المستقبل السوري بين التعفن و الانهيار الأمني و السيناريو الافغاني
لم يعد ضروريا و لا حتى من المفيد مناقشة مصير الأسد، بقاءه أو رحيله، فهو في أحسن حالاته سيتحول إلى مجرد مومياء محنطة تطل بنفس الابتسامة البلهاء من خزانة بوتين الذي سيعتقد باستمرار أن الاحتفاظ بهذه التعويذة الشريرة هي الضمان الوحيد لمصالح الروس في سوريا، بل و في الشرق الاوسط بأكمله....
الجميع دخلوا في فخ يمكن تسميته "لا بديل عن الأسد"، و كل له اسبابه؛
فهو بالنسبة لإيران البلوك الأساسي لكل ما زرعته و رعته على مدى العشرين عاما الماضية،
و لإسرائيل و المصالح الغربية عموما، الضمان الوحيد لعدم تشكل نواة مجتمع مدني وطني في محيطها يضع منطقة شرق المتوسط على سكة الحداثة و التطور الاقتصادي و الصناعي،
و لروسيا، الحل الوحيد لضمان وضع يدها على سوريا و فرض موطأ قدم لها في المياه الدافئة،
و للعديد من انظمة الدول العربية، هو استمرارية حكمها و بقاءها متسلطة على رقاب الشعوب....
و لأجل ضمان بقاء الأسد، لا يُستبعد أن روسيا قامت بقياس شعبيته مؤخراً لتقييم ما إذا كان من الممكن أن يخوض "انتخابات ما" قادمة قد تكون غير مسيطر عليها بالكامل في حالة تدخل الأمريكان من خلال الأمم المتحدة لفرض أصوات السوريين في الشتات و المناطق الغير خاضعة لسيطرة النظام، و في هذه الحالة، قد يخترع الروس "استفتاء" عاجل لإعادة تثبيته، حيث اتضح من الاستطلاعات الأخيرة أن لا شعبية له على الإطلاق حتى في عمق المناطق الساحلية و الموالية للنظام....
على أن ما سبق لا ينفي أن هناك توجه دولي غربي لا لبس فيه لخنق النظام السوري و إيران اقتصادياً و لاسباب مختلفة؛
فبعد ان أتمت إيران مهمتها بنجاح في تدمير العراق و سوريا و لبنان، يجري الآن إعادة توجيه بوصلة (الزعرنة الايرانية) نحو مناطق اخرى يجري إشعالها تحت نار لم تعد في الواقع هادئة بعد دخول العرب في المستنقع اليمني،
فالاحتكاكات في الخليج تتكاثر و تنذر بما هو قادم؛ فالضغط على إيران اقتصاديا أدى الى تحجيم دورها في العراق و المطلوب أيضاً أن يؤدي تدريجيا إلى تقليص وجودها في سوريا في المرحلة القادمة..
أما بالنسبة للنظام السوري، فهو لم يعد قائماً بالفعل و المستهدف من "الخنق" الاقتصادي هو دفع إيران إلى الإسراع في المغادرة و دفع البلد إلى الفوضى و الانهيار الأمني و الاقتصادي بحيث يجد بوتين نفسه مضطراً عما قريب إلى فتح خزائنه للدفع و الدعم بدلاً من أن يملؤها بأموال "إعادة إعمار" موعودة لا يبدو انها ستأتي قريبا..
كابوس مزعج جداً للروس، خصوصاً مع الأزمات الاقتصادية التي تتفاقم نتيجة لانتشار وباء الكورونا....
لم يخفي الأمريكان رغبتهم في جر الروس إلى ما يشبه المستنقع الأفغاني و هذا ما عبر عنه أكثر من مسؤول أمريكي بارز في الآونة الأخيرة كما انتقده بوضوح الروس في اكثر من مناسبة،
و نظراً لعدم وجود خيارات أخرى صلبة لدى الروس، فإن الغرق في المستنقع السوري لم يعد بالإمكان تفاديه بدون تعريض المشروع الروسي في سوريا برمته لخطر وجودي أكيد...
ما يدعم هذا التوجه هو المحافظة المذهلة على حالة "الستاتيكو" القائمة في سوريا، كل حركة مراقبة و محسوبة بدقة بالغة، أي خطوة على الأرض يجب ان تدرس بعناية من جميع الاطراف، و قد تحتاج إلى أسابيع من التنسيق و المفاوضات الشاقة، و حتى عندما تضرب إسرائيل أهداف إيرانية، يكون ذلك "بتأن" شديد، و عندما يضطر الأمريكان إلى تأنيب أو معاقبة النظام، يكون ذلك بحساسية مفرطة حرصا على عدم انهياره ... كل ذلك لكي تبقى المعادلة قائمة و بنفس حالتها الستاتيكية الغير محسومة..
حالة الستاتيكو المدهشة هذه تشكل السراب الدائم الذي سيجري وراءه بوتين بلا توقف..
الضغط الاقتصادي على النظام السوري و الذي يتوقع ان يتفاقم بشكل كبير مع دخول قانون "قيصر" بعد عدة أيام حيز التنفيذ سيدفع إلى مزيد من التدهور المعيشي و البلبلة في جميع المناطق و ينذر بفوضى واسعة النطاق.
و مع فقدان الليرة السورية قيمتها بالنسبة للدولار الأمريكي و دخول أعلى أطراف الهرم في السلطة في خلافات محتدمة حول الاموال المنهوبة من الشعب السوري، لنا فقط أن نتخيل مستوى الانهيار الأمني القادم و درجة التعفن الذي ستصل اليه أجهزة النظام و مؤسساته و ميليشياته مما سيقود بشكل حتمي إلى توسع عمليات السلب و النهب و ربما القتل من أجل 500 ليرة سورية..
هذا السيناريو القاتم يبدو قادم لا محالة للأسف الشديد و قد يؤدي إلى موجات نزوح جديدة هذه المرة و بشكل يصعب التنبؤ بها و كيف سيتم التعامل معها، سواء في الداخل أو على حدود دول الجوار، على أنه من الضروري جداً الأخذ بعين الاعتبار محدودية خيارات النزوح و تلاشي ما تبقى من موارد و مدخرات لدى السوريين..
هذه الموجة القادمة، إن حدثت، ستكون عشوائية تماماً و لأسباب و حيثيات ذات طابع مختلف عما سبق. و بناء عليه يجب دراسة سيناريوهات احتمالاتها و كيفية التعامل معها بعمق لتحديد أهم المخاطر المترتبة عليها و نقاط الاستجابة الفعالة و ما إذا كان هناك أي فرص متاحة الآن للضغط و التنويه لدى الجهات الدولية لتجنب الاسوأ..
أما على المسار السياسي، و بعد تعيين السفير الروسي "فوق العادة" كمفوض سامي، يجب و بكل تأكيد الخروج من الفخ. المشكلة لم تعد في بقاء الاسد او رحيله ، بل يجب عدم وضع النظام ضمن المعادلة في القضية السورية على الإطلاق و الاستفادة من النموذج الأفغاني، الاهتمام يجب أن ينصب فقط و من الآن و صاعداً على تحميل روسيا المسؤولية كاملة..
و مع تفاقم التعفن و الإنهيار الأمني و الاقتصادي و المعيشي أو حدوث موجات نزوح جديدة، سيفقد النظام السوري تدريجيا ما تبقى من وجود هامشي له او سيطرة فعلية على البلد و ستتحول المسؤولية تلقائيا الى الروس و عندها يجب تصعيد الحملة و الترويج لها و بقوة و خصوصا مع الموسم الإنتخابي الأمريكي القادم و دعما لحملة ترامب..
قد نجد صدى أكبر ان تم تركيز العمل السياسي على مقاربة القضية السورية من بوابة الغرق الروسي على النموذج الأفغاني مرة اخرى في سوريا .
وسوم: العدد 880