقول ليه يابا خلفت تاني

وأنا في سري باقول يا ريتك يا أحمد يابني ياباني ابن ياباني

مع إن وجودك في الدنيا عمل فيا وخلاني 

أحب البلد أكتر وأهد جدران دكاني

شيخ الأزهر بيقول المعارضة حرام

وأنا نفسي أعرف آية الحلال في بلد الميت مليون حرامي

 الشاعر فؤاد نجم هو أبرع من يعبر عن الألم والحزن الذي يعتصر قلب كل مصري ويدمي فؤاده، وهو يرى مصر (أم الدنيا وهبة النيل) تتدحرج ككرة الثلج بقوة نحو الهاوية.

ما جاء في قصيدة فؤاد نجم يعبر بشكل أو بآخر بنفس ما يعتمل بنفسي من لواعج الحزن والحب لبلدي سورية. فحب الوطن أمر غير نسبي تشارك فيه كل الأمم والشعوب، وقد يختلف البعض في الطريقة والأسلوب.. فنحن الذين نعاني في سورية نفس ما يعاني فؤاد نجم في مصر حبنا للوطن قد يكون فيه مغالاة وتشدد.. فظهورنا وصدورنا تتلقى السهام على مدار الساعة من نظام لا إرادة لنا في وجوده ولا رأي لنا في اختياره.. فالوطن يسكن أحشاء قلوبنا وحنايا صدورنا ويعيش في عقولنا وأفكارنا.. فأهله أهلنا وناسه ناسنا وآلامه آلامنا وأحزانه أحزاننا، كما قال الشاعر قديماً:

بلادي وإن جارت علي عزيزة

وأهلي وإن ضنوا علي كرام

ستظل كلمات هذا الشاعر محفورة في وجداننا وكياننا وذاتنا وضميرنا وخلجات صدورنا ودقات قلوبنا إلى أن نوارى الثرى أين شاءت إرادة الله بعيداً أو قريباً من مرتع طفولتنا.. بعيداً أو قريباً من أهلنا وعشيرتنا وأخلائنا!!

قيل قديماً (الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراها إلا المرضى) وهذا حالنا وحال مئات الألوف ممن شردوا منفيين قسريين في بقاع الأرض شرقها وغربها وشمالها وجنوبها ولسان حالنا يقول: (لا يعرف قيمة الوطن وحب الوطن والتمسك بالوطن كالمنفيين والمبعدين والمهجرين القسريين!!).

فثلاثون عاماً من النفي القسري وقانون الطوارئ والقوانين الجائرة والمحاكم الاستثنائية وقضبان السجون والزنازين والأقبية المظلمة لن تزيدنا إلا تمسكاً بالوطن وحباً وعشقاً له وهياماً بترابه.. فمهما أدار لنا ذلك الوطن من ظهر المجن وشحذ السكين وتفنن في ذبحنا وقتلنا ازددنا ارتباطاً به والتصاقاً بأرضه.. إنه الوطن الذي لا يعادله في الحب والفداء لا مال ولا نفس ولا ولد.