خواطر من الكون المجاور .. الخاطرة 75 : حقيقة الكرنفال
في هذه اﻷيام تشهد الدول الغربية إحتفالات موسم الكرنفالات. وعادة عندما نسمع كلمة كرنفال يتهيأ لنا بأنه إستعراضات شعبية تجمع بين عروض السيرك والمراسيم الشعبية التقليدية واﻷلبسة التنكرية بهدف اللهو والمرح ونشر السعادة بين الناس. ومن يرى ما يحدث في كرنفال ريو دي جينايرو الذي يعتبر من أشهر كرنفالات في العالم، لن يصدق بأن هذا اﻹحتفال أصله ديني وأن هدفه الحقيقي هو التوعية و نشر المحبة بين الناس .
قبل أن نشرح حقيقة الكرنفال ، أود أن أذكر حادثة حصلت معي قبل سنوات ، ففي بداية وجودي في اليونان عرض علي أحد اﻷصدقاء أن نذهب إلى مدينة باترا التي يتم فيها أشهر إحتفالات الكرنفال في اليونان، لمشاهدة ما يحصل في هذا المهرجان . وطبعا وافقت مباشرة على عرضه ، حيث في البداية كان غرضي من الذهاب هو فقط من أجل السياحة ورؤية إستعراضات هذه اﻹحتفالات، ولكن اﻷمور التي حدثت هناك فرضت علي البحث ودراسة مضمون هذا النوع من اﻹحتفالات الدينية عن قرب وبشكل مباشر.
حوادث كثيرة ميتافيزيقية لا يمكن تفسيرها بشكل عقلي حدثت هناك ، ورغم أنها جعلت صديقي لا يصدق ما يحدث معنا ولكن ومع ذلك بالنسبة له ظلت هذه اﻷحداث الغريبة بلا معنى وكأنها قد حدثت بالصدفة لذلك نساها وكأنها لم تحدث نهائيا ، ولكن بالنسبة لي حيث أنني لا اؤمن بالصدفة ولكن أومن بشدة بمبدأ هرمس ثلاثي القوة الذي يقول ( لكل سبب نتيجة ، ولكل نتيجة سبب. كل يحدث حسب القانون ، الحظ - الصدفة - ليس إلا إسما يعطى لقانون نجهله حتى اﻵن ) ، فحسب إعتقادي فإن كل شيء وكل حدث يسير وفق مخطط إلهي بهدف تطور اﻷشياء نحو اﻷرقى ، ولكن خلال هذا التطور تحاول روح السوء العالمية أن تقوم بعملها في عرقلة هذا المخطط ، ولكن مهما حصل ، يضع الله في كل حدث رموز تعبر فيه عن مضمونه الحقيقي ليأخذ مكانه الصحيح في المخطط اﻹلهي وعن طريق فهم مضمون اﻷحداث يمكن للباحث فهم ما يحدث حوله وكذلك يمكن له فهم سبب وجود كل شيء من حوله. وكل إنسان يبحث في هذه اﻷمور بهذا المنطق القدر نفسه ومن خلال اﻷحداث التي تحصل معه تساعده في رؤية اﻹتجاهات الصحيحة في البحث، وكما ذكرت في مقالات سابقة عندما يضع اﻹنسان نفسه في مثل هذا النوع من طريقة التفكير ، يدخل مباشرة إلى واقع مختلف نهائيا عن الواقع المادي الذي نعيشه بالأحوال العادية ، هذا الواقع الذي سميته الكون المجاور حيث اﻷمور هناك تتبع قوانين روحية أرقى بكثير من القوانين المادية الفقيرة التي تحكم واقعنا المادي. وما حدث هناك في كرنفال مدينة باترا اليونانية من أحداث غريبة في ذلك اليوم هي التي دفعتني ﻷبحث في حقيقة هذا النوع من التقاليد الدينية بمنطق مختلف عما نعرفه عن مفهوم الكرنفال الذي نقرأه في مواقع النت سواء من مختصين في اللاهوت المسيحي أو من الناس العامة .
حادثة غريبة حصلت معنا في البداية جعلتني أشعر بأن ذهابي إلى تلك المدينة - أو بشكل أدق إلى ذلك الكرنفال - سيحمل معه أشياء خارجة عن القوانين اﻷرضية ، فأثناء ذهابنا إلى محطة القطار كان هناك إزدحام شديد في الطريق وهذا ما جعل صديقي يفقد أعصابه و طوال الطريق كان يقول بعصبية بأننا سنتأخر عن موعد إنطلاق القطار وأننا سنخسر قيمة التذاكر وأن ذهابنا إلى المحطة سيكون دون جدوى ،ﻷن القطار سيكون قد غادر المحطة ، لذلك كان صديقي طوال الوقت يطلب من سائق التكسي أن يجد طريقة للوصول إلى المحطة بشكل أسرع ،وكنت دوما أحاول تهدئته قائلا له بأن يطمئن ﻷن القطارات عادة تتأخر عن موعد إنطلاقها المحدد ، ولكن عندما وصلنا إلى المحطة كان القطار قد غادر فعلا ، فراح صديقي يشتم ويلعن ظانا بأننا خسرنا ثمن التذاكر وأن ذهابنا إلى الكرنفال قد إلتغى و يجب علينا العودة إلى الوراء ، ولكن بعد دقائق سمعنا هناك بأنه يوجد قطار آخر سينطلق بعد نصف ساعة إلى نفس المدينة فذهبنا إلى مفتش القطار وشرحنا له ما حدث، فرأيته ينظر إلي وكأنه يشعر بانه يعرفني من قبل ،فراح يبحث في ذاكرته عني ، ورغم أني أخبرته بأنني لست يوناني ، وان شعوره هذا مجرد تهيؤات ، ولكنه ظل يعتقد بأنه يعرفني ، وبسبب هذا اﻹحساس الذي شعر به نحوي ، ورغم أن تذاكرنا كانت من الدرجة العادية وأنها قد إلتغت وخسرت قيمتها بسبب تأخرنا عن الموعد المحدد ، رأيناه يأخذنا إلى مقاعد الدرجة اﻷولى لنجلس هناك وبنفس التذاكر . عندها لم يصدق صديقي كيف أتت اﻷمور هكذا لتنقلب رأسا على عقب وبدلا من العودة إلى البيت كما كان يظن ،رأى نفسه يسافر وفي مقاعد الدرجة اﻷولى مجانا.
في ذلك المساء وقفت أنا وصديقي من بعيد ننظر إلى آخر خطوة من الكرنفال حيث يتم فيها إضرام النار في التمثال الذي تم أختياره كأفضل عمل سواء كمهارة في الصنع أو في مدلوله الذي يعبر عنه. وكان التمثال الفائز في ذلك اليوم ( إله ذياس متنكرا بشكل ثور ) وكان شكله عبارة عن إنسان له قرنين ، اﻹنسان الثور حسب مفهومي هو رمز للشيطان ، في تلك اللحظات كنت أنظر إلى مشهد إحتراق التمثال ، وبنفس الوقت كنت أفكر بمعنى ما يحدث ، فيما إذا كان هذا التمثال يعبر حقيقة عن الشيطان أم أنه يعبر عن شيء آخر ، في تلك اللحظة شعرت فجأة بيد تمسح على شعر رأسي من الخلف بحنان غريب ذكرتني مباشرة بيد أبي عندما كان يأتي ويراني جالسا خلف الطاولة أدرس كتبي المدرسية فكان يأتي دون أن أشعر بقدومه فيمسح على رأسي بحنان ثم يبتسم وكأنه يدعو لي بالتوفيق ثم يذهب دون أن يتفوه بكلمة واحدة ليتركني أتابع دراستي... في ذلك المساء عندما شعرت بتلك اليد الحنونة تمسح على رأسي إلتفت إلى الوراء ﻷرى من صاحب تلك اليد الدافئة التي مسحت على رأسي لكني لم أجد أحد ، فأقرب شخص عني هناك كان صديقي وكان في تلك اللحظة على يساري وعلى مسافة لا تقل عن متر ونصف، أما الناس اﻵخرين فكان أقربهم مني يوجد على مسافة أكثر من خمسة أمتار.
والغريب في اﻷمر أن إسم المدينة التي يقام فيها هذا الكرنفال له لفظ مشابه لكلمة ( أب ) ، فلفظ إسم المدينة هو ( باترا ) بينما لفظ كلمة أب في اليونانية هو ( باتيرا ) ، وهذه المدينة تعتبر أكبر مدينة في تلك المنطقة التي تعتبر جزيرة مفصولة عن بقية مناطق بلاد اليونان ولها شكل كف يد إنسان ( كما توضح الصورة ).
الحدث الغريب اﻵخر هو ما حدث في آلة التصوير، ففي ذلك اليوم كنت قد استخدمت في التصوير فيلم من نوع ال ( 36 ) صورة، حيث إستخدمت منه ( 28 ) صورة في تصوير المشاهد المختلفة من الكرنفال ، أما الصور ( 8 ) الباقية فقد أستخدمتها في تصوير كنيسة مشهورة في تلك المدينة ، و بعد تحميض الفيلم رأيت أن جميع صور الكرنفال لم تظهر وجميعها كانت في شريط النيجتيف فارغة وكأن فتحة عدسة آلة التصوير لم تستقبل أي شعاع ضوئي، فقط صور الكنيسة هي التي ظهرت وبشكل جميل جدا، رغم أن جميع ظروف التصوير كانت متشابهة تماما في كلا الحالتين في مشاهد الكرنفال وفي مشاهد الكنيسة. فكيف حدث أن جميع صور الكرنفال قد (إحترقت ) وأما صور الكنيسة فقد ظهرت بشكل طبيعي؟ وأذكر أن صديقي عندما أخبرته عما حصل في الصور، ضحك مستغربا وقال لي ( طوال الوقت هناك كنت أشعر بشيء غريب خفي يحدث معنا ) وقصده بأن أرواح غير مرئية كانت تفعل أشياء غريبة من حولنا ، رغم أنني لم أخبره شيئا عن حادثة اليد الحنونة التي مسحت على رأسي. وأخبرني صديقي أيضا بأنه قد فقد صليبه مع السلسال الفضي الذي له سنوات يضعه في رقبته. في البداية ظنه أنه ربما قد نسيه في البيت ولكن عندما عاد ولم يجده عرف أنه قد إختفى أيضا بصورة غريبة كما حصل مع صور الكرنفال.
هذه اﻷحداث التي حصلت في ذلك اليوم دفعتني في البحث عن المضمون الحقيقي لهذا اﻹحتفال الديني والمعروف بإسم (كرنفال ) ، فالكرنفال شكليا عبارة عن احتفال وإستعراض شعبي، يجمع بين السيرك والإحتفالات الشعبيّة التي تجوب الشوارع.وهو تقليد كاثوليكي، لكنه دخل على الطوائف المسيحية اﻷخرى فالطائفة الأرثوذكسية تعترف به وتشارك به ، ولكن بعض الكنائس البروتستانتية وخاصة المتشددة منها فكانت ترفض القيام بهذه اﻹستعراضات.
يبدأموسم الكرنفالات عادة قبل أيام من الصيام الكبير في المسيحية. المصدر الأساسي للكلمة كرنفال أتى من الكلمة (الإيطالية: (carne ) أو كارنوفالي carnovale، والتي أتت من (اللاتينية: carnem)، والتي تعني (اللحم)، وليفاري levare، والتي تعني (المخفف)، وحرفيًا تعني (الإمتناع عن اللحوم). هناك آراء أخرى عن أصل هذه الكرنفالات ، فالبعض يعتقد أن أصلها كان في السويسرا قبل أن تصل إليها الديانة المسيحية ، حيث كانت تقام الكرنفالات في فصل الربيع من أجل طرد اﻷرواح الشريرة وكان الناس يرتدون أقنعة بأشكال مختلفة ويتم اﻹستعراض على أنغام الموسيقى. وهناك من يعتقد أن مصدر الكرنفال هو من أصل روماني حيث كان الرومان يحتفلون به في تمجيد إله ساتور واﻹله ستورن ، وكان يتميز بالتحرر من جميع القيود والمبادئ. ويقال أيضا بأن كلمة كرنفال نشأت من المعنى اللاتيني كاروس نافيلس carrus navalis، والتي أتت من اليونانية، وهي عربة كانت تحمل الإله أبولو، ليطوف بها بين الناس.
جميع هذه الاراء تقريبا لها علاقة بالمعنى الحقيقي للكرنفال ولكن تم تشويهها لتأخذ الكرنفالات اليوم شكلها الحاضر ، حيث نجد أن جميع الكنائس اليوم أصبحت ترفض هذه الكرنفالات وتعتبرها معادية لتعاليم الدين المسيحي. وفعلا من يرى ما يحدث في بعض الكرنفالات وخاصة كرنفال ريو دي جينايرو في سيلفادور وكيف تظهر النساء وهن يرقصن شبه عاريات بحركات مثيرة جنسيا ، ستجعل جميع رجال الدين يثورن ويرفضون هذا النوع من اﻹستعراضات التي تساعد على زيادة نسبة اﻹغتصاب واﻹباحة الجنسية وتعاطي المخدرات. فما يحصل اليوم في طريقة عرض الكرنفال لا يمت بصلة نهائيا بالمعنى الرمزي لمفهوم الكرنفال ( اﻹمتناع عن اللحوم ) . ولكن على العكس تماما فهو يشوه هذا المعنى ويتحول تماما إلى ما كان عليه في الديانات الوثنية حيث الناس في تلك اﻹحتفالات كانت تعيش دون مبادئ إنسانية أو قيود ، فتأخذ في تلك اﻹحتفالات حريتها المطلقة لتمارس كل ما هو محرم أو مخالف للقيم واﻹنسانية ، فيعيش اﻹنسان وكأنه حيوان لا مبادئ ولا قوانين تردعه عن فعل أي شيء يحلو له. والمقصود هنا خاصة الناحية الجنسية. لذلك نجد اليوم أن الكرنفالات تركز على هذه الناحية بالذات، حيث في أكثر الكرنفالات في الفترة اﻷخيرة نجد مشاركة وفد من فرق كرنفال ريو دي جينايرو، وهذا ما جعل الكرنفالات بشكل تدريجي تتحول إلى إستعراضات مشابهة تماما لتلك التي تحصل في البرازيل.
ولكن إذا عدنا وبحثنا في مضمون الكرنفال كما وضع من قبل الكنيسة ،سنجد أن اﻷمور تختلف تماما عم يحصل اليوم ، فالدين المسيحي بدخوله في بلدان الشعوب اﻷوربية حاول تحويل التقاليد والعادات الوثنية لتأخذ شكلها الحقيقي كما أوحى بها الله في أول مرة فكما تقول اﻵية القرآنية ( .... وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ) فكثير من العادات والتقاليد الوثنية كانت تقاليد من عند الله ولكن مع الزمن تم تشويهها لتأخذ شكلا معاكسا لما كانت عليها ، ولكن مع دخول الدين المسيحي إلى تلك الشعوب حاولت الكنيسة تصحيح تلك التشويهات لتلائم تعاليم الدين المسيحي.
موسم إحتفالات الكرنفال في شكله الديني الحقيقي يبدأ في بداية فصل الربيع وقبل ثلاثة أسابيع من بداية فترة الصيام ، لذلك فإسم هذه اﻹحتفالات له معنى (اﻹمتناع عن اللحوم ) أو بشكل أصح اﻹمتناع عن تناول جميع المنتجات الحيوانية ، إي أن الناس في هذا الكرنفال تستعد وتحتفل بقدوم فترة الصيام الذي يستمر لمدة 40 يوم وبعدها مباشرة يأتي عيد الفصح المجيد. ومعنى اﻹمتناع عن تناول المنتجات الحيوانية هنا رمزي ومقصود به معناه الروحي وليس المادي حيث المنتجات الغذائية الحيوانية هنا تمثل رمز للغرائز بشكلها الحيواني. وبدون فهم المعنى الرمزي للصيام في الدين المسيحي سيجعل من الكرنفالات إحتفالات وثنية معادية للدين. فإحتفالات الكرنفال في اﻷيام التي تسبق الصيام في الحقيقة هي إحتفالات للأطفال أكثر مما هي للكبار حيث يرتدي اﻷطفال ثياب تنكرية ويذهبون إلى بيوت الحي ويطرقون الباب ويطلبون من أصحابها نوع من المساعدة ، وعلى أصحاب البيت إن يقدموا شيئا من المساعدة لكل طارق متنكر وعادة ما يقدم أصحاب البيت بعض الحلوى أو الطعام للزائر المتنكر كتعبير عن رغبته في المساعدة. فهذا التقليد الديني لم يظهر للتسلية ولكن لإقامة علاقة تعاون ومحبة بين سكان الحي وكذلك لتحذير الناس مما سيحصل في المستقبل، فحسب رأي الكنيسة بأنه من علامات عودة المسيح عليه الصلاة والسلام ثانية ، بأنه سيأتي متنكرا وسيطرق أبواب المنازل ويطلب المساعدة ولكن أصحابها رغم أنهم يؤمنون به ورغم أنهم يضعون أيقوناته على جدار غرف بيوتهم لن يتعرفوا عليه ولن يساعدوه في شيء. وسيجد المسيح أن ايمان الناس به أصبح إيمان سطحي بلا فائدة منه تماما مثلما كان عند أتباع الديانات الوثنية الماضية، حيث اﻹيمان يهتم بالشكل الخارجي فقط ولا يعطي أي أهمية للقيم اﻹنسانية واﻷخلاق الحميدة التي هي أصل تعاليم الدين المسيحي.
المسيح هنا في هذا التقليد الديني لا يعني فقط المسيح نفسه ولكن يعبر عن كل إنسان مؤمن يدعو إلى الخير ، ففي ذلك الوقت هذا النوع من أصحاب الصفات السامية لن يشعر بهم أحد لذلك لن يجدوا أي مساعدة من اﻵخرين . اﻹنسانية في تلك اﻷيام ستصل فيها إلى مرحلة يكون فيها كل شيء مخادع ، من هو الصالح ومن هو الطالح سيصعب على الناس معرفته بسبب إبتعادهم عن التعاليم الدينية وإعتمادهم على المعلومات السطحية فقط ، حيث اﻹيمان عندئذ سيفقد معناه الحقيقي ويصبح إيمان عديم الفائدة فحتى أولئك الذين يعتقدون أنهم مؤمنين لن يستطيعوا التعرف على المسيح نفسه، وعندما سيطلب منهم المساعدة سيرفضون مساعدته. في تلك اﻷيام الناس ستعيش على اللحوم ، إي أنها ستعيش لتحقيق رغبات غرائزها الحيوانية فقط أما عواطفها السامية فلن تعلم عنها شيئا. وستعيش اﻹنسانية وكأنها لم يكن لها أي حضارة أو أي دين سماوي من قبل رغم وجودها ظاهريا.
أيام الكرنفال تنتهي يوم اﻷحد حيث يتم فيه اﻹستعراض الكبير ، وفي اليوم التالي من إنتهاء موسم الكرنفال ، أي يوم اﻹثنين يبدأ أول يوم من الصيام عن المنتجات الحيوانية ، لذلك هذا اليوم يسمى يوم اﻹثنين النظيف ، حيث اﻷطفال فيه يقومون بتطيير طائرات الورق في السماء ، وله معنى أن اﻹنسان عندما يصوم عن الغرائز الحيوانية ترتقي روحه إلى السماء. وبعد إنتهاء أيام الصيام ( 40 يوم ) يأتي عيد الفصح المجيد وهو رمز ظهور المسيح ثانية وإنتصاره على روح السوء وعودة اﻷمور إلى طريقها الصحيح كما خطط لها الله تعالى.
هذه مفاهيم رموز إحتفالات الكرنفال كما وضعتها الكنيسة لتكون تقاليد دينية تساهم في بث اﻷفراح في أهل الحي عن طريق إشتراك أطفالهم في هذه العادات ، وبنفس الوقت ليتعلم الكبار ما سيحدث في المستقبل ليأخذوا حذرهم ويحافظوا على إيمانهم بشكله الحقيقي فيمنعوا أنفسهم من الضياع كما سيحدث مع اﻵخرين.
مع اﻷسف في هذه اﻷيام التي تقام فيها إحتفالات الكرنفال في الدول اﻷوربية وبدلا من أن تفهم شعوبها المعنى الحقيقي لهذه اﻹحتفالات الدينية نجدها تفعل العكس تماما ، فعلى صعيد آخر تعيش هذه الشعوب هذه اﻷيام أزمة اللاجئين الذين معظمهم هربوا من بلادهم اﻹسلامية بسبب الحروب اﻷهلية والطائفية ، وبدلا من مساعدة هؤلاء اللاجئين كما يعني في مفهوم الكرنفال كتقليد ديني، نجد أن أزمة اللاجئين قد كشفت حقيقة هذا اﻹتحاد المزيف حيث أظهرت أن كل دولة من هذا اﻹتحاد لا يهمها سوى مصلحتها فقط ، ورغم أن أهداف اﻹتحاد هي أهداف إنسانية ولكن أزمة اللاجئين أثبتت أن القيم اﻹنسانية لا محل لها في هذا اﻹتحاد لا على مستوى الحكومة ولا على مستوى الشعوب نفسها فرغم عقد عدة إجتماعات لدراسة أزمة اللاجئين ولكن حتى اﻵن نجد إقتراحات كل دولة تعارض إقتراحات الدول اﻷخرى والسبب هو تعارض المصالح ، ونجد على مستوى اﻷفراد ظهور حالات الإستغلال بمختلف أشكاله ، عصابات تعمل تحت انظار الرقابة الحكومية نفسها لتحقيق مرابح مالية من هؤلاء اللاجئين المساكين دون أن تتدخل الجهات المختصة لتحميهم وكأن الحكومة نفسها تشارك تلك العصابات في عمليات اﻹستغلال. ويوميا نسمع عن حالات وفاة اﻷطفال سواء كان غرقا في بحر إيجة أو في الطريق بسبب البرد أو اﻷرهاق أو اﻷمراض أو بسبب اﻹختطاف ﻹستخدام أعضائهم لبيعها في سوق تجارة اﻷعضاء البشرية. وبنفس الوقت في أماكن أخرى نرى ناس متنكرين شبه عراة يشاركون في إحتفالات الكرنفال ، ليس الكرنفال كما حدده الدين المسيحي ولكن الكرنفال كما كان في الديانات الوثنية ، والذي يعتمد على التحرر من جميع القيود ليعيش اﻹنسان كالبهيمة، كائن بلا قوانين وبلا مبادئ.
مع اﻷسف نعيش اليوم في عصر حيث المسلم لم يعد مسلما ، والمسيحي لم يعد مسيحيا ، واليهودي لم يعد يهوديا ، والبوذي لم يعد بوذيا ، والهندوسي لم يعد هندوسيا.... اﻹنسان نفسه في عصرنا الحاضر لم يعد إنسانا. ونجد أن آراء الكبار الذين هم من صنعوا هذا العصر لا تزال أسمائهم مكتوبة بخط عريض في الكتب المدرسية ، وننتظر من معلومات هذه الكتب أن يكون اﻹنسان في سلوكه كائن سامي في مبادئه وأخلاقه. ... حسبنا الله ونعم الوكيل.
وسوم: العدد 659