أيها المسلمون .. قاتلوهم بإسلامكم

أيها المسلمون .. قاتلوهم بإسلامكم

بقلم: الدكتور جابر قميحة

[email protected]

في جمادى الأولى من العام الثامن للهجرة وقف الجيش المسلم في ثلاثة آلاف جندي يواجه جيش الروم في مائتي ألف عند «مؤتة» بالشام.. ثلاثة آلاف موحد في مواجهة 200 ألف من الروم ومن معهم من الأتباع العرب.. مفاجأة تذهل أي إنسان عن نفسه, وتخلع قلبه خوفا وفزعا.

وكان الرسول صلي الله عليه وسلم قد جعل قيادة الجيش لزيد بن حارثة, فإن استشهد فجعفر بن أبي طالب, فإن أصيب فعبد الله بن رواحة, فإن استشهد فعلي المسلمين أن يختاروا للقيادة واحدا منهم.

وأمام هذا الحشد الهائل من جند الروم استشعر بعض المسلمين الخوف والتردد, وقالوا: «نكتب لرسول الله صلي الله عليه وسلم, فنخبره بعدد عدونا, فإما أن يمدنا بالرجال, وإما أن يأمرنا بأمره, فنمضي له».

فنهض عبدالله بن رواحة خطيب المسلمين وشاعرهم, وخطب الناس قائلاً: «يا قوم, والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون: الشهادة, ومانقاتل الناس بعدد, ولا قوة, ولا كثرة, ما نقاتلهم إلابهذا الدين الذي أكرمنا الله به, فانطلقوا, فإنما هي إحدي الحسنيين: إما ظهور, وإما شهادة» قال الناس: صدق والله ابن رواحة.. ومضوا إلي القتال.

وبدأ التلاحم, واستشهد القائد الأول زيد بن حارثة, فتلقف الراية جعفر بن أبي طالب, فلما استشهد أخذ الراية عبدالله بن رواحة, وشق صفوف الأعداء وهو يرتجز:

يا نفس إلا تقتلي تموتي

هذا حًمام الموت قد صليت

وما تمنيت فقد أُعطيت

إن تفعلي فعلهما هُديت

-ويقصد القائدين السابقين زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب – واختار الناس خالد بن الوليد الذي استطاع بعبقريته أن يجنب المسلمين خطر الإبادة وانسحب بالمسلمين في خطة محكمة, ولم يستشهد في هذه الموقعة إلا أثنا عشر شهيدا, منهم القادة الثلاثة. وأثني النبي صلي الله عليه وسلم علي ما فعل خالد, وقال عنه وعن الجيش العائد: «إنهم كُرار, لا فُرّار

بل بهذا الدين نقاتل ...

لقد تمكن عبدالله بن رواحة رضي الله عنه أن يثبت الناس, ويبث في نفوسهم القوة والعزة والشجاعة بهذا الشعار العلوي الشامخ: «ما نقاتل الناس بعدد, ولا قوة, ولا كثرة. ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به...» . وهي عبارة مقطرة تضع أيدينا علي مفتاحين علي طرفي نقيض: مفتاح الهزيمة, ومفتاح النصر.
فالهزيمة تتحقق بالاعتماد الكلي علي الكثافة العددية, وقوة السلاح المادي: أي علي العدد, والعدة, مع إغفال أي عنصر عقدي أو نفسي. والمنطق الإسلامي يرفض هذا النهج, والتاريخ ينقل لنا أن المسلمين انكسروا يوم حنين حينما أعجبتهم كثرتهم, وقالوا لن نُغٍلب اليوم من قلة. وقد صور الله - سبحانه و تعالي هذا الموقف في قوله: {...ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين} التوبة 25
والعدد والعدة عامل مؤقت معرض للزوال: فالكثرة قد تتحول إلي قلة, والعدة تقل, وتنفد, وتفني مع كثرة المعارك, ومرور الأيام. أما عنصر الدين, والإيمان الراسخ به فيجعل من القلة الصابرة المحتسبة قوة فاعلة منتصرة. (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) (البقرة249)

ومفتاح النصر ...

أما مفتاح النصر الذي أهدته لنا عبارة القائد الشهيد, فهو الدين الذي أكرمنا الله به, وهو الإسلام . ولكن ماذا تعني العبارة «بالقتال بالدين»? وكيف يكون القتال به?!! الدين هنا يعني منظومة القيم النفسية, والخلقية, والعقلية والروحية التي تصنع نسيج «شخصية المسلم», من إيمان, وصبر, وفطنة, وثبات, وعزم, وإصرار, وتضحية, وعزة, وكرامة, وإيثار, فإذا بالمسلم - حتى لو كان فردا - يصدق عليه قول الشاعر:

كان من نفسه الكبيرة في جيـ   ـش , وإنٍ خيل أنه إنسانُ

فبهذا الدين.. يتحول المسلم «الفرد» إلي المسلم الحشد».. المسلم «الجيش».. المسلم «الأمة».. وفي هذه الحال يهون العدد الضخم الكبير أمام المسلم الشامخ الكبير, فالعدد - بالمنطق الإسلامي - لا يكون له اعتبار إلا إذا تحول من عدد حسابي.. إلي عدد قيمي

امتداد تاريخي.

وامتد هذا الشعار «نقاتلهم بهذا الدين» علي مدار التاريخ الإسلامي, عزةً وإباء وشمما: فربعي بن شبت - المتكلم باسم المسلمين - يقول لرستم الفرس - الذي سأله: ما جاء بكم?:

«الله ابتعثنا, والله جاء بنا, لنخرج من شاء من عبادة العباد إلي عبادة الله, ومن ضيق الدنيا إلي سعتها, ومن جور الأديان إلي عدل الإسلام, فأرسلنا بدينه إلي خلٍقه, لندعوهم إليه, فمن قبل منا ذلك قبلنا ذلك منه, ورجعنا عنه, وتركناه وأرضه يليها دوننا, ومن أبي قاتلناه أبدا, حتى نفضي (نصل) إلي موعود الله. وموعود الله هو: الجنة لمن مات علي قتال من أبي, والظفر (النصر) لمن بقي...».
...
وبصوت العزة الإسلامية , واستعلاء الإيمان, يقول المغيرة بن شعبة لرستم - من خطاب طويل «... وإذا احتجت إلينا أن نمنعك (نحميك), فكن لنا عبدا, تؤدي الجزية عن يد, وأنت صاغر, وإلا فالسيف إن أبيت....».
...
وهو الصوت الذي حمله رد هارون الرشيد علي رسالة لنقفور يهدده فيها «بسم الله الرحمن الرحيم, من هارون أمير المؤمنين إلي نقفور كلب الروم, فقد قرأت كتابك يا ابن الكافرة, والجواب ما تراه دون ان تسمعه.»....
وهو الصوت الحاسم الذي واجه به خليفة المسلمين السلطان عبدالحميد الأطماع الصهيونية حينما عرض عليه «هرتزل» أن يسدد اليهود ديون الدولة العلية مقابل سماحه بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين «... إني لست علي استعداد أن أتخلي عن شبر واحد من هذه البلاد لتذهب إلي غير أهلها, فالبلاد ليست ملكي, بل هي ملك شعبي الذي روي أرضها بدمائه, وليحتفظ اليهود بملابينهم الذهبية...».
..
هذا هو القول الفصل.

نعم يا مسلمون إذا أردتم أن تنتصروا في معارككم فعليكم أن تقاتلوا أعداءكم «بهذا الدين الذي أكرمنا الله به», عليكم أن تربوا أبناءكم عليه, وتغرسوا في نفوسهم قيمه, ليكون منهج حياة وسلوك في السلم والحرب, في المنشط والمكره, في السراء والضراء.. في سياسة الحكم والتربية, والتعليم, والاقتصاد . في نطاق الفرد والجماعة بمفهومها الواسع الشامل.. حتى يعيد في نطاق الفرد والجماعة بمفهومها الواسع الشامل.. حتى يعيد التاريخ نفسه, وتكون الأمة الإسلامية جديرة بالخيرية والأفضلية {كنتم خير امة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } (آل عمران: 110(

سيقول المختلون والمتخلفون : هذه دعوة للتعصب والعصبية والطائفية. قولوا لهم «سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين».