بيان الكتلة الوطنية الديمقراطية السورية حول أوضاع الإئتلاف
بيان الكتلة الوطنية الديمقراطية السورية
حول أوضاع الإئتلاف
حين تأسس المجلس الوطني ـ ضمن الظروف الضاغطة لإيجاد ممثل سياسي للثورة السورية ـ ساهمنا فيه بشكل جزئي، وبأمل أن يكون حاضنة التوافق على المشتركات التي لخصتها الثورة، ومجمّعاً لتوحيد المعارضة على رؤية وبرنامج سياسي يقود المرحلة حتى إسقاط النظام بكل رموزه وأسسه، ومرتكزاته، ويضع أسس الانتقال للدولة المدنية الديمقراطية.
إلا أن عوامل كثيرة متداخلة، بما فيها قوة التدخلات الإقليمية والدولية، وارتداداتها، وانعكاسات الأزمة البنيوية في المعارضة بأشكال حادة، مختلفة.. قادت إلى مزيد من الإشكالات التي أرخت بثقلها على المجلس ودوره، ومستقبله، وكانت عاملاً رئيساً في ولادة مشروع الإئتلاف، كمبادرة وطنية للخروج من الوضع المتخثر، قادها الأخ رياض سيف، ولقت قبولاً من عدد من الاتجاهات والشخصيات، قبل التقاطها من الدول الإقليمية، ومحاولة الدخول على خطها بطرق عديدة.
لقد نهضت وثيقة تأسيس الإئتلاف على ركائز ثلاث : توحيد العمل العسكري تحت قيادة سياسية ـ تشكيل حكومة مؤقتة ـ تشكيل لجنة قانونية بهدف استعادة الأموال السورية المجمدة العائدة للنظام ورموزه، وتحويل ملف القتلة إلى محكمة الجنايات الدولية، وأضيف إليها مكتب الإغاثة.. وبناء على ذلك، وبأمل تجاوز المعضلات التي عاشها المجلس الوطني، وتوحيد الرؤية السياسية عبر التوافق على المشتركات التي جاءت عليها وثيقة التأسيس، خاصة ما يتعلق منها بالموقف من النظام، والسعي الجاد لوحدة عمل المعارضة التي تشكل نهجاً أساسياً في كتلتنا.. وافقت الكتلة الوطنية الديمقراطية السورية على المشاركة من خلال رئيس الهيئة التنفيذية فيها ..
إن أسس الأزمة البنيوية التي استحكمت في المجلس الوطني.. برزت بقوة أكبر في الإئتلاف منذ التأسيس عبر غياب البرنامج السياسي، والمأسسة، والروح الجماعية، ومناهج العمل في اتخاذ وتنفيذ القرارات، وفقدان القدرة على امتلاك القرار الوطني، والتواصل مع الداخل وتمثيله فعلاً، وعدم اندماج مكوناته فيه وتخليهم عن خلفياتهم الأديولوجية، والهيئات التي يعملون فيها.. الأمر الذي أفسح في المجال لتفاقم ظواهر كثيرة، خاصة بعد قيام هيئة الأركان بتدخل إقليمي لا شأن ولا علم للإئتلاف بها، ودون التجرّؤ على اتخاذ موقف حازم من ذلك العمل في حينه، وبما ساعد أكثر على تشتت وتداخل العمل المسلح، وخلق بيئات مناسبة لجملة التحولات التي عرفها.
وتحسساً لبعض جوانب الأزمة كان مشروع التوسعة محاولة لترميم الإئتلاف وتحسين تمثيله وأدائه بإضافة ممثلين عن مكونات لم تلتحق به عند التأسيس بشبيهها، إضافة إلى توسعة نسائية تصل نسبة العشرين في المائة على الأقل، وكان مندوبنا من أشدّ المتحمسين لتلك التوسعة، وممن عملوا على إقرارها في الهيئة السياسية التي كنا نشارك فيها.. إلا أن الظروف التي فرضت فيها التوسعة، وتمدمدها، وقسوة التدخلات الخارجية السافرة لفرضها بتلك الطريقة..زادت أوضاع الإئتلاف استقطاباً، وخندقات وشللية عبّرت عن نفسها في انتخابات رئيس الإئتلاف والهيئة الرئاسية، والهيئة السياسية، وعكست قوة التدخل الإقليمي في الشأن الداخلي فيه، والعجز عن التوصل لاختيار رئيس توافقي، وهيئة سياسية تمثل معظم المكونات والأطياف الموجودة..
وبغض النظر عن كل ما يقال عن دور المال السياسي، وعن مستوى التدخل الخارجي، وجملة الشائعات القوية عن تصرفات كثيرة تطال مسائل سياسية مفصلية ـ جنيف والتعامل معه ـ فإن جميع المحاولات لتحسين أداء وأوضاع الإئتلاف، والتي لا نشك أنها صادقة لدى البعض، لم تثمر نتائج مهمة، على العكس من ذلك فإن التحديات الكبيرة، والاستحقاقات المطروحة، وطريقة اتخاذ القرار، وأساليب العمل المتبعة زادت أوضاع الإئتلاف تأزماً، وانقساماً، وابتعاداً عن الميدان، والمهام الرئيسة الواجبة.. وقادت ـ جميعها ـ إلى التفجر الذي كان يظهر بأشكال كثيرة، وصولاً إلى انسحاب عدد كبير مهم، وإلى سيادة مناخ القرف والعقم والعبثية الذي يظهر جلياً في الأداء والاجتماعات والنتائج .
إن تصوير عملية الانسحاب الكبيرة على أنها ردّ فعل على نتائج الانتخابات تعكس عقلية سائدة لا تريد علاج الأوضاع في حقيقتها، والتي طالبنا بها مراراً عبر وقفة نقدية، تقويمية لأوضاع الإئتلاف وعلاقته بالميدان والثوار.. بحثاً عن المخارج، وكنهج يمكن اعتماده في تجسيد دعوتنا المستمرة لعقد مؤتمر وطني جامع لأطراف ومكونات الثورة يبحث الواقع، ويضع خارطة طريق وفق التوافقات العامة التي يشكل الحل السياسي جزءاً منها، وليس جوهرها .
إننا في الكتلة الوطنية الديمقراطية السورية، وقد وصلت الأوضاع إلى هذا المستوى من التفجّر.. نرى أنه ما تزال هناك فرصة لإصلاح أوضاع الإئتلاف، وتحسين أدائه باتجاه أن يكون ممثلاً سياسياً حقيقياً للثورة .. وذلك من خلال إعادة النظر الجذرية في آلية العمل باتجاه المأسسة والروح الجماعية، ومشاركة الجميع في القرار وفق صيغ مرنة ممكنة، والشفافية في الوضع المالي عبر تقديم تقارير دورية واضحة عن مصادر التمويل والصرف والنفقات، ووضع رؤية سياسية توافقية.. تضع جنيف في موقعه الحقيقي، وتمثيل المرأة بشكل حقيقي وبنسبة واضحة، وتفعيل عمل اللجان، وتنشيط آليات المراقبة والأداء..
إن الاتفاق على عقد مؤتمر وطني جامع يمكن أن يكون بداية للخروج من عنق الزجاجة عبر تشارك الجهات الفاعلة في الثورة في تحمل مسؤولياتها، والعمل على استعادة القرار الوطني بتفعيل العامل الذاتي، واستنهاض الوطنية السورية وفق آليات واقعية، والاتفاق على رؤية سياسية تكون المرجعية العامة للحل السياسي وغيره، وتقديم تقارير مالية تفصيلية عن مصادر التمويل وأبواب الإنفاق، وإعادة النظر بالنظام الأساسي باتجاه منح الهيئة السياسية صلاحيات واضحة، وتعديل بعض النصوص وفقاً للتجربة وضرورات العمل الجماعي ـ التحالفي، وانتخاب هيئة سياسية تمثل معظم مكونات الإئتلاف الرئيسة بشكل عادل، وبعيد عن الشللية، والطبخات الجانبية، وإعادة النظر بتسمية وتشكيل اللجان وتفعيل عملها، وتكريس منهج الرقابة والمحاسبة في جميع الأمور المالية منها والمهام وعمل اللجان وبرامجها ..
إن إعادة الثقة بين مكونات الإئتلاف، والتوجه نحو المهام الملحة، والارتقاء إلى مصالح الوطن المهدد بكل الأخطار.. يمكن أن تكون بداية جديدة، وجدّية لانطلاقة الإئتلاف.. آملين أن يستجيب جميع الأخوة لنداء الوطن في ظرف عصيب، وأن تكون روح الثورة والانحياز لها، واستعادة القرار الوطني.. دافعنا جميعاً ..
الإئتلاف أمام امتحان مصيري.. فإما أن نعمل معاً ـ وعبر جميع مكوناته ـ للنهوض به.. وإلا فإن البقاء فيه وفق واقعه الحالي يصبح عبئاً على المبادئ والأهداف، والثورة ..
الكتلة الوطنية الديمقراطية السورية
الهيئة التنفيذية