عندما مات علاء

عندما مات علاء

ياسين سليماني

[email protected]

عندما مات علاء...

وضعت النجوم استقالتها في مكتب السماء وذهبت... قالت لها: لا أستطيع البقاء بعد الآن. وردّت السماء عليها: وأنا كذلك، ولكنّك أنت تجدين مكانا للاختفاء أمّا أنا فليس لديّ ملجأ آخذ إليه حقائبي...

كانت السماء حينها تبكي طوفانا من الدمع ... تسونامي لم يكن إلاّ شكلا من أشكال فجيعتها.

بعثت السماء برسالة إلكترونية إلى الشمس تسألها عن مكانها، ولِمَ لم تبدأ عملها كالمعتاد وهي التي ألف الناس أن يروها دقيقة المواعيد في المجيء إلى العمل والانتهاء منه ...

بعد حوالي ثلاث ساعات ردّت عليها وهي تتثاءب فقالت أنّها طيلة السنوات الماضية كانت تعتني بأوقات عملها لأنّ هناك من تشرق على وجهه الكريم، ولمّا وصلها نبأ رحيله وجدت أنه ليس هناك سبب يجعلها تطلّ...

تنهّدت السماء بخمس دقائق ... الكون لا يحتمل اليوم، لا أحد يقوم بعمله ... إنّهم يشنّون إضرابا جماعيا ... حتى هي شاركت فيه ... جاءت صورة قسنطينة فجأة، حدّقت في ذلك الجزء الصغير جدّا من افريقيا، لقد كانت دماء الحياة دوما تجري في عروقه، فما به اليوم؟ ما بها سيرتا تحجّرت شوارعها، تساقطت أوراق أشجارها ... وغابت كلّ الملامح عن وجوه البشر فيها ...ضاع من القلوب عنوان الفرح ... كانوا يجدونه في وردة تعطي لمعناه أكثر عبيرا ... أكثر قيمة ... أكثر قداسة ... كانوا يجدونه في ... علاء.

فقدانك أيّها الغالي مصيبة حلّت بقلوبنا المنهكة ... لم نكن لنحتمل حزنا مثل هذا الحزن، ويشكّل رحيلك مطيّة سريعة إلى الموت، موت قلوب كافحت - قبلك – من أجل أن تعيش بميليغرام واحد من السعادة، لم تكن هذه القلوب ترجو أطنانا من الفرح، إلا بظهورك في حياتها وفقدت هذا الرجاء ونسيت ذلك الكفاح بعد أن غبت عن حياتنا.

غيابك - حبيب القلوب جميعا – لم يكن في يوم ما ولن يكون إلاّ غيابا ماديّا، دائما تفنى المادّة وتبقى الروح ... لو كنت طيلة العمر الرائع الذي قضيته مع قدسيتك أعرف أنّك أكبر من أن تكون مجرّد لحم ودمّ ... أكبر من أن تكون مادّة يحويها قبر مقيت لعين... أنت أكبر يا صاحبي من نعش وضعوك فيه، وأكبر من أعناق تحمله لتضع ما فيه في شبر من الأرض ... أجل، كان إيماننا ولا زال أنّك أكبر من هذا ... فأنت بالنسبة لنا عالم كامل من المشاعر الدافئة والقلب النابض والحياة المتحرّكة النشيطة الهادفة ... أنت عين أطللنا بها على هذا الكون، وبدونك أصبحنا نعيش في دهليز طويل جدّا ... مظلم جدّا ... ليس فيه - ولن نأمل أن تكون فيه – شمعة أو قنديل.