"إسرائيل" وعودة الأحزاب الكُبرى.. أسباب وآفاق
مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني
لم يكن مفاجئاً حصول أكبر حزبين ترشحا للانتخابات في "إسرائيل"، على نحو 60% من مقاعد البرلمان، بنحو 71 مقعداً، من أصل 120 يمثلون الأحزاب المختلفة في الدولة العبرية، في انتخابات وُصفت على أنّها الأكثر تناحراً وتجاذباً، في ظل رئيس وزراء يُعاني من تُهم فساد، ومعارضة تجيشت من أجل الإيقاع فقط بشخص نتنياهو.
إذاً ما الذي قاد الانتخابات إلى مربع حزبين كبيرين، وأحزاب أخرى مشرذمة، علماً أنّ استطلاعات الرأي، كانت تُشير إلى ذلك، لكن دون سحق كبير للأحزاب الأخرى، حيث كانت تُعطي الأحزاب الكُبرى 50%، فيما الأخرى كانت تحصل على الخمسين الأخرى.
وكنّا في مركز القدس، قد شككنا بحقيقة استطلاعات الرأي في "إسرائيل"، وأكدنا على أنّ اليمين سيفوز (عواد، 2019)، بخلاف ما كانت تتنبأ به تلك الاستطلاعات، التي أعطت جانتس، زعيم حزب أزرق أبيض الجديد، فرصة قوية لتشكيل الحكومة القادمة، إلى جانب مجموعة من الأحزاب الأخرى، وتأكيدها أنّ الحزب سيتقوف على الليكود.
وهنا يُمكن فهم ما حدث ضمن السياق الذي أكدنا عليه سابقاً، ولعلّه يُعطي صورة واضحة بشكل كبير للذي حدث، في ظل تجاذب وانقسام كبير، بات يعصف في المجتمع الإسرائيلي، وغياب الكاريزمة القيادية.
أولاً: الحملة الانتخابية، جذرت انقسام المجتمع الصهيوني، ما بين يمين متطرف، ويمين وسط يقف إلى جانبه حزب اليسار "ميرتس"، والأحزاب العربية، الأمر الذي جعل من الاستقطاب بين تيارين، لكلٍّ منهما رأي مختلف حول شكل الدولة، حيث على أقصى اليمين تواجد المتدينين القوميين والحريديم، وفي المقابل اليسار والعرب، ليتبقى حزبي الليكود وأزرق أبيض في المنتصف.
ثانياً: ارتكزت الدعاية الانتخابية منذ البداية حول ائتلاف واضح، بمعنى أنّ الليكود مع اليمين المتطرف إذا فاز سيُشكل الحكومة، في المُقابل فإنّ حزب جانتس مع ميرتس والعمل والعرب سيُشكل الحكومة، ووجود العرب في المعادلة، واحتمالية كونهم بيضة القبان لجانتس، زادت من حدة التجاذبات.
ثالثاً: كانت الانتخابات بمثابة استفتاء على شخص نتنياهو، حيث في الوقت الذي اعتبرته الغالبية فاسداً، هي ذاتها اعتبرته الأكفأ لقيادة الدولة، والأكثر قدرة على الاستمرار في تحقيق الإنجازات، خاصة في ملف العلاقات الخارجية.
رابعاً: في ظل وجود كتلتين واضحتين، أقصى اليمين، وكذلك العمل مع ميرتس والعرب، كان اللعب يدور حيال 5% من أصوات الناخبين، ليتم حسمها باتجاه اليمين مع الليكود، او جانتس مع بقية الأحزاب، وهنا كان ذكاء نتنياهو، الذي استطاع أن يؤكد ذكاءه وكارزميته، في المقابل ضعف خصومه وعدم تقديمهم برنامج واضح.
خامساً: في ظل التجاذبات ورغبة الطرف الأول وهو اليمين في البقاء في الحكم، ورغبة الوسط واليسار في التغيير، بدأ كل طرف بالتجمهر أكثر حول الحزب الأكبر في تكتله، من هنا زاد دعم اليمين لليكود، وزاد دعم الوسط واليسار لازرق-أبيض "حزب جانتس"، الأمر الذي زاد من حجم الحزبين الكبيرين، لكن دون أن يؤدي ذلك إلى اختلاف بحجم التكتلات، حيث سحب الليكود المزيد من أصوات اليمين لصالحه، فيما جانتس سحب أصوات حزب العمل، فحصل على 35 مقعداً، وسحق حزب العمل الذي تراجع لستة مقاعد.
ختاماً، المجتمع الإسرائيلي بات يعيش في فجوات باتت تتجذر بشكل كبير، بين تيارين مختلفين حيال شكل الدولة، وليس كما يظن البعض حيال العلاقات الخارجية والأمن، فلا يختلف نتنياهو عن جانتس، فيما يتعلق بالعلاقة مع الفلسطينيين أو العرب.
الخلاف على شكل الدولة، تم حسمه لصالح المتدينين، هم من سيُشكلون الحكومة مع نتنياهو، وهم من سيفرضون عليه أجندتهم، هو لن يستطيع تهديدهم بتشكيل الحكومة مع أزرق-ابيض. لأنّه ببساطة يحتاجهم من أجل حصانته من المحاكمة أثناء توليه رئاسة الوزراء، والاستمرار معه وعدم اسقاط حكومته، وهم بحاجة إليه، لتجذير هوية الدولة، الدينية القومية.
وسوم: العدد 820