بصائر

كتب د. سعيد الحاج، وعلق د عمرو دراج بالتالي:

مما فهمهته من بعض الاقتصاديين الموثوقين والأكاديميين في تركيا بخصوص الأزمة المالية الحالية في تركيا:

1) المشاكل المتعلقة بالاقتصاد التركي من نسبة الدين إلى عجز الحساب الجاري إلى نسبة التضخم وغيرها، معروفة وكان متوقعاً أن تحدث مشكلة لكن ليس بهذه السرعة ولا بهذه الوتيرة. فمؤشرات الاقتصاد والقطاع المصرفي التركيين جيدة ومستقرة وليس فيها بوادر أزمة. العامل السياسي المتمثل بالضغوط الأمريكية وسحب الأموال هو ما أدى لهذه الوتيرة من تراجع الليرة التركية، والذي لم يحصل حتى عشية الانقلاب الفاشل.

2) هناك بُعد دولي في الأزمة. فالأزمة الاقتصادية العالمية في 2008 أدت إلى خفض الفائدة في عدد من الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي دفع بالأموال والاستثمارات إلى دول الاقتصادات النامية ومنها تركيا. اليوم، بعد سنوات من مرور الأزمة، ارتفعت الفائدة تدريجياً ما جذب الأموال مجدداً من هذه الدول للولايات المتحدة الأمريكية. وهذا تأثير لا يتوقع له أن يتغير قريباً، إلا في حال حصول أزمة مالية أو اقتصادية عالمية مرة أخرى.

3) لم يشعر بعد المواطن التركي بأثر تراجع الليرة إلا شيئاً بسيطاً جداً، لكنه قريباً سيشعر بذلك بنسبة معينة بعد أن ينعكس تراجع الليرة على الأسعار، وهو امر يتطلب بعض الوقت بطبيعة الحال.

4) ويعني ذلك ان فترة "البحبوحة" في الاقتصاد التركي (والاقتصادات  الشبيهة) التي استمرت حوالي 10 سنوات لم تعد قائمة اليوم، وسيكون هناك فترة من الصعوبات تشمل اقتصاداً/توفيراً/تقشفاً بنسبة أو باخرى في القطاع الحكومي وغيره من القطاعات.

5) فكرة التجارة مع بعض الدول بالعملات المحلية فكرة جيدة، لكنها تحتاج وقتاً طويلاًَ وأن تأتي يالتدريج لأنه في نهاية المطاف ما زالت تركيا ((والدول الأخرى) بحاجة للدولار لسد الديون وشراء مصادر الطاقة ...الخ. وبالتالي فهو حل طويل المدى من جهة وغير فعال جداً في الأزمة الحالية تحديداً من جهة أخرى.

6) تحتاج تركيا للعمل في سياقين: في المدى القريب ضخ اموال في السوق وضبط التعاملات المالية ودعم القطاع المصرفي لوقف تدهور الليرة (جزء مهم من ذلك بدأ ويسير بشكل مقبول فيما يبدو)، وفي المدى البعيد زيادة الصادرات ودعم الصناعات خصوصاً التقنية عالية القيمة والبحث عن شراكات جديدة لعلاج مشاكل الاقتصاد طويلة الأمد.

7) من الصعب استمرار ترمب بنفس وتيرة العقوبات على عدد كبير من الدول إضافة لعدم توافقه في ذلك مع الأوروبين، ولما لذلك من سلبيات على الاقتصاد العالمي ومبادئ التجارة الحرة، مما قد يحمل بوادر انفراجة في هذه الأزمة على المدى المتوسط.

8) إذا ما تجاوزت تركيا هذه الأزمة بأقل الأضرار، فإن اقتصادها يحمل مقومات الصمود والتقدم.

والله أعلم

سعيد الحاج

استطيع ان أضيف إلى ما تفضل به د. سعيد عددا من النقاط الاخري:

- هناك مشكله جوهرية تتعلق بالحلقة المفرغة بتمويل النمو بالديون و مزيد من الديون خاصة للقطاع الخاص، ثم الاعتماد على الأموال الساخنه لسد الفجوة مما يجعل الاقتصاد التركي أكثر عرضه للتأثر بالضغط السياسي، و يجب اتخاذ الإجراءات اللازمه للتخلص من هذه الظاهره و لو على حساب النمو، مؤقتا.

- تداعيات الأزمة التركية لو استمرت ستكون عالمية بشكل كبير، مما يعطي الفرصة لتركيا للتنسيق مع الكثير من القوى للمساعدة في حل الازمه، و الأهم من ذلك اخذ إجراءات على المدى الطويل تحرر اقتصاد هذه الدول و لو جزئيا من أثر التدخلات الخارجية الأمريكية و من المؤسسات العالمية.

- صحيح أن موضوع تبادل التجارة بالعملات المحلية لن يعطي أثرا اقتصاديا سريعا، و لكن أثره السياسي السريع مهم خاصة أن المعركة سياسية في الأصل.

- يجب التوجه لجذب الاستثمار في الأنشطة التي تعطي قيمة مضافة عالية و خاصة التكنولوجيا و ما يطلق عليه اقتصاد المعرفه... الخ، فضلا عن التعليم و رفع الكفاءات المهنية.

- الخطوات الأمريكية في الأزمة الاخيرة لا تستهدف تركيا وحدها و لكن أوروبا أيضا مستهدفة نظرا للتداعيات المتوقعه للأزمة على بنوكها، لذلك نجد عدة تصريحات ألمانية لمسئولين على رأسهم ميركل لدعم الموقف التركي، و هذا يمثل فرصة كبيرة لإصلاح العلاقات التركية الأوروبية المتضررة منذ فترة.

هذه معركة شاملة يجب أن تدار بحنكة سياسيا و اقتصاديا وإعلاميا على جميع المستويات، و بقدر ما تمثل أزمه فهي تشكل فرصا كثيرة

عمرو درّاج

وسوم: العدد 785