على أبناء القارة السمراء الصمود في بلدانهم ومقاومة آثار الاستعمار الغربي

على أبناء القارة السمراء الصمود في بلدانهم ومقاومة آثار الاستعمار الغربي المتمثل في أنظمة شمولية قمعية وفاسدة عوض الهجرة لخدمة القارة العجوز

يصدق على فوز فرنسا يوم أمس بكأس العالم بفضل أقدام ذهبية لفريق جل لاعبيه من أبناء القارة السمراء الذين هاجروا إليها. والله أعلم ما حجم المعاناة التي عانها كل واحد منهم قبل أن يحظى بالجنسية الفرنسية ، وهي جنسية لا تعطى إلا لمن تفانى في خدمة فرنسا، وضحى من أجل رفاهيتها بالنفس والنفيس. ولقد كانت آخر حالة تضحية من أجل فرنسا حالة الشاب الإفريقي الذي تسلق طوابق عمارة شاهقة لإنقاذ صبي فرنسي كان على وشك السقوط والهلاك . وساعة كان الشاب الإفريقي الأسمر يخاطر بحياته كان الفرنسيون الشقر تمسك الزوجات منهم بأذرع الأزواج، وأعينهم على الشاب الشهم المغامر بحياته، ولا يزيدون عن رفع عقيرتهم بتشجيعه والتصفيق  ، وكان الأولى والأجدر أن يكون المغامر بحياته لإنقاذ الصبي فرنسيا أشقر الشعر، إلا أن المغامرة كانت قدر الشاب الإفريقي الأسمر الذي وصل إلى فرنسا بعد أن تخطى أهوال أمواج وحيتان تستعذب اللحوم السمراء التي تغدر بها قوارب الموت وسط البحر في ظلمات بعضها فوق بعض  من أخرج يده لم يكد يراها .

 كافأت فرنسا ابن القارة السمراء فأعطته الجنسية ، ووظفته في مهمة المخاطر والمهالك ضمن أفراد الوقاية المدنية حسب أخبار وسائل الإعلام لتواصل  استغلاله  من أجل راحة مواطنيها ورفاهيتهم .

ولا يختلف الشاب الإفريقي الأسمر الذي أنقذ حياة الصبي الفرنسي عن لاعبي المنتخب الفرنسي  الأفارقة الذين عرقوا من أجل أن تفوز فرنسا بكأس العالم ، وليحتفل وينتشي  الفرنسيون الشقر بعيون زرق أمام قوس النصر بالفوز تماما كما صفق أمثالهم حين أنقذ ابن القارة العجوز صبيهم المشرف على الهلاك . ولا يختلف هؤلاء عن آلاف الأفارقة الذين فروا من جحيم الحروب في بلدانهم ، والتي تضرمها فرنسا ،وتمد مجرميها بالأسلحة الفتاكة ، بعدما قطعوا فيافي الصحراء الكبرى ، وركبوا أمواج البحر العاتية ، والحيتان تتعقبهم ، ودوريات البحرية الأوروبية تطاردهم للحيلولة دون الوصول إلى بلدانها حتى لا يقلقوا راحة راعاياها من أمثال زعيمة الحزب اليميني العنصري المتطرف . ومن وصل منهم ممن ابتسم لهم الحظ، تبدأ معاناتهم في المخيمات  العشوائية  تحت رحمة شتاء فرنسا القاسي  ، وتحت رحمة قوات أمن عاتية تطاردهم دون هوادة  . وعلى أكتاف العديد منهم ينعم  اليوم الرعايا الفرنسيون بالرفاهية وهم يتجاهلون جهود من يوفرونها لهم ، ويبخسونها ، ولا تفوتهم فرصة دون التعبير عن تذمرهم من أبناء القارة السمراء الذين يعتبرونهم غزاة بل زبالة تلوث أقطار القارة العجوز الطاهرة المقدسة .

ويركب الأوروبي الأشقر ذو العينين الزرقاوين  عموما والفرنسي خصوصا مترو الأنفاق ، ويمتطي سيارته الفارهة على الطرق السيارة ، ويركب القطارات السريعة سرعة البرق ، ويسكن ناطحات السحاب ، ويتجول في الشوارع الواسعة النظيفة  والحدائق الغناء ...دون أن يخطر بباله أن الأنفاق والطرق السيارة والسكك الحديدية ، وناطحات السحاب ، والشوارع  والحدائق إنما أنشئت بسواعد أبناء القارة السمراء بمن فيهم أبناء شمالها من بلدان المغرب العربي ، والذين يطلق عليهم اسم الجيل الأول ، وهم أوائل الضحايا الذين استغلوا أبشع استغلال ، ولم تعد لفرنسا رغبة في من أعقبهم من أبنائهم .

ويقرأ  الفرنسي الأشقر تاريخ بلاده بزهو، وما خاضته من حروب في مستعمراتها السابقة ، وما ارتكبته فيها من جرائم ضد الإنسانية ، وما خاضته من حروب مع جارتها ألمانيا ، وما خاضته من حروب في الهند الصينية دون أن يخطر بباله أولئك المقاتلين من شمال إفريقيا، ومن جنوب الصحراء الذي نقلوا من بلدانهم  قهرا، والتي كانت تحتلها وتنهب خيراتها ليكونوا في الصفوف الأمامية في حروب ضارية لا ناقة لهم فيها ولا جمل ، وقد منهم مات الآلاف  ، وأصيب مثل ذلك بكل أنواع العاهات، وعادوا إلى بلدانهم بأرجل  مقطوعة قد عوضت  بأخشاب وبأيد مبتورة وعيون مفقوءة ... ولم تتفضل عليهم فرنسا بالجنسية الفرنسية التي يولد بها الشقر من أبنائها ولما يقاتلوا  باستماتة من أجلها كما قاتل المغاربيون والأفارقة . ومات العديد من المقاتلين في صفوف الجيش الفرنسي كمدا وجوعا ومرضا في بلدانهم ،وفرنسا تصرف لهم قروشا قليلة  لا تسمن ولا تغني من جوع بعد طول انتظار، وبعد مساطر غاية في التعقيد والتعجيز.

هذه هي فرنسا التي احتفلت يوم أمس بالفوز بكأس ضمخها عرق اللاعبين السود، ولم يقبل يمينها المتطرف أن يشارك أبناءها الشقر غيرهم من الأفارقة والمغاربيين احتفالهم بالفوز بالكأس التي كان احتفالهم  بها في حقيقته تنبيها لفرنسا على جهودهم المبخوسة ، وفضلهم عليها ، وهي تأكل غلتهم وتلعن ملتهم.

وكان على أبناء القارة السمراء أفارقة ومغاربيين  أن يستخلصوا درسا مهما من حدث فوز فرنسا بكأس العالم بفضل جهود إخوانهم الذين لن تغير الجنسية الفرنسية شيئا من هويتهم الحقيقية ، وأن يفكروا بجد في الصمود والثبات في أوطانهم والعمل على تطهيرها من بقايا عهود الاحتلال المتمثلة في أنظمة شمولية قمعية  دموية فاسدة تخوض حروبا عرقية هم وقودها  نيابة عن فرنسا  تاجرة الحروب في إفريقيا ، والتي لا ترى في قارتهم سوى بقرة حلوب منها تجبى إليها ثمرات كل شيء حتى الزرافة والفيل والأسد والتمساح ... ليتسلى بها  الشقر وزرق العيون من أبنائها .

وعلى أبناء القارة السمراء عوض الفرار بجلودهم من الحروب  المفتعلة الطاحنة في بلدانهم ، ومن المجاعات القاتلة ،وأرضهم معطاء سخاء رخاء قد حباها الله عز وجل بالخيرات الحسان،  وعوض مواجهة أهوال الهجرة نحو الشمال أن يصمدوا في أوطانهم ، وأن يبذلوا فيها من الجهود أضعاف ما يبذلونه في فرنسا وغيرها من أقطار القارة العجوز، وأن يحموا مقدراتهم  وثرواتهم من نهب الناهبين الأوربيين ، وأن يصنعوا هم أيضا رفاهيتهم في أوطانهم الغنية بمقدراتها ، والجميلة بطبيعتها  الخلابة عوض صناعة رفاهية الأوروبيين بعرق جبينهم موهم ينكرون  تضحياتهم ، ويطالبون برحيلهم ، ويعملون على الحد من تدفقهم لأن القارة العجوز قضت منهم وطرها إلى حد التخمة ، وهي تريد أن تصلها خيرات القارة السمراء ومقدراتها  فقط  دون الرغبة في تقاطر المزيد من أبنائها السمر عليها الذين ضاق ذرعا بهم الشقر ذوو العيون الزرق من أمثال زعيمة الحزب اليميني العنصري المتطرف ،هي وأمثالها من زعماء الأحزاب العنصرية الذين يعتبرون وصمة عار على جبين القارة العجوز في زمن تعيش البشرية في القرن الواحد والعشرين ، وفيها ترفع شعارات من قبيل الديمقراطية، وحقوق الإنسان ، ومن قبيل الحرية والمساواة والأخوة... وواقع الحال فيها يشهد بحرمان من يقصدها أو يعيش فيها من أبسط الحقوق  حيث  يجرم ويمنع غطاء رأس المرأة المسلمة ، ولباس استحمامها في الشواطىء...

وأخيرا نقول للمستلبين عندنا  الذين دخلوا وراء  الفرنسيين جحر الضب المنتن ، والذين يقلدونهم في لثغة ألسنتهم ، ويرون في الحديث بلغتهم عنوان الرقي والتحضر ويستعلون بذلك على أبناء أوطانهم ألا تخجلون من أنفسكم، وأنتم على هذه الحال ، ولن ترضى عنكم زعيمة اليمين المتطرف العنصري ولو انبطحتم ولعقتم حذاءها وشممتم رائحته العطنة ؟ ألا تعودون إلى رشدكم ،ويكون همكم هو النهوض ببلدكم  عوض تدميره والسخرية منهم ومن إخوانكم ومواطنيكم وازدرائهم  ، والاقتصار على نقد وطنكم  مقابل تمجيد فرنسا وأخواتها اللواتي صنعت مجدها ورفاهيتها بعرق إخوانك بما في ذلك كأس العالم  الذهبية التي أهدوها لها  بعرق جبينهم ولم يرد العنصريون فيها أن يشاركهم في فرحتهم من الأفارقة والمغاربيون  ولسان حالهم مرحبا بكأس العالم ولا مرحبا بمن عرقوا من أجلها ؟ 

وسوم: العدد 781