مشكلة الكورد اشكالية للجوار
يبقى مفهوم الاشكالية والمشكلة بين الاوساط الاكاديمية مسألة تداولية واراء تخدم المصطلحان نفسهما، وتؤكد في الوقت نفسه على مدى تداوله على الاصعدة المختلفة ، لاسيما السياسية التي غالبا ما تطرح مفهوم الاشكالية وفق تداعياتها المصلحوية القائمة على تحقيق غاياتها بشتى الوسائل المشروعة وغير المشروعة، ونحن الكورد اذا نعيش فوق جغرافية تعد من احدى اهم المناطق التي تتداول عليها مصالح القوى العظمى، نتعرض الى هزات متتالية بسبب تلك الدوامة المصلحوية ، وبذلك اصبح وعي مفهوم المشكلة والاشكالية لدينا ضرورة ملحة، كي نقف على الحدود الجغرافية لتلك الدوامة المصلحوية ، ولكي لانلقي دائما باسباب تراجعنا الى ساحة الاخرين لاسيما واننا مازلنا لانعي اذا ما كان وجودنا بهذا الوضع الراهن "أ هو " مشكلة خاصة بنا ام اشكالية من حولنا والمنظومة الدولية المصلحوية..؟ ، لكوننا ننظر الى الامور دائما كما هي عادة الشعوب في هذه المنطقة من منظور قومي جغرافي تاريخي بحت، ولم نستطع يوما تجاوز ذلك المنظور الى افاق ابعد، وحتى ان بدا للكثيرين بأن الشعاراتية المتمرسة التي تتبناها الانظمة في هذه المنطقة هي دليل على تجاوزهم لذلك المنظور، ولكن الواقع الفعلي يثبت دوما بطلان تلك الشعارات وعمق الحس القومي الجغرافي التاريخي للاقوام والانظمة المستبدة في هذه المنطقة " الشرق الاوسط".
اذا ما نعني بالمشكلة والاشكالية وفق تداولنا لهذه المفاهيم وكيف يمكن اسقاطها على واقعنا الكوردي بصورة تتناسب وصيرورة الاحداث من جميع النواحي والاصعدة ، تعد المشكلة ضمن الرؤية الاكاديمية قضية اقل شمولا، وتخص صاحبها على الاغلب، ولاننا نتكلم بصيغة الجمع القومي فيمكننا ان نقول بان المشكلة هنا تخص الكورد وحدهم بحيث تجعلهم يبحثون عن حلول لقضيتهم، او حتى بان يكونوا قد وضعوا لانفسهم اهداف محددة، ولكنهم يواجهون عوائق وعقبات لتحقيق ذلك وللوصول الى تلك الاهداف، وبذلك فاننا هنا نعيش تحت وطأة مفهوم المشكلة داخلياً، واقصد بداخلياً كوردستانياً قومياً ، ولااعتقد بانه قد يحتلف اثنان واعيان على هذا الامر، فمشكلتنا تخصنا على وجه الخصوص قبل ان تتحول الى اشكالية لغيرنا، لكوننا ووفق المنطق الجغرافي التاريخي وبحسب المصادر التاريخية نفسها متزامنيين في الوجود مع اقدم الاقوام التي سكنت المنطقة، وكما هم كانوا يبحثون للتوسع كنا نفعل المثل، ومن باب التوضيح فاذا كان السومريون قدماء، فقد ذكر هولاء في كتاباتهم واثارهم اسم سوبارتو واسم الميتانيين وهولاء وبحسب النظريات الاكاديمية هم اسلاف الكورد، اذا تواجدهم تزامني ولانحتاج الى البحث والاثبات لذلك لان الامر مفهوم ومدرك من قبل الاكاديميين غير المتعصبين وغير المهرطقين الذين دائما ما يبحثون عن طعن الاخرين وتهميشهم كدليل على وجودهم وهم لايدركون بانهم انما يحاولون اثبات وجودهم مما يعني ان وجودهم مشكوك فيه في الاصل كي يبحثوا عن ذلك، المهم بعيداً عن الحفريات التاريخية الجغرافية في المنطقة، نحن الكورد توارثنا مناطقنا وحاولنا كغيرنا ان نتوسع ونتحالف من اجل البقاء، وهذا الامر كان ولم يزل طبيعياً بعيداً عن غرضنا، الا اننا وكباقي شعوب المنطقة لم نفكر يوما قديما وحديثا بان وجودنا في الاصل مشكلتنا، والحفاظ على وجودنا ليست مهمة او مشكلة الاخرين، وبذلك تعدينا من خصوصية مشكلتنا الى اشكاليتنا للاخرين، وكنا ولم نزل نلقي باللوم على الاخرين في عدم تماسكنا وعدم حصولنا ووصولنا لاهدافنا الخاصة بنا.
من هذا المنطلق كي نستطيع بناء وجودنا مرة اخرى كقوة تحاول التوسع والامتداد او حتى كقوة تحاول استعادة ما سلب منها قسراً، علينا وهي المشكلة الاساس التي نعاني منها، والتي بلاشك لايختلف عليها اثنان، وهو اننا لانملك هدفاً موحداً واقعياً بعيداً عن الشعاراتية واثارة العاطفة الكوردية على ارض كوردستان، واظهار مظلوميتنا دائما وعلى اننا امة وقوم تعرضوا للظلم والتهجير والتهديد والتشتيت، فكل ما تعرضنا له ليس الا هدف للاقوام التي تجاورنا اقصد بهدف انهم كانوا مثلنا لديهم مشكلتهم الخاصة بهم، وقضيتهم الخاصة بهم، وسعوا لتحقيق اهدافهم لايهم على حساب من، المهم عندهم ان يتوسعوا، ان يدعموا قضيتهم، لذا مصالحهم وسعيهم لتحقيق تلك المصالح مرت على ارضنا، وواجهونا نحن الكورد، اي نحن كنا الطريق الذي مروا عليه لتحقيق تلك الاهداف التي تخدم قضيتهم، اذا هم حاولوا حل مشكلتهم غايتهم بتلك الوسائل سواء أكانت مشروعة او غير مشروعة، لكنهم استطاعوا من خلق عوالمهم الخاصة، وكياناتها القومية الخاصة، ام نحن الكورد فبقينا غير واعين لمشكلتنا، وبقينا نعلق الامال على المنظومة الدولية والقوى العظمى لتحقيق مقاصدنا واهدافنا مشتتين داخلياً لانملك قيادات واعية تستطيع ان توحدنا، او ان توجهنا نحن افاق مستقبلية تخدم قضيتنا وتحل مشكلتنا، وهذا ما يحدث لنا الان ايضا، فجل اهتماماتنا لم تزل منصبة على ما يمكن ان يقدمه الاخرون لنا، وسعينا لتحقيق اهدافنا يواجهه تحدي داخلي ورفض من القوى السياسية الكوردية غير المتلاحمة، بحيث لم نعد نعي بأن امكانية نجاح جزء كوردستاني قد يساهم في نجاح الاجزاء الاخرى مستقبلاً، بل اصبحت بعض القوى السياسية الكوردية توجه جل غضبها نحو الانجح منها سياسياً واقتصادياً وعلاقتياً، وعلى هذه الشاكلة تحولت مقاصدنا الى لعبة بيد اصحاب القوى والمصالح في المنطقة يتم توجيهنا للدخول في نزاعات كوردية – كوردية ، بدل ان نسخر تلك القوة وذلك الغضب تجاه اعداء الكورد انفسهم ممن بنوا حصونهم على رقابنا، وبذلك لم نعد نعي مشكلتنا الاساس، ولم نعد نبحث عن العلاجات والحلول، بل اصبحنا نتزاحم على الانتقاد والتقليل من بعضنا البعض، وحتى الاعمال البطولية التي يقوم بها ممن يحملون السلاح في كل اجزاء كوردستان اصبحوا اداة بيد المنظومة الدولية التي ما ان تحقق اهدافها في المنطقة حتى ما تلبث ان تتخلى عنهم.
ان وعي المشكلة ومن ثم البحث عن تداعيات المشكلة هي من اهم الامور التي يجب علينا نحن الكورد الوقوف عليها والعمل عليها، كي نستطيع من تحقيق اهدافنا وفق منطق القضية الاسمى " كوردستان " ، وكنت ومازلت مؤمن بان نجاح جزء يعني دعم للاجزاء الاخرى في المستقبل، ولايمكن الحكم على نجاحهم بانه اتى على حساب الاجزاء الاخرى، او ببناء علاقات اقتصادية او سياسية مع ممن يتسلط على الكورد في الاجزاء الاخرى لأن ذلك بعيد عن المنطق في فهم المشكلة، وخلق مساحة مهيئة للانطلاق عليها لتحقيق الغاية الاسمى.
ووفقاً لهذه التداعيات فان مفهوم المشكلة الكوردية " الكوردستانية " قد اصبح بحق عائقاً كوردياً للوصول الى الغاية الاسمى، ولكنه في الوقت نفسه تحول الى اشكالية للجوار وللمنظومة الدولية، فباعتبار ان الاشكالية كمفهوم تعني قضية عامة ومعقدة، وينضوي تحتها عدد من التساؤلات، وقد توجد اجوبة لبعضها ولكن غالبيتها تظل بدون اجوبة واضحة وملموسة، لذلك فهي تسبب جدلاً واسعاً يقابل بالرفض من قبل الكثيرين ممن يسعون لفرض وجودهم الدكتاتوري القومي، وبحسب هذه الرؤية مشكلة الكورد هي بالفعل اشكالية للجوار القومي، لان وجود الكورد حقيقة وواقع ملموس ومؤثر على الرغم من شتاتهم، لانهم متداخلون ضمن المكونات الاساسية والمؤثرة داخل منظوماتهم القومية السياسية والتشريعية، سواء في تركيا التي تستخدم كل الوسائل لقمع الكورد، او ايران التي لاتقل شراسة وارهاباً ضد الكورد، او العراق حيث الكورد اصبحوا ووفقاً للمنطق السياسي معادلة صعبة لايمكن تجاوز وجودهم لفرض اية ايديولوجيات متطرفة، وفي سوريا حيث الشتات الكوردي لايعني زوالهم وغيابهم كواقع ومعادلة في الرؤية المستقبلية لوجودها، وكما ان الكورد تحولوا شيئاً فشيئاً الى اشكالية دولية لاسيما ان المنظومة استغلتهم في فرض نظامها على المنطقة بالاخص في مواجهة الارهاب الذي هدد مصالحهم بشكل واضح، وبذلك فان مفهوم الكورد وكوردستان مثلما هو مشكلة كوردية_كوردية ، اصبح اشكالية دولية واقليمية ، بحيث اصبحت قضيتهم تطرح على طاولة " مائدة " القوى العظمى والمنظومة الدولية والامم المتحدة وضمن حوارات تلك القوى مع دول الجوار وكذلك بين القوى الاقليمية نفسها حين تتشاور وتبني رؤيتها العلاقاتية والسياسية والاقتصادية مع الاخرين، وبذلك لابد للكورد من ان يستغلوا هذه الفرصة كي يوحدوا جهودهم لتحقيق غايتهم الاسمى، وهنا لاادعوا الى التنازل عن المبادئ الحزبية او خلق كيان حزبي كوردي عالمي، لان الامر مازال مبكراً للحديث عنه، فالكورد لم يستطيعوا لاسيما في شمال وغرب كوردستان من فهم اهمية الاستقلالية في التحرك السياسي والعسكري لخلق انموذج يلائم الجغرافية والتاريخية التي يعيشون فيها، ولكن اقول بان يفهم كل جزء اهمية مشكلته الجغرافية ومن ثم البدء بعمل يلائم تلك الجغرافية بتاريختها الحركية التحررية، ومحاولة دعم الحركات الكوردية الاخرى دون انتقادها او التحرك ضدها، وبذلك نستطيع خلق نماذج منوعة كل واحدة منها تلائم جغرافيتها، وان استطاع انموذج من تحقيق غايته الاستقلالية يتم دعمه من قبل الاخرين واحترام قادته، لكي يتم وضع الحجر الاساس لمشروع اكبر قادم بلاشك.
وسوم: العدد 808