يوم جمعةٍ آخر وأملٌ جديد

د.مصطفى يوسف اللداوي

د.مصطفى يوسف اللداوي

[email protected]

يوم جمعةٍ آخر، حزينٍ مكلومٍ باكٍ أليم، لا يحمل معه الفرج، ولا تباشير أملٍ، ولا أمارات تغييرٍ فيه تظهر،

يومٌ مكرورٌ كبقية أيامنا، ولا يختلف عن أيام الجمعة التي سبقت، ولا عن أيامنا التي مضت، لا فرق، كلهم سواء، غابت عنها البركة، وحلت فيها النقمة والنكبة،

أصواتٌ تعلو من مكبرات أصوات المساجد، تدعو المسلمين للتهيؤ لصلاة الجمعة والاستعداد لها، فقد أمرنا الله بالخروج إليها، والاستعداد، وعدم التخلي عنها حتى تقوم الساعة،

وحركةٌ لافتةٌ في شوارع المدن والقرى والبلدات والمخيمات، رجالٌ ونساء، كما أطفالٌ وصبيان، يمرون أمام ناظري في ديمومة حركةٍ لا تنقطع، ونشاطٍ فرحٍ لا يتوقف، رغم الجرح والوجع، ورغم الموت والفقد، والغياب والخطف، فلا شئ يوقفهم عن الحياة، ولا حدث يمنعهم من الفرح والأمل،

وأصواتٌ أخرى عاليةٌ غاضبة، مزمجرةٌ راعدة، تهز وتزلزل، وتمزق الصمت وتملأ السماء دخاناً أسوداً، ترتجف لها الأرض، وتهتز من هولها المساكن والبنايات، وتتطاير من شدتها الواجهات والشرفات،

أناسٌ يقتلون، وآخرون تتناثر أجسادهم وتتوزع أطرافهم، ويسيل دماؤهم، وتتوقف أنفاسهم، ويرحلون عن الدنيا التي أحبوها، والبلاد التي عشقوها، ويفارقون الأهل والأحبة الذين كانوا لهم فيها،

وطيور السماء تهرب، تحلق بعيداً عن أرضنا وتشرد، لا تريد بلادنا، وتكره العيش في أوطاننا، وتخاف البقاء في بيوتنا ودورنا، ولا تريد فتات الخبز، ولا حبات القمح والأرز التي نلقيها لها بأيدينا، فقد عافت طعاماً يحمل معه الموت، وبذوراً تشبه البذور ولكنها السم الزعاف، والموت الناقع، فحلقت بعيداً وعالياً وهربت، لتنجو من موتٍ لا تحبه، وهلاكٍ لا تريده،

جمعةٌ لا تختلف، ويومٌ آخر يشبه بقية الأيام، فكل أيامنا غدت واحدة، تشابهت واتفقت، واستوت واتسقت، فأخذت شكلاً واحداً، ورتماً منسقاً منتظماً، لا يشذ ولا يختلف،

لكنه يبقى يومٌ مباركٌ، يحبه الله ورسوله، وتحبه أمته وأتباعه، خلده الله في كتابه، وذكره في قرآنه،

هو خير يومٍ طلعت فيه الشمس، فيه تقوم الساعة، وفيه يبعث الناس من القبور،

وسيبقى مع الأيام خير أيام الله، فشهادة الله عز وجل شهادةٌ باقيةٌ حتى قيام الساعة، لا يغيرها بشر، ولا تبدلها السنوات، ولا تؤثر في حوادث الزمان،

فسيأتي يوم جمعةٍ آخر، يقف فيه الناس جميعاً في صعيدٍ واحد، أمام حاكمٍ عادل، وفي دولةٍ تقيم العدل، وتؤمن بالحق، وتحقق الخير والمساواة بين الناس،

ستكون أيام الجمعة القادمات مختلفة، ولن يكون فيها دمٌ يهرق، ولا أصواتُ متفجراتٍ ترعب وترهب، ولا حزن يملأ المكان، ولا سواد تتوشح به النساء،

بل ستكون زينةٌ، وثيابٌ جميلة، وعطرٌ طيبٌ فواح، وأفواجُ المؤمنين ستأتي إلى المساجد من كل مكان، تصطحب أطفالها، ويأتي معها صغارها، بأملٍ لا خوف فيه، ويقينٍ لا شك يزعزعه،

جمعةٌ مباركة، ويومٌ جديدٌ نفتتح فيه أيامنا، بدعاءٍ صادقٍ، وقلبٍ وجلٍ خائف، إلى الله العزيز الجبار القادر،

اللهم احفظنا وَعُدْ بنا إلى سني الأمن، وسنوات المحبة والسلام،

أعد إلينا البسمة، وجدد في قلوبنا الأمل، وازرع في نفوسنا اشراقة الغد،

زين اللهم بنا مساجدنا، وعمرها بالساجدين والعابدين من أمتك، ومن تهوي قلوبهم إليك،

واجعل يوم جمعتنا يوم عيدنا، كما كان عند العرب قديماً ... يوم العَروبة، يوم الزينة، تخرج فيه النساء والأطفال، والرجال والولدان والصبيان،

اجعله اللهم أجمل أيامنا وأكثرها سعادة، فيه نفرح ونزهو، وفيه نخرج ونلعب، وفيه نلبس أبهى ثيابنا، وأجمل ما عندنا، نتهيئ له، ونستعد لاستقباله، ونفرح ونهلل لقدومه .... آمين يارب العالمين.