ربع قرن على سقوط الشيوعية الأفغانية
في مثل هذه الأيام قبل ربع قرن تقريباً سقط نظام الشيوعي الأفغاني نجيب الله في أفغانستان، بعد أن أعمل تعذيباً وقتلاً بالشعب الأفغاني، يوم كان مديراً لمخابرات نظامه، ثم رئيساً للنظام الشيوعي المدعوم من الاحتلال السوفيياتي. رحل نجيب الله، لكن شنقاً على أيدي حركة طالبان الأفغانية بعد دخولها إلى كابول بأربع سنوات من القبض عليه وإسقاط نظامه. لم يتمكن الاتحاد السوفيياتي بجلالة قدره في تلك الأيام مسنوداً من حلف وارسو الشيوعي بإبقاء نظامه في الحكم، على الرغم من مجاورته أراضي الاتحاد السوفيياتي، فهل تستطيع موسكو اليوم أن تفعل في سوريا ما عجز عن فعله الاتحاد السوفيياتي قبل ربع قرن في جارته وخاصرته الرخوة أفغانستان؟
تعود بي الذكريات إلى تلك الأيام الجميلة صحافياً، ولكن القاسية إنسانياً بعذابات أهلها قتلاً وتشريداً ودماراً وخراباً. كانت فرصة ذهبية لأي صحافي يتنقل بين الخراب والدمار ليصقل مهنته ويحدّ قلمه، فلم تكن الفضائيات العربية يومها قد بزغ فجرها. تعود بي الذكريات إلى تلك الأيام، لأقول إن بذرة العنف والإرهاب والفوضى الحقيقية، إنما زرعها الشيوعيون، يوم انقلبوا على حكم ملكي منحهم التحرك السياسي، كما منح خصومهم الإسلاميين، ولكن آثروا الانقلاب الدموي الشيوعي مستغلين سذاجة ابن عم الملك السردار محمد داود، فعششوا في ذهنه قيماً ثبت زيفها من التحرر والليبرالية ونحو ذلك من العبارات المعسولة، لتدخل البلاد في أتون حرب مدمرة وانقلابات، وانقلابات مضادة، وبالتالي فكل مَن يؤرخ للعنف والإرهاب بمرحلة الجهاد الأفغاني لا يفقه تاريخ أفغانستان ولا يفقه أبجديات العمل التأريخي الحقيقي.
انقلب محمد داود على عمه ظاهر شاه في يوليو من عام 1973، فكان جزاؤه كجزاء كل من يربي الثعابين في بيته، فلدغته وانقلبت عليه بعد خمس سنوات، وفرض الشيوعيون أنفسهم حكاماً جدداً في أبريل من عام 1978، فكان صداماً مع التاريخ والجغرافيا والإنسان والفطرة، ولم يمضِ سوى عام، وتحديداً في ديسمبر من عام 1979، حتى غزا السوفييت أفغانستان بأكثر من مائة ألف جندي، وفرضوا قبضة حديدية على كامل التراب الأفغاني بعد أن رأوا خطر التحركات الشعبية الأفغانية المثيرة ضد الشيوعيين وحكمهم، وكان من أبرزها انتفاضة هيرات، ومن قبلها انتفاضة الجنوب.
دخلت باكستان على خط دعم المجاهدين الأفغان مبكراً؛ حفاظاً على وحدتها مما يهددها من تصريحات الشيوعيين بضم أو بإثارة القلاقل بإقليمي بشتونستان وبلوشستان الباكستانيين، بالإضافة إلى ما يهددها من الحلم السوفيياتي بالوصول إلى المياه الدافئة للخليج عبر الأراضي الباكستانية، ولحقت بها أميركا والغرب بشكل عام لدعم المجاهدين الأفغان؛ من أجل هزيمة إمبراطورية الشر كما أطلق عليها الرئيس الأميركي آنئذ رونالد ريغان، ولكن هذا الدعم كان بشكل محدود ومقنن، هدفه إضعاف وهزيمة السوفييت والشيوعية، ويوم رحل السوفييت عن أفغانستان عام 1989 وسقطت الشيوعية فيها عام 1992، كان القرار الغربي والأميركي تحديداً يقضي بحرمان المجاهدين الأفغان من الوصول إلى السلطة.
قضت الاستراتيجية الأميركية والغربية بشكل عام بدعم وإشعال الحرب الأهلية بين صفوف المجاهدين، بعد أن فشلوا في فرض خطة بينون سيفان المبعوث الأممي إلى أفغانستان، فكان أن استمرت الحرب الأهلية لسنوات، ضاق الشعب الأفغاني بالقتل والقتال ذرعاً، فخرجت حركة طالبان الأفغانية، فواصل الغرب سياسته بتهميش «طالبان» كما فعل مع المجاهدين، فلجأت «طالبان» إلى دعم تنظيم القاعدة، ويوم لم يقبل الغرب هذه ولا تلك، غزا أفغانستان رداً على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وعادت أفغانستان إلى سيرتها الأولى كما كانت 1979 حين غزا السوفييت أفغانستان، واستمرت الحرب الأفغانية ـ الأميركية منذ عام 2001 وحتى الآن، لتعد أطول حرب أميركية في تاريخها ولا تزال، جديد إفرازاتها ظهور تنظيم داعش المتشدد، والآن هل عرفتم من زرع الإرهاب والعنف في أفغانستان، وشقيقاتها؟
وسوم: العدد 769