ما هي الأهداف الاقتصادية للتنويع الاقتصادي؟ الجزء الأول
مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
اخذت موضوعات التنويع الاقتصادي وتعدد مصادر الدخل تتزايد في الدراسات والندوات والمؤتمرات، في الدول الاحادية التي تعتمد على مورد واحد، خصوصاً في الدول النفطية، وذلك لما للتنويع من اهمية كبيرة تتمثل في إضفاء طابع المتانة للاقتصاد واستدامته، فيكون قادر على، مواجهة الصدمات الاقتصادية الخارجية التي يتعرض لها من جهة، وتلبية متطلبات المجتمع المحلي من جهة أخرى.
فالعمل على تحقيق التنويع الاقتصادي يكمُن في بلوغ عدة أهداف اقتصادية واجتماعية وستراتيجية، يسعى لتحقيقها ويمكن تناولها يإيجاز في مقالات متلاحقة، وسنقتصر في هذا المقال على الأهداف الاقتصادية، إذ هناك العديد من الأهداف الاقتصادية التي يسعى التنويع الاقتصادي لتحقيقها، ولكن سيتم ذكر بعضها وكما يأتي:
أ- النمو الاقتصادي المستدام
يعد النمو الاقتصادي أحد الأهداف الرئيسة الذي تسعى جميع الاقتصادات إلى تحقيقه وزيادة معدلاته باستمرار وذلك لما له من أهمية كبيرة تنعكس على الكثير من المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها، وحتى تكون انعكاساته بشكل إيجابي على تلك المتغيرات لا بد أن يكون تحقيق النمو الاقتصادي بشكل حقيقي وليس وهمي كما يحصل في أغلب البلدان الريعية، كنتيجة لامتلاكها ثروات معدنية هائلة بالتزامن مع غياب الإدارة الكفوءة والإرادة الحقيقية وفقدان الأبعاد الستراتيجية التي تجعل صورة المستقبل حاضرة الآن حتى يتم العمل على تحقيقها.
إن هدف التنويع الاقتصادي في البلدان الاحادية المصدر هو تمتين النمو الاقتصادي حيث معروف إن النمو الاقتصادي هو زيادة انتاج السلع والخدمات بصرف النظر عن مكوناته، لكن في البلدان الاحادي وخصوصاً النفطية يعتمد النمو الاقتصادي على إنتاج النفط وزيادته فيكون النمو الاقتصادي ركيك لا يتسم بالمتانة والاستمرار لمدة طويلة، كونه يعتمد على مصدر واحد يتعرض لمخاطر التقلبات في أسعاره كونه سلعة عالمية لا يمكن التحكم بها من قبل منتجيه، ولذا يعمل التنويع الاقتصادي على تعدد مصادر النمو الاقتصادي حتى يمكن تلافي وتعويض ما يمكن أن يؤدي إلى انهيار النمو في حال إذا كان المصدر وحيداً، فالتنويع يجعل النمو يتمتع بالمتانة ومقاومة الانهيار.
ب- الاستدامة المالية [i]
إن تمويل متطلبات المالية العامة المتنوعة من خلال الاعتماد على مورد مالي واحد أو موارد محدودة جداً، خصوصاً إذا كانت ريعية، لا يمكن أن يتحقق، وحتى وإن تحقق ذلك التمويل لتلبية متطلبات المالية العامة المتنوعة، فإنه لا يكون إلا على المدى القصير أو ربما المتوسط، بالإضافة إلى ما يرافقه من الآثار السلبية التي يتركها على الاقتصاد، التي تعرف بظاهرة المرض الهولندي، والتي تزيد من هشاشة الاقتصاد وانخفاض قدراته التنافسية في الاسواق العالمية.
إذ إن المورد الواحد أو الموارد المحدودة جداً، خصوصاً الريعية، هي موارد إستراتيجية دولية، يتم التحكم بها دولياً، ولا يمكن للدولة المنتجة لها أن تتحكم بها بشكل منفرد، أي إنها خارجة عن سيطرتها وبالتالي لا يمكن أن تتحكم بها بالشكل الذي يخدم مصالحها، أي إنها لا تتسم بالاستقرار لمدة طويلة، فهي متذبذبة بين الارتفاع والانخفاض، تبعاً للمتغيرات الدولية والاقتصادية والمناخية.
وكنتيجة لاعتماد المالية العامية عليها بشكل كبير جداً، هذا ما يجعل المالية العامة هي الاخرى تعاني من التذبذب الذي يصيب إيراداتها، خصوصاً التي تعتمد عليها بشكل كبير جداً، وهذا ما يؤثر على برمجها الانفاقية أو تلجأ إلى الايرادات غير الاعتيادية كالقروض او الاصدار النقدي الجديد او المساعدات والمنح الدولية، وهذا ما يعني إن الدولة لا تتمتع بالاستدامة المالية. فمن غير المنطق الاعتماد عليها لمدة طويلة، فأصبح البحث من قبل الدولة عن الايرادات ذات القابلية على الاستمرارية، لتمويل نشاطاتها الآنية والمستقبلية دون اللجوء إلى الديون وغيرها التي تثقل كاهل الدولة والاجيال اللاحقة، وذلك من خلال رفع كفاءة الإنفاق العام وتنويع مصادر الايرادات تلك الايرادات وترشيد نظم الدعم المختلفة وتوجيهيها بشكل مباشر لمستحقيها[ii].
وما دام لا يمكن تحقيق الاستدامة المالية في ظل الاقتصاد الاحادي الذي يعتمد على مورد واحد أو موارد محدودة جداً، أصبحت مسألة الاستدامة المالية احدى أهداف التنويع الاقتصادي.
ج- تحسين التجارة الخارجية
يهدف التنويع الاقتصادي إلى تحسين التجارة الخارجية تصديراً واستيراداً، إذ ان اعتماد الاقتصاد على مورد واحد أو موارد محدودة جداً في التعامل مع العامل الخارجي من حيث التصدير، وفي الوقت نفسه يعتمد على العالم الخارجي في تلبية متطلباته المحلية بشكل متنوع من حيث الاستيراد، سيشوه التجارة الخارجية ويجعلها تعاني من الاختلال وهذا ما يترك آثاراً سلبية كثيرة الاقتصاد برمته، كاستنزاف احتياطيات الموارد المحدودة التي يعتمد عليها بشكل كبير جداً ولا يمكن تجديدها، والاحتياطي الأجنبي وانخفاض القدرة التنافسية للمنتجات الوطنية وزيادة البطالة...إلخ.
ولذا فإن تجنب هذه الاثار التي يتركها اختلال التجارة الخارجية على الاقتصاد كنتيجة الاعتماد على مورد واحد في التصدير والاستيراد المتنوع، يكمن في تحسين اداء التجارة الخارجية من خلال التخلص من احادية الصادرات والعمل على تنويعها وتقليص الاستيرادات والعمل على رفع جودتها، أي استيراد السلع والخدمات التي تسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية، بالاضافة إلى استيراد السلع التي لا تمتلك الميزة النسبية.
وبما ان تحقيق تنويع الصادرات واحادية الاستيرادات لا يمكن أن تتحقق من دون وجود تنوع اقتصادي فتحسين التجارة الخارجية يعد أحد اهداف التنويع الاقتصادي لانه سيعالج الكثير من المشاكل التي تحصل في ظل احادية الاقتصاد.
ما ينبغي فعله قبل التنويع الاقتصادي
إن الذهاب لتحقيق التنويع الاقتصادي في اقتصاد احادي لا يمكن تحقيقه في ظل غياب الظروف الملائمة لانطلاق عملية التنويع الاقتصادي، والتي يعبر عنها في الغالب بـ"المناخ الاستثمار" أو "البيئة الاستثمارية" والتي تعني توفير كل ما يشجع المستثمر على الإقدام للاستثمار في البلد ذو الاقتصاد الاحادي، من تسهيلات وامتيازات وضمانات، فضلاً عن توفير البنى التحتية من طرق وجسور ومطارات...إلخ، بالاضافة إلى أهمية توفير رأس المال البشري الذي يسهم بشكل فاعل في تحقيق التنويع الاقتصادي.
إذ إن غياب المناخ الاستثماري سيعقد مسالة تحقيق التنويع الاقتصادي، ويزيد من صعوبة تنفيذه على أرض الواقع، كون المستثمر لا يقدم على الاستثمار في بلد لايوفر له التسهيلات والامتيازات والضمانات، إذ في حال اقدامه على الاستثمار في ظل غياب المناخ الاستثماري هذا يعني إنه سيتحمل المزيد من التكاليف وربما يتعرض للإفلاس فيضطر للإحجام عن الاستثمار في هذا البلد وفي هذه الحالة لم يخسر المستثمر بقدر يحرم البلد من إضفاء طابع المتانة لاقتصاده وفقدانه لآليات المواجهة فيقع أسيراً للتبعية الاقتصادية.
بالإضافة إلى أهمية توفير المناخ الاستثماري للتحقيق التنويع الاقتصادي لابد من العمل على أمرين مهمين وهما:
أولاً: تفعيل القطاع الخاص في إدارة الاقتصاد ولكن بعد دخوله كمشارك للدولة في ادارة الاقتصاد حتى يستطيع أن يكون قادراً فيما بعد على إدارته بمفردته، مع بقاء اشراف الدولة لمسيرته، لضمان عدم خروجه عن المصلحة العامة للبلد، كأن يذهب للاحتكار وإنتاج ما يضر بالمجتمع أو غيرها.
ثانياً: الاهتمام بإدارة الثروة الوطنية التي تعد أساس الاقتصاد الاحادي، على أسس تكفل تحقيق العدالة الاقتصادية ما بين الأجيال، كون اقتصارها على جيل دون آخر وفرد دون آخر، أمر لا يقبله المنطق الاقتصادي، فضلاً عن ذلك، إن غياب العدالة الاقتصادية بخصوص الثروة الوطنية قد يسهم في حدوث الصراعات والانقلابات والحروب وهذا امرٌ لا يقبله المنطق الاجتماعي والسياسي.
وسوم: العدد 779