رسائل تتحدى النار والحصار

زكية علال

[email protected]

قَبْرٌ في جِبَّة وَطَن !!

 اجتمعوا على بقايا ابتسامة لم تعد تثيرا أحدا

  تفرقوا على وقع حلم يسحب آخر خطواته من دمنا المباح   

  تناسلت اجتماعاتهم هنا وهناك

 تشاوروا .. تفاوضوا ..

 قلّبوا المشكلة ذات اليمين وذات الشمال

 ناقشوا قضية شعب لا يفنى ، وامرأة لا تُهزم   ..

رغم الغارات التي تهبط على غزة ووجهي ..

رقم القصف المستمر للبيوت وصدري ..

رغم قسوة الرصاص الذي يحصد الأرواح وما تبقى من صبري ..

 ورغم النار التي تأكل أطراف المخيم وساعات يومي، أظل وغزة شامختين تتجدد فينا الحياة بعد كل غارة وقصف ودمار وحصار  ...

 غزة وأنا ، صَدْمَتُهم .. شَوْكَتُهم .. والأرق الذي يقض مضاجعهم ..

ولهذا.. قرروا أخيرا أن يدفنونا أحياء ..

سدوا كل المعابر

قطعوا زاد الحياة، وأطفأوا نوراً نَسْتَدِلُّ به على أحبائنا ..

 قرارهم كان رسميا ومُصَوَّراً.. بل ومُؤَرَّخاً:  

  ـ موتوا في جحور كالفئران ..

 ـ موتوا كالأيتام داخل ملاجئ باردة ..  فلا أرضا تئن لغيابكم، ولا أخا يبكي لفقدكم، ولا ابن عَمٍّ يَهُمُّه أمْرُ ضياعكم .. ولا وجها من رحمكم سيسعى ليعيدكم إلى بهاء الحياة ..

ـ موتوا متأوِّهين .. مُتَوَجِّعين فلا أحد سيشفق لاحتضاركم وسط مدينة تغرق في ظلام الموت

 اللحظة ..

ووسط ظلام أسطوري أتحسس صورتك ـ يا عبد الله ـ  ووجعي ..

أعترف أن صورتك المعلقة على حائط خيبتي لم تعد تمنحني دفئا ..

ووجهك الذي يقابلني في المرآة العاكسة لهزيمتي لم يعد يعنيني ..

وملامحك التي تنكمش في ركن بعيد عن نظري، لم تعد تنتمي لجغرافيتي ..

أعترف.. أنك لم تعد تاريخا يشكلني، بل أصبحتَ قبراً مَنْسِيّاً لأحلامي التي غلبتها الرطوبة فتعفنت..

 أعترف أنك لم تعد نصفي، ولا ثلثي، ولا ظلِّي.. وأني أصبحت عارية من انتمائي لك..

ومع ذلك أحب أن أغمض عيني على لهفتك للقائي !!

 وأتحسس أنفاسك المتعثرة بين برد وجوع وظلام ممتدٍّ حتى آخر انكساري !!

  غزة وأنا وخيمة متهاوية ننكمش داخل قرار دولي يقضي بخنق شعب لم يعد يصلح للحياة..

   وحدك تستحق الحياة يا عبد الله

  فلمن تخبئ لهفتك بعد رحيلي وغزة ؟!!

 لمن تدّخر رعشة اللقاء  بعد عشرين سنة من الغياب ؟!!

  ولمن ستهمس بحب متقدم .. متأخر وفاطمة مذبوحة بقرار دولي ؟!!