موقف الإخوان من وفاة الأسد وثورة الشعب (الحلقة الأخيرة)
موقف روسيا والصين تجاه الوضع في سورية
يستغرب كثيرون الموقف الروسي من الأزمة السورية وكيفية تعاطيه معها، متسائلين: هل عادت الحرب الباردة تطل برأسها من جديد على العالم من خلال الأزمة السورية المشتعلة حتى الساعة؟
وهل هي حرب باردة بملمح وملمس عالمي بالفعل، بعد ما رأيناه من مواقف روسية داعمة للنظام في سورية؟ يتساءل المراقب المحقق والمدقق؛ لماذا تدعم روسيا سورية على هذا النحو؟ الجواب يقودنا إلى الحديث عن جزئيتين أساسيتين؛ الأولى تتعلق ببوتين وعودته إلى عرش القيصر. والثانية عن السبب الرئيس وراء الدعم لدمشق من قبل موسكو، واستحقاقات وتبعات هذا الدعم. الظاهر أن إرهاصات الحرب العالمية الباردة قد تبدت، وقبل فوز بوتين بالرئاسة الجديدة، من خلال التصريحات التي أدلى بها لصحيفة "موسكوفسكي نوفوستي"، ووجه فيها تحذيرات مفادها أنه سوف يتخلى عن معاهدة خفض السلاح النووي التي وقعها مع واشنطن في 2009، في حال عدم تخلي الولايات المتحدة عن خططها لنشر الدرع الصاروخية في أوروبا بالقرب من حدود روسيا. والجديد أن بوتين لم يكتف بالإرهاصات الباردة، فأشار إلى الاحتمالات الساخنة عبر الكشف عن وجود قاعدة صاروخية روسية في مدينة كالينغراد الروسية التي تقع على الحدود مع ليتوانيا وبولندا، وهما عضوان في حلف شمال الأطلسي. هل قرأت واشنطن تهديدات بوتين بوصفها مدخلاً لحرب باردة عالمية جديدة؟
مما لا شك فيه أن ما قاله أزعج إدارة أوباما في زمن الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين ثاني المقبل، فأوباما يعتبر معاهدة خفض السلاح النووي الموقعة بين واشنطن وموسكو عام 2009، أحد الإنجازات المهمة لإدارته في مجال السياسة الخارجية التي لم يحرز فيها أوباما سبقاً واضحاً كبيراً... وعليه يتساءل المراقبون: هل الدعم الروسي لنظام بشار الأسد هو في الأصل فصل من فصول تلك الحرب أكثر منه حباً وكرامة للنظام الحاكم في سورية؟
البحث يقودنا إلى أربعة عقود خلت، أي ما هو أبعد بكثير من المشهد المحتقن حالياً، ذلك أن موسكو كانت تحشد قواها الدبلوماسية والعسكرية دائماً للدفاع عن نظام الأسد الأب منذ عام 1970، عندما دعم الزعيم السوفيتي "ليونيد بريجنيف" الانقلاب الذي قام به حافظ الأسد، وحصل في المقابل على قاعدة في البحر المتوسط لقوات البحرية السوفيتية في ميناء طرطوس السوري.
ولعل الأهمية الفائقة لسورية بالنسبة لروسيا، هي أن نظام الأسد قد حقق للروس حلماً بعيداً في التاريخ ومنحهم قاعدة على أراضيه، حلماً راود خيال كل القياصرة والزعامات الروسية منذ زمن القيصر الأشهر بطرس الأكبر، وهو الوصول إلى المياه الدافئة في الشرق الأوسط.
وعلى حد وصف "أوين ماثيوس" من نيوزويك الأميركية، كانت تقريباً في طي النسيان، لكن مع الصحوة الروسية البوتينية، إن جاز القول، جرى الاهتمام بها على نحو غير مسبوق، لتكون نقطة انطلاق جديدة ومتجددة للنفوذ الروسي في الشرق. وقد حصلت سورية على أسلحة حديثة ومتطورة، في مقدمتها صفقة الصواريخ (S003) المتطورة.
ومع رئاسة بوتين الثالثة، تدرك روسيا أن فقدانها لنفوذها التقليدي في سورية، بعدما فقدت حضورها في ليبيا، أمر سيقلص من حضورها الاستراتيجي شرق أوسطياً وعربياً، لاسيما أن أعداء روسيا التقليديين، وأبرزهم الولايات المتحدة وحلف الأطلسي وتركيا والدول التي تدور في فلكهم، هم الذين حاربوا موسكو من قبل في أفغانستان، وهم الذين يعملون الآن ضد نظام الأسد.
والمقطوع به أنه إذا كانت روسيا قد قبلت على مضض فكرة العمل الدولي في ليبيا، فإنها لن تسمح بحال من الأحوال بتكرار السيناريو ذاته في سورية، وهذا ما بدا واضحاً من مواقفها في مجلس الأمن. فروسيا التي عارضت منذ عام 1999 فكرة العمل الدولي لتغيير الأنظمة أو فرض أنظمة من الخارج بالقوة، تشعر بارتياب بالغ تجاه واشنطن تحديداً.
وفي سياق هذه المصالح الاستراتيجية المتضاربة، يكاد الأمر أن يصبح بالفعل حرباً باردة عالمية، تظن فيها موسكو –واهمة- إن مخططات واشنطن ماضية على قدم وساق لابتلاع سورية أولاً، قبل التحول الكامل والتفرغ المطلق لإيران، خاصة أن نهاية نظام الأسد ستشكل نكسة كبرى لإيران.
وهذا ما أشار إليه سكرتير مجلس الأمن القومي للاتحاد الروسي "نيكولاي بارتوشيف" علناً، من أن "سورية هي موضوع ضغط واشنطن بسبب الجغرافيا السياسية، ومصالح مرتبطة بقطع علاقات سورية مع إيران، وليس بسبب الاهتمامات الإنسانية". من موسكو إلى واشنطن مروراً بدمشق وطهران، إرهاصات حرب باردة عالمية.
روسيا لها مصالح في المنطقة، وهي معنية ألا يتخذ الأمريكيون أو حلف الناتو قراراً من طرف واحد من دون غطاء دولي للحرب على النظام. وهم يصرون على أن التدخل يجب أن يكون من خلال مجلس الأمن، وأن تكون موافقة روسيا أساسية في الموضوع.
ولسوء الحظ، فإن منطقتنا تدخل مرة أخرى، فيما يشبه صراع الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة –كما أشرنا سابقاً- كما أن روسيا تشعر بالمهانة، نتيجة تجاهل موقفها من غزو العراق والتدخل العسكري في ليبيا، وهي تريد أن تقول إنها ما زالت في الساحة الدولية، وإن لها تأثيرها، وتريد أن تقول للغرب إن روسيا لها مصالح ويجب أن تراعى، وباعتقادي فإنها في حال أخذها للثمن الذي تريده من الغرب، ستتخلى عن بشار الأسد، والأثمان من الممكن أن تكون تجاهل التدخل الروسي في القوقاز والشيشان وجورجيا.
ومن المرجح أن روسيا ستغير موقفها أيضاً، لأنها ستصل إلى مرحلة لا تستطيع فيها الدفاع عن موقفها الداعم لنظام الأسد، والذي بدوره سيعطي الروس فرصة لكي يتخلوا عنه، من جراء الجرائم التي يرتكبها. أم يا ترى أن روسيا تفهم أن الشرق الأوسط منطقة نفوذ غربية أمريكية وأن الورقة التي تحملها، المثقلة بالدفاع عن آل الأسد ريثما تعطى لها مطالبها في آسيا قد تحترق فجأة في إهابها وتحرق معها كل المخطط الروسي!
لقد شكّلت مواقف كل من روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية تجاه الأزمة السورية مفاجأة للكثير من المراقبين نظرًا لوقوعهم أسرى الاتجاه التاريخي الذي أخذته دبلوماسية الدولتين خلال الفترة من 1978 في الصين (ما بعد برنامج التحديثات الأربعة) ومن 1985 في روسيا الاتحادية (فترة ميخائيل غورباتشوف وبوريس يلتسين)، دون الأخذ في الاعتبار تحولات عميقة في بنية الدولتين انعكست على دبلوماسيتهما.
وسوم: العدد 783