محاولة لإعادة القطار الحجازي..
كان المسلمون يلاقون صعوبات ومشقات في ذهابهم وإيابهم إلى الحجاز لأداء فريضة الحج كل سنة. فكان يستغرق سفر الحاج الشامي أربعين يومًا من دمشق إلى المدينة المنورة، وعشرة أيام من المدينة إلى مكة المكرمة. خمسون يومًا يقضيها الحاج بين دمشق والمدينة فمكة وعشرون يومًا على الأقل يمضيها في القيام بالمناسك وزيارة قبر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ويقضي خمسين يومًا في عودته. فهذه أربعة أشهر كاملة للحج الشامي، أما التركي والإيراني وغيرهما من أهالي الممالك الإسلامية النائية فقد يحول الحول على أحدهم دون الوصول إلى بغيته.
كان الحجاج يركبون الجمال والدواب، ويخرجون من دمشق في موكب ومعهم نصف كسوة الكعبة بما سمي بالمحمل الشامي، وكذا نصف كسوة الكعبة من مصر والمغرب بما سمي بالمحمل المصري، وكان يخرج معهم أمير الشام مع حرس خوفًا من مهاجمة الأعراب لهم في الطريق، وكانت الدولة العثمانية تدفع للبدو مبالغ من المال وتستأجر جمالهم في نقل الحجاج.
في الأول من أيلول سنة 1900 أعلن السلطان عبد الحميد الثاني البدء بالعمل على إنشاء سكة حديد تصل دمشق بالمدينة المنورة. في سنة 1902 أمر بإنشاء فرع لهذه السكة بين درعا وحيفا على ساحل البحر الأبيض المتوسط. في سنة 1905 وصلت السكة إلى عكا. في 22 آب 1908 وصلت سكة الحديد إلى المدينة المنورة، وجرى الاحتفال بذلك في الأول من أيلول وهو يوم جلوس السلطان على العرش.
في وقت لاحق وصلت سكة الحديد إلى نابلس وطولكرم فاللد فالقدس وبئر السبع. من طولكرم أنشئ فرع إلى قاقون ليصل إلى بلاد الروحاء إلى أم الخروص الواقعة غربي كفر قرع. كان الهدف من الوصول إلى الروحاء هو الوصول إلى غابات المل للحصول على الحطب اللازم لتشغيل القطارات البخارية. للعمل في قطع الحطب منحت السلطات العثمانية متعهدين، اثنين من اليهود وواحد من كفرقرع. وقد جندت قوات الرديف(الاحتياط) للعمل بالسخرة في قطع الحطب ومن هرب منهم كانت تسجنه في القراقون. ولذا لا عجب في أن أطلق الأهالي على القطار اسم جحش الدولة الذي يستنزف قواهم.
أعلن السلطان عبد الحميد الثاني أن المشروع يجب أن يجري إنشاؤه بأموال المسلمين، لذا جمعت التبرعات من سكان الدولة العثمانية ومن مصر والهند وغيرها من البلدان الإسلامية. بلغت تكاليف المشروع 5,012,398 ليرة عثمانية. عمل في مد السكة مهندسون أتراك وألمان. كانت النية الوصول إلى مكة، ولكن عزل السلطان عبد الحميد الثاني في سنة 1909 حال دون ذلك.
ساعد قطار الحجاز الحجاج كثيرًا حيث استغرق السفر من دمشق إلى المدينة المنورة ثلاثة أيام بلياليها. كما ساعد الدولة في نقل الجنود إلى الحجاز بسرعة وبسط نفوذ الدولة على المناطق البعيدة.
استعمل الأهالي في وادي عاره القطار الحجازي في نقل محاصيلهم من التبغ من العفولة إلى حيفا وعكا. ولكن الفائدة الكبيرة جناها اليهود الذين اشتروا معظم أراضي مرج بني عامر التي مرت بها السكة.
أدت الحرب العالمية الأولى وثورة الشريف حسين إلى اتلاف أقسام من سكة الحديد في الحجاز.
بقي القطار مستعملاً في فلسطين والأردن.
كان عرض السكة 105 سنتميتر وهذا العرض ضيق مما جعل سرعة القطار بطئية.
استعمل الإنكليز سكة بعرض 143,5 سنتميتر.
جرى العمل على إعادة تشغيل القطار الحجازي في الأردن، وفي مرج بني عامر بفلسطين، وهناك مخطط لمد السكة من قاقون إلى العفولة ,بتغيير مسارها الأصلي، وكل ذلك على حساب الأراضي العربية في باقة وجت ووادي عاره.
يقول الشيخ علي الطنطاوي في القطار الحجازي:
حملته أمه ثماني سنوات، وعاش بعدما ولد عشر سنين.
إصابته علّة مزمنة فلا هو حي فيرجى ولا ميت فينسى.
وسوم: العدد 808