في أحضان العلويين وبقيادة جميل الأسد.. ولادة داعش الأسد.. حكايتان لم تسر بهما الركبان

(متابعة – مرآة سوريا) إن كان من صفة لازمة لتنظيم “الدولة” في إعلام النظام وفي عقول مواليه، فهي -إلى جانب الإرهاب- صفة التعدي على “حريات” الناس والاستهتار العلني والجارف بما “يعتقدون”، ومن هنا لم يجد النظام عناء يذكر وهو يحشد خلفه شيبا وشبابا من طائفته؛ بدعوى محاربة “داعش” التي يمكن أن تتسلل يوما إلى الديار وتجوس خلالها، فتريق لهم ما يشربون وتدمر أمام أعينهم ما يقدسون، وتحرمهم من نظام “صان” لهم كل ذلك، ولم يسمح لأحد أن يمس به.

لم تكن هذه الرواية فيما يخص التنظيم مجرد دعاية سوداء أو إشاعات مغرضة، فقد قدم رجال البغدادي ما يكفي من الأمثلة الحية والواضحة في كثير من المناطق، تثبت أن توجههم العام لا يمكن أن يقبل مطلقا بالخمور أو السفور، ولا يحابي بأي شكل من الأشكال وجود أضرحة وقبور، باعتبارها رموزا “شركية” تتنافى مع التوحيد.

أما من جهة النظام فقد كانت الرواية تحمل كثيرا من التدليس والاستخفاف بذواكر الناس، لاسيما عندما تأتي إلى نقطة التأكيد على “تقدمية” النظام وإجراءاته الحامية لـ”الحريات” والحريصة على “المقدسات” في منطقة يكثر “أولياؤها” وأضرحتهم، بصورة لا تكاد تدانيها منطقة سورية أخرى.

فقبل ميلاد “داعش” التي خوف بها النظام العلويين خلال السنوات الفائتة، ولدت “داعش” أخرى وترعرعت في أحضان حافظ الأسد، وعلى أعين العلويين أنفسهم، لكن قصصها لم تسر بها الركبان، لأن “جمهورية الساحل” كانت وما وزالت بمثابة “منطقة عسكرية”، يحظر الاقتراب منها أو تصوير مشاهدها أو رواية حكاياتها المفزعة؛ لأن ذلك يضرب صميم بروباغندا النظام في معقل النظام نفسه.

هذا إن كانت الحادثة تتعلق بشخص أو جماعة من غير آل الأسد، أما إن كان للأمر علاقة بهم، فإن ناقل “الكفر” هنا يصبح “كافرا” مطلقا في عين النظام، ولا يعفيه جهل ولا حسن نية من أن تنزل به عقوبة تكون عبرة له ولكل من يحاول تظهير الصورة الحقيقة لبيت الأسد.

ومن هذا الباب، مسح العلويون من مخيلاتهم كثيرا من الصور التي شاهدوا والأحاديث التي سمعوا، عملا بمبدأ “هون حفرنا وهون طمرنا”، ومن بينها صورتان وحادثتان تؤكدان تشكل “داعش الأسد” قبل “داعش” الحالية بسنوات طوال.

ففي نهاية الثمانينات، وبينما كان النظام منهمكا في محاربة “الرجعية” وفق قاموسه، هاجمت جماعات من الشباب عددا من محلات الخمور في “الرمل الشمالي” قرب مرفأ اللاذقية، وعمدت إلى تكسير ما بها وضرب أصحابها، في حركة لو حدثت بمنطقة أخرى لما تردد النظام في تكرار نشرها و”التطبيل” بها، بوصفها ناقوسا ينذر بخطر “التطرف” ووجوب استئصاله قبل استفحاله.

وبعد ذلك بسنوات قليلة، وتحديدا عام 1996، حصلت حادثة أشد وقعا وأخطر دلالة، إذ تمت مهاجمة عدد من أضرحة “الأولياء” في مناطق العلويين، وإلحاق أضرار ملموسة فيها، حرقا وتهديما، ومرت هذه الحادثة كسابقتها دون أن يجرؤ أحد على نقلها أو الخوض فيها، فضلا عن المطالبة باجتثاث (إعدام) مقترفها كونه متطرفا لا يمكن التعايش أو التسامح معه (داعشيا بمنطق هذه الأيام).

أما وإن عراب هذين الهجومين “الداعشيين” كان أسديا، بل هو شقيق “حافظ الأسد”، فقد تم حفظ القضية وتقييدها ضد “مجهول”، حيث كان يستحيل على حافظ يومها مع كل سطوته وآلته الدعائية أن يدعي أمام العلويين أن “الأخوان المسلمين” مثلا وصلوا إلى معاقلهم ونفذوا هذه العمليات، كما ادعى في مناطق أخرى، كما كان يصعب عليه أكثر أن يقر بوجود “الرجعية” في بيت الأسد، ممثلة على أقل تقدير بشقيقه “جميل” الذي كان عضوا في مجلس الشعب وفي حزب البعث، كما كان في الوقت نفسه زعيما لمليشيا “المرتضى” الشيعية، التي فرضت التشيع الإيراني (الخميني تحديدا) في مناطق العلويين، ومارست ضدهم “دعشنات” ما يزالون حتى اليوم مذعورين من الإشارة إليها، رغم موت حافظ ومن بعده جميل.

وسوم: العدد 781