التوحيد والتغيير(1)
التوحيد والتغيير (1)
صالح البوريني
يظل التوحيد قاعدة الإسلام الأولى ، وركن الإيمان الأعظم ، الذي انبنت عليه مناهج الاعتقاد والتربية والدعوة والأخلاق والسلوك .
وأساس التوحيد الإيمان بالله الواحد الأحد والرضا به تعالى إلاهًـا معبودا لا معبود سواه ، ومما يقتضيه هذا الإيمان ولا يتم إلا به توحيده تعالى في الطاعة والخضوع ، فالعلاقة بين المؤمن وبين الله تعالى علاقة عبد بمعبود . إنها علاقة عبودية مطلقة جوهرها الحب والخضوع والاستسلام والانقياد لأمر المعبود ، انطلاقا من القناعة بأنه عز وجل أهل ذلك بما تفرد به من صفات الألوهية والجلال والكمال والجمال وبما خلق ورزق وأنعم ووهب وأحكم ودبر وتصرف في هذا الكون الذي يدل كل ما فيه على عظيم الإتقان وباهر القدرة وبالغ الحكمة .
وهذا هو الذي يؤدي في المحصلة إلى أن يكون مجتمع المؤمنين بالله تعالى مجتمعا متجانس الأفراد متـناسق اللحمة محكم النسيج يتحقق فيه التوازن كاملا بين الحقوق والواجبات وبين المادي والمعنوي وبين الخاص والعام وبين الدنيا والآخرة .
وذلك لأن العمل الصالح من العبد المؤمن مرتبط بإيمانه ارتباطا وجوديا لزوميا . فإذا وجد الإيمان وجد العمل الصالح وإذا غاب العمل الصالح فذلك دليل غياب الإيمان كله أو بعضه حسب حقيقة هذا العمل وقربه أو بعده عن الإيمان وقبوله أو نقضه له .
وحينما نطلع على قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان عن أنس رضي الله عنه : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحـب لأخيه ما يحب لنفسه ) ندرك بقليل من النظر والتأمل أن هذا الحديث يشكل قاعدة في السلوك الاجتماعي الإسلامي تضمن استقامته وقوته وبقاءه .
فقد أسس السلوك على قاعدة الإيمان ، فجعل العمل الصالح ثمرة الإيمان وجعل الإيمان الصحيح قاعدة العمل المستقيم ، ونفى كمال الإيمان عن العبد بمقدار ما نقص من صلاح العمل .
وهكذا ربط الإسلام بين جوهر الإيمان وبيـن المظهر السلوكي العام للمجتمع المسلم أو مجتمع المؤمنين . يفهم من هذا أن الصورة الملازمة للمجتمع المسلم هي صورة مشرقة لشبكة من العلاقات الاجتماعية المتميزة التي تلتقي فيها الأفكار وتتآلف فيها المشاعـر ويتجسد فيها الإيمان عملا في الحياة وحركـة فاعلة في الوجود وقـوة في العلاقات وتماسكا تذيب حرارته الفوارق وتكنـس المعوقات من طريق بناء الذات وتكوين الشخصية وتحقيق التكامل الاجتماعي والنمو العقلي والعلمي والتربوي وظهور الهوية الرسالية على سواها من الولاءات والانتماءات وصولا إلى النضج المعرفي والاستقـلال الثـقافي والسياسي واستعادة الأمة لعافيتها وقوتها وقيامها لدورها العالمي في ميدان الدعوة والتبليغ .
ومن المقطوع به أن المسلمين مؤهلون لكل ذلك إذا تداركوا فجوة ما بين الإيمان والعمل الصالح بالتجسير الرشيد القوي الشامل الذي يعيد إلى الأذهان جمال تلك الصورة التي يرسمها لنا الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) .