خواطر من الكون المجاور .. الخاطرة 71 .. حقيقة عيد الحب ( فالنتاين)
في السنوات اﻷخيرة مع دخول أجهزة اﻹتصال باﻹنترنت كوسيلة إتصال عالمية وكذلك نتيجة تطبيق خطوات العولمة وإنتقال الموضة والعادات الغربية إلى جميع أنحاء العالم ، ظهر عيد جديد بإسم عيد الحب أو عيد فالنتاين والذي يصادف يوم إحتفاله في 14 شباط ( فبراير ) وخلال سنوات قليلة بدأ هذا العيد يأخذ مكانته كتقاليد شعبية في مختلف بلدان العالم ، ومع ظهوره راح بعض رجال الدين من الديانات غير المسيحية يهاجمونه وكأنه عيد وثني ويمنعون أتباع ديانتهم من اﻹحتفال به ،
ففي بعض المناطق ،في الهند مثلا نجد في كل يوم 14 شباط من كل عام يخرج بعض الهندوسيين المتعصبين إلى اﻷسواق ويمنعون بيع أي شيء له علاقة بهذا العيد ، وكذلك نجد في بعض البلدان اﻹسلامية تفرض على المحلات عدم وضع أي دعاية أو بيع أي منتوجات لها علاقة بهذا العيد . والغريب باﻷمر أن رغم أن هذا العيد أصله مسيحي ولكن ومع ذلك نجد أن الكنيسة اﻷورثوذوكسية أيضا عندما رأت في نهاية الثمانينات أن عيد الحب يدخل بلادها و أن شبابها أصبحوا هم أيضا يحتفلون به حاولوا أن يضعوا بدلا من 14 شباط يوما آخر وبدلا من القديس فالنتاين الكاثوليكي وضعوا قديسا من مذهبهم اﻷورثوذوكسي ولكن يبدو أن العولمة كانت قد لعبت دورها فالشباب في كافة مناطق العالم رحبت فقط بالقديس فالنتاين ، ورغم جميع المعارضات من رجال الدين لمختلف الديانات نجد أن عيد الحب أو عيد فالنتاين يشق طريقه بلا منازع في جميع أنحاء العالم ويحطم جميع الحدود أمامه. ..... فما حقيقة هذا العيد ؟ وهل فالنتاين هو فعلا قديس كما تعتقد به الكنيسة الكاثوليكية أم أنه شخصية كاذبة هدفها تضليل الشباب ودفعهم إلى طريق السوء حسب ظن بعض علماء المسلمين ؟
حسب مصادر الكنيسة الكاثوليكية التي هي من رفعت فالنتاين إلى مرتبة قديس، تذكر بأنه في القرن الثالث بعد الميلاد وفي عهد اﻷمبرطور الروماني القوطي كلايديوس الثاني ، كان الحكم الروماني لا يزال يطارد المسيحيين و يضطهدهم لمنع إنتشار الدين المسيحي في بلادهم لذلك كان المسيحيين يقومون بعبادتهم وطقوسهم سرا ، ورغم خطورة الوضع كان القسيس فالنتاين هو من يقوم بطقوس الزواج عند المسيحيين ،وحدث في ذلك الوقت أن الامبراطور كلايديوس منع الجنود الشباب من الزواج لكي لا يشغلهم إهتمامهم بزوجاتهم وأولادهم عن التدريب و الخوض في الحروب ، هذا القرار فرض بالمقابل على الجنود الشباب أن يذهبوا إلى دور الدعارة لتحقيق وتأمين حاجاتهم الجنسية ، ولكن قسم من هؤلاء رفض هذا النوع من السلوك وأراد كل واحد منهم أن يتزوج من الفتاة التي إختارها قلبه ليعيش مع شريكة حياته في عائلة سعيدة تضمن ﻷفرادها حياة إجتماعية راقية.
في ذلك الوقت حاول القسيس فالنتاين أن يبحث عن هذا النوع من الشباب ليساعدهم في الزواج سرا ، وهكذا بدأ الجنود الشباب يتزوجون سرا ومع زواجهم كانوا أيضا يعتنقون الدين المسيحي ، وسارت اﻷمور عدة سنوات ولكن بعد فترة وصل الخبر إلى اﻷمبراطور الروماني فأمر بإلقاء القبض على القسيس فالنتاين ، عندما إلتقى الإمبراطور مع القسيس أعجب بشخصيته فعرض عليه أن يتخلى عن دينه ليعفو عنه ولكن القديس فالنتاين بدلا من أن يوافق على عرض اﻷمبراطور بدأ يتكلم عن تعاليم وسمو مبادئ الدين المسيحي ليقنع اﻷمبراطور بالتخلي عن ديانته الوثنية ليعتنق المسيحية وليجعلها الديانة الرسمية للامبراطورية الرومانية بأكملها ،ولكن حاشية الأمبراطور ثار غضبهم على القسيس وهم يسمعونه يضع الدين المسيحي فوق ديانتهم ، عندها لم يجد اﻷمبراطور أمامه إلا الحكم علي القسيس باﻹعدام.
وكما تذكر المصادر بأن أثناء وجود القسيس فالنتاين في السجن كانت بنت حارس السجن قد سمعت عن أفعاله فإعجبت بأخلاقه وطيبة قلبه وشدة إيمانه لذلك كانت تأتي إليه وتتحدث معه من وراء القضبان ، وكانت الفتاة عمياء وعندما سمعت من القسيس عن تعاليم المسيح وعن معجزاته وأنه كان بإستطاعته أن يرد للأعمى بصره ، طلبت منه أن يدعو لها ليرد لها بصرها ، فحدثت معجزة وعاد لها بصرها، وعندما رأى والدها ما حدث أخبر اﻷمبراطور عن المعجزة ، فطلب اﻷمبراطور أن يقابله ثانية وأن يتكلم عن دينه أمام حاشيته فلعلهم يقتنعون بكلامه ولكن حاشية اﻷمبراطور لم يكن يهمهم شيء سوى التخلص منه لمنع إنتشار الدين المسيحي في اﻷمبراطورية ، فتم تنفيذ حكم اﻹعدام بقطع رأس القسيس ، وصادف ذلك في يوم 14 شباط عام 269.
وتذكر المصادر أيضا أنه أثناء وجود القسيس في السجن نشأت علاقة حب بينه وبين بنت السجان العمياء ، وأنه في يوم تنفيذ حكم اﻹعدام كتب لها القسيس فالنتاين رسالة حب يودعها فيها. ومن هذه العلاقة العذرية بين القسيس والفتاة نشأت علاقة حب بأسمى معانيها فرغم أن الفتاة كانت تعلم بأن القسيس مصيره اﻹعدام بعد أيام قليلة وأنه لن تلتقي به مرة أخرى، ظلت متعلقة به إلى اﻷبد.
في القرن الر ابع عندما حل الدين المسيحي مكان الديانات الوثنية وأصبحت المسيحية الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية وضعت الكنيسة في روما إسم فالنتاين في قائمة القديسين لما لعب من دور هام في نشر الدين المسيحي وفي منع إنتشار علاقة الزنى في المجتمع وأيضا في التشجيع على الزواج والحب الطاهر . وحددت الكنيسة يوم إﻹحتفال بإسم هذا القديس في يوم 14 شباط ( فبراير ) يوم وفاته، بدلا من 15 شباط حيث كان الروم في تقاليدهم الوثنية يحتفلون بعيد اﻹخصاب في ذلك اليوم ، ومع مرور الزمن إنتقل اﻹحتفال هذا العيد من إيطاليا إلى أوربا الغربية ومن بريطانيا إنتقل إلى أمريكا. ومن القرن الـ16 بدأ هذا العيد الديني يأخذ شكل تقاليد شعبية و في القرن الـ18 أصبح من أهم اﻷعياد في دول أوربا الغربية - بعد عيد الميلاد وعيد الفصح - حيث يتم به تبادل الهدايا والورود والحلوى وبطاقات المعايدة ليعبر عن علاقة الحب الطاهر بين الخاطب وخطيبته و المتزوج وزوجته. وكان عيد فالنتاين بشكل عام للمتزوجين عبارة عن فرصة لتقوية علاقة المحبة بين الزوجين وتجديدها، ليسامح كل منهما اﻵخر لما قد يحدث من سوء فهم أثناء الحياة اليومية طوال العام حيث كان هدف هذا العيد هو المحاولة في جمع القلوب لبعضها البعض لتعود العلاقة بين الزوج وزوجته كما كانت في بداية زواجهما.
في القرن الـ20 بدأ عيد الحب يأخذ شكلا مختلفا تماما فلم يعد يرمز إلى الرومانسية والحب الطاهر العفيف بين الزوج وزوجته أو الخطيب وخطيبته أو بين أولئك الذين يحبون بإخلاص بهدف الزواج ولكن أصبح فرصة للمطابع والمكتبات ومحلات الزهور والمطاعم والبارات في زيادة اﻷرباح وبدون مرعاة قداسة هذا العيد فأصبحت اﻹعلانات التجارية تعرض دعاياتها لهذا العيد بطريقة بعيدة عن اﻷخلاق والقيم السامية وبشكل يشجع الشباب على اﻹباحة الجنسية حيث أصبح هذا العيد فرصة لكل شاب قاصر أن يطلب في ذلك اليوم من الفتاة التي تعرف عليها قبل فترة وجيزة إلى ممارسة الجنس وكأنه شيء مقدس، وأصبح اﻹحتفال في هذا اليوم يعطي الفرصة للشباب شرب الخمر وتعاطي المخدرات والقيام بالزنى وإشباع الشهوات الحيوانية، وبدل من أن يعبر هذا العيد عن تزاوج الطيور الذي يبدأ في النصف الثاني من شهر شباط أصبح يعبر عن تزاوج الخنازير واﻷبقار. وبسبب هذا التشويه الشنيع لمعنى عيد فالنتاين إضطرت الكنيسة الكاثوليكية في عام 1969 من مسح هذا العيد من تقويمها الديني ﻷن الوضع لم يعد يعبر عن عاطفة الحب الطاهرة التي كان يروج لها القديس فالنتاين بين المسيحيين ولكن أصبح يعبر عن عيد اﻹخصاب كما كانت تحتفل به الديانات الوثنية قبل ظهور المسيحية.
من يبحث في النت اليوم عن رأي العلماء المسلمين بعيد الحب نجد جميعهم يهاجمونه ويعتبرونه بأنه يساهم في فساد المجتمع ، وفعلا من يتمعن جيدا في طبيعة ونوعية اﻹحتفالات التي تحدث في يوم عيد الحب وخاصة بين شباب الغرب سيجد أنها قد خرجت نهائيا عن المبادئ اﻹنسانية ، ولكن هناك بعض العلماء المسلمين المتعصبين لدينهم تعصب أعمى نجدهم قد وصلت بهم اﻷمور بأن يوجهوا غضبهم وشتائمهم إلى القديس فالنتاين نفسه ، فبعضهم يذكرون إسمه وكأنه هو الشيطان نفسه ، ونجد أحدهم في كل مرة يذكر فيها إسم فالنتاين بدلا من أن يذكر كلمة قديس يضع بدلا منها كلمة فيروس. وتعنى أدنى أو أحقر من الجرثومة. فأتساءل مع نفسي هل هذا الشيخ هو مسلم فعلا أم أنه دخيل على اﻹسلام ؟ فأسلوبه في الكلام عن هذا القديس يبدو وكأن غرضه الحقيقي هو زرع العداوة والبغضاء بين أتباع الديانتين ، ألم يفكر هذا الشيخ ما هو شعور شخص مسيحي عندما يسمعه وهو يشتم قديس معترف به في كنيسته ، فهذا الشخص سيشعر وكأن هذا الشيخ المسلم يشتم تلاميذ المسيح أو المسيح نفسه. ماذا سيشعر المسلم إذا سمع قسيس يشتم أحد الخلفاء الراشدين؟ هكذا تماما سيشعر المسيحي وهو يسمع مسلم يشتم القديس فالنتاين.
تصوروا بأن الموضوع يتعلق بالحب والمحبة ، وهناك بعض الشيوخ المسلمين يتكلمون عن هذا اليوم بأسلوب مليئ بالكره والعداوة ليس على ما يحدث في هذا العيد ولكن على القديس نفسه. للأسف هناك الكثير من المقالات ومقاطع الفيديو في اﻹنترنت يظهر بها شيوخ مسلمين وهم يتكلمون عن عيد الحب والقديس فالنتاين بأسلوب مليئ بالحقد والكراهية وكأن هذا القديس من أتباع الشيطان. ما علاقة القديس فالنتاين بما يحصل اليوم في هذا العيد؟ فهذا القديس قد ضحى بحياته من أجل الحب الطاهر. لذلك عندما أصبحت اﻷمور مخالفة للمعنى الحقيقي لهذا العيد نجد أن الكنسية الكاثوليكية نفسها هي التي ألغت هذا العيد من تقويمها. ﻷنه أصبح يسيء إلى القديس وإلى الدين المسيحي نفسه.
في هذا العصر الذي إنهارت به جميع القيم السامية واﻷخلاق الحميدة ، لم يتم تشويه عيد الحب فقط ولكن تم تشويه الديانات أيضا فجميع الديانات تعاليمها تدعوا إلى الخير والمحبة والسلام والتعاون بين الشعوب لذلك كل ديانة لها أتباعها بالملايين يؤمنون بها ويدافعون عنها ﻷنها حسب رأيهم من عند الله وجميعهم يؤمنون بالله ولكن كل دين على طريقته الخاصة ، ولكن نجد بدلا من أن يتعاون رجال الدين من مختلف الديانات من أجل وقف هذا اﻹنحطاط الروحي حيث اﻷمور جميعها تسير ضد تعاليم دياناتهم نرى بعض رجال الدين وبدون أن يتأكدوا ويبحثوا في حقيقة آراء الطرف اﻵخر نجدهم عندما يتكلمون عن ديانات اﻵخرين يصفونها وكأنها ديانة شيطانية ولكن عندما يتكلمون عن دينهم يصفون أنفسهم وكأنهم شعب الله المختار.
عندما نريد معرفة ما هو مرض التارخوما يجب أن نسأل طبيب مختص بالعيون ،لا أن نسأل مهندس كهرباء أو أستاذ لغة عربية. وغندما نريد أن نسأل عن قانون الجاذبية يجب أن نسأل أستاذ مختص بالفيزياء لا نسأل محامي أو أستاذ تاريخ. ... هكذا هي اﻷمور تماما في الدين. .. عندما نريد أن نسأل من هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه يجب أن نسأل عالم في الشريعة اﻹسلامية، ﻷننا إذا سألنا كاهن هندوسي أو مسيحي أو يهودي فقد يكون متعصب لدينه فيقوم بتشويه شخصيته ليجعل من دينه أرقى من اﻹسلام ، وأيضا عندما نريد أن نسأل عن القديس فالنتاين يجب أن نسأل عالم لاهوت في المذهب المسيحي الكاثوليكي فهو فقط من سيعرض حقيقة هذا القديس التي جعلته يأخذ مرتبة قديس عند المسيحيين الكاثوليك . والمصادر الكاثوليكية تذكر لنا عن حياة القديس فالنتاين كما ذكرتها في أﻷسطر أعلاه ،وكما رأينا صفاته التي لا تقل عن صفات اﻷولياء ، أما فيما إذا كانت هذه القصة صادقة أو كاذبة فهذا لا يعلمه إلا الله ، وأي شتيمة تصدر بحق هذا القديس فإنها ستكون موجهة إلى طقوس الزواج والحب الطاهر والتضحية بالنفس من أجل اﻹيمان بالله فهذه هي الصفات التي تمثلها قصة حياة القديس فالنتاين.
يقول الله عز وجل في كتابه العزيز ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادميين ) ويقول أيضا ( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) فلا يجوز فرض أي شيء على اﻹنسان ﻷن اﻹنسان مخلوق مخير ( لا إكراه في الدين ) ، نعيش اليوم في عصر يسوده التفكك ودمار العلاقات والمبادئ اﻹنسانية ، في هذا الوضع الذي يسمح لروح السوء بكل سهولة التغلغل في نفوس الناس لتبعده عن طريق الخير إلى طريق السوء ، لا شيء يمكن أن يوقف هذا التدهور سوى الكلمة الطيبة ﻷنها هي الوحيدة التي بإستطاعتها أن تخلق نوع من اﻹتصال بين روح الخير في نفس كل إنسان وإنسان آخر إينما كان ، المجتمعات الحديثة بحاجة إلى مشاعر الحب بجميع أنواعه ، حب الرجل لزوجته ،وحب اﻷبن ﻷبويه وحب اﻷخ ﻷخيه ، والجار لجاره والصديق لصديقه والشعب للشعوب المجاورة واﻷمة للأمم المجاورة ، فيا مفكري العالم تكلموا عن المحبة بروح صادقة وساعدوها لتنتشر في جميع قلوب سكان بلدان العالم.
وسوم: العدد 655