ضرورة استثمار ما حققه فريقنا الوطني لكرة القدم في قطر لاستنهاض همم ناشئتنا
ضرورة استثمار ما حققه فريقنا الوطني لكرة القدم في قطر لاستنهاض همم ناشئتنا المتعلمة وتحفيزها على تحقيق أفضل النتائج في تحصيلها الدراسي
وأنا أفكر في تحرير هذا المقال، وافني الأخ الفاضل الأستاذ الحسن جرودي بفيديو يصور صبية مغربية تبكي تعثر منتخبنا الوطني بعد هزيمته أمام المنتخب الفرنسي ووالدتها تواسيها ، وتخفف من وقع الهزيمة في نفسها . ومن ضمن ما قالته الصبية المسكينة : " الفرنسيون لا يذهبون إلى المسجد، ولا يصلون ومع ذلك فازوا علينا ، ونحن نذهب إلى المسجد ونصلي ولكننا فشلنا " .
ولقد حاولت الأم أن تسلي حزن ابنتها وهي تذكرها بما حققه منتخبنا الوطني من نتائج ،وقد فاز على فرق عتيدة إلا أن الصبية المسكينة ظلت تنتحب ودمعها يسيل مدرارا .
والذي استوقفني في كلام هذه الصبية هو أنها قرنت بين ارتياد المساجد للصلاة وبين الربح والخسارة في لعبة رياضية ، وقد يكون ذلك مما رسخ في ذهنها عبر وسطها العائلي ، أو عبر المؤسسة التربوية التي تزاول فيها تعلمها أو عبر ما يروج في محيط بيئتها الاجتماعية أو عبر الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي.
المهم عندي أن هذه الصبية البريئة صادقة في شعورها الوطني ، تتفاني في حب وطنها وقد تمنت لمنتخب بلادها أن يبلغ آخر مشوار في مسار نجاحه ، ويحصل على كأس العالم ، وفي نفس الوقت عبرت بعفوية وبراءة عن تشبثها بهويتها الإسلامية . والصبية معذورة في ربطها بين المسجد والصلاة وبين الفوز في لعبة رياضية لأنها شاهدت اللاعبين يسجدون عقب كل مباراة ، وشاهدت الجمهور المتابع لهم يرفع أكف الضراعة إلى الله عز وجل ويدعو لهم بافوز ، ووقر في ذهنها أن الله تعالى كما يطلب في كل أمر لماذا لا يطلب للفوز بكأس العالم ؟
وأريد أن أشير هنا إلى بعض الفيديوهات التي ظهر فيها دعاة ملتحون يعيبون على الناس متابعة مباريات الموديال الشاغلة لهم عن الصلوات والذكر ... وعابوا على اللاعبين السجود عند نهاية المقابلات التي كانوا يخوضونها ، وعابوا على من كانوا يدعون الله لهم بالفوز، وقد نجد من هؤلاء في فيديوهات أخرى يقولون للناس إن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يسألون الله تعالى حتى ملح الطعام . ولا ندري ما المانع الشرعي من أن يطلب المسلمون الفوز بكأس العالم أو بلقب من الألقاب أو برقم من الأرقام القياسية في مختلف الرياضات ؟ وهل ذلك من المحرمات التي لا يجوز لهم أن يسألوها ربهم سبحانه وتعالى ؟
ولقد حدث خلاف بين دعاتنا وعلمائنا في موضوع متابعة المونديال والاحتفاء بفوز منتخبنا ، وتضاربت مواقفهم بين من أجاز المتابعة والتشجيع ، وبين من أنكر ذلك بل من هؤلاء من ذهبوا بعيدا في الإنكار مع أنهم في أحوال أخرى يذكرون ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم من تعليم أبنائنا السباحة والرماية وركوب الخبر ، وأنه كان عليه الصلاة والسلام يصارع صحابته ويصرعهم ، ويسابق زوجه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فيسبقها وتسبقه ، ولا ندري كيف سيوفق هؤلاء بين مواقفهم المتضاربة هنا وهناك ؟
هذا ،وأعود بعد ذلك إلى الموضوع الذي عقدت العزم على طرحه في هذا المقال، وهو ضرورة استثمار ما حققه منتخبنا الوطني لكرة القدم في مونديال قطر لاستنهاض همم ناشئتنا المتعلمة وتحفيزها على تحقيق أفضل النتائج في تحصيلها الدراسي . وسأنطلق من نفس فيدو الصبية التي بكت لأننا لم نصل إلى الدور النهائي في المونديال ، ولأننا حرمنا من نيل كأس العالم ، وهو سلوك إيجابي يعكس طموحها الكبير ،وحبذا لو استثمرته والدتها ، ونتمنى أن تكون قد فعلت ، وذلك بنقل صغيرتها من الرغبة الملحة في تحقيق الفوز في لعبة كرة القدم إلى الرغبة في تحقيق أفضل النتائج في تحصيلها الدراسي ، وما أظن تلك الصبية إلا جادة مجتهدة ، كما أنها من الذين يبكون إذا لم يتبوءوا المراتب الأولى في امتحاناتهم وفي نتائجهم .
وأول ما يلزم الوزارة الوصية على قطاع التربية أن تحسن استثماره فرحة الناشئة المتعلمة بما حققه منتخبنا الوطني في قطر ،وأن تطلب من المربين القيام بذلك كواجب تربوي، ووطني، وديني ، وألا تحشر الناشئة في موضوع اختلاف مواقفهم بسبب خلافهم حول متابعة المونديال وتشجيع الفريق الوطني أو عدمه ،علما بأن فيهم من يحمدون ذلك ، و فيهم من ينكرونه . ولا يخفى ما للتحفيز من دور في إقبال الناشئة المتعلمة على التحصيل الجيد ، وهو ما لا تعيره وزارتنا كبير اهتمام ، وتكتفي برصد جوائز قليلة ، وهزيلة، بل وسخيفة أحيانا في نهاية المواسم الدراسية ، ومن المؤسسات التربوية عمومية وخصوصية ما لا وجود فيها ، ولا ذكر للتحفيز ،وهي بذلك مجرد أوكار للتثبيط . ألم يكن التحفيز المادي للاعبي فريقنا الوطني سببا في بلاء اللاعبين بلاءهم الحسن في المونديال ؟ ألم تكن الرغبة تحذوهم للحصول على أكبر تحفيز مادي ؟
وعلى الوزارة الوصية أن تعيد النظر في مادة التربية البدنية التي ساء حالها في مؤسستنا التربوية ، وقد أهملت ملاعبها ، وقلت حصصها ، وقل أطرها ، وافتقرت إلى التجهيزات الضرورية ، وإنها قد كانت في العقود الماضية أفضل حالا مما هي عليه اليوم ،فلماذا لا تكون هذه المادة من المحفزات على جعل المؤسسات التربوية محاضن لإعداد أبطال الغد في مختلف الرياضات ، وعلى رأسها رياضة كرة القدم ؟
وعلى الوزارة الوصية أيضا أن تستثمر ما فاجأ به لاعبونا العالم من سلوكات راقية تعكس سمو قيمنا الإسلامية ، وذلك حين حرص هؤلاء على إظهار البر بالآباء والأمهات ، والتماس الدعم النفسي منهم في مواجهاتهم مع الفراق المنافسة ، وعلى إظهار الشكر والامتنان لله تعالى بسجودهم ، وكذا الشكر لمن كانوا يشجعونهم. وعلى الوزارة الوصية أن تستثمر افتخار المشجعين بالهوية الإسلامية حين كانوا يصدحون بالتوحيد، والتكبير، والتهليل، والصلاة والسلام على سيد المرسلين ، كما أنه عليها أن تستثمر مشاعرهم تجاه قضية المسلمين الأولى، وهي قضية أرض الإسراء والمعراج وبيت المقدس .
و إن ما يجب على الوزارة الوصية على الشأن التربوي ، يلزم أيضا الوزارة الوصية على الشأن الديني ، ويلزم كذلك الآباء والأمهات وأولياء أمور الناشئة المتعلمة لتنمية رصيدها من الاستقامة على السلوكات السوية ، والقيم السامية ، والعمل بكل جد واجتهاد للنهوض بهذا الوطن في كل المجالات . ومن يدري لعل ما حدث في المحال الرياضي في قطر سيكون إن شاء الله تعالى قاطرة مجالات أخرى تعيد لناشئتنا الثقة في نفسها ، وفي مؤهلاتها ، وتحررها من عقدة تفوق الغير علينا في كل المحالات ،وهي عقدة قد عششت في عقولنا وقلوبنا راشدين وناشئة ، وكبلت فينا كل إرادة ، وسلمتنا لليأس القاتل .
وفي الأخير على الجميع أن ينبه كل من زاويته ، ومن موقعه ومسؤوليته إلى ما يريده بنا غيرنا من جمود على التكاسل ، والتقاعس، والتهاون ، و التراخي والترهل ، وما يراد بقيمنا الإسلامية السامية من سوء ، وكيد ، ومكر خبيث ،وما يراد بهويتها من طمس، ومحو لتكريس التبعية المقيتة ، والخضوع والخنوع لما لا يليق بنا مما لا يمت بصلة إلى ديننا الحنيف .
وإن أملنا لكبير في الله عز وجل أن يجعل من هذا الذي حدث في قطر فألا، وسببا في نهضة تعيدنا إلى مجد تليد بناه أسلافنا من جديد وما ذلك عليه سبحانه وتعالى بعزيز .
وسوم: العدد 1011