الآثار النفسية السلبية للنشرات الجوية الإنذارية المتكررة
لا حديث بين المواطنين خلال أسابيع مضت من هذا الصيف إلا عن نشرات جوية إنذارية تغطي كل أيام الأسبوع منذ أول يوم منه . والطابع الغالب على طريقة الإخبار التي تقدم بها، هو اتسامها بالتهويل والمبالغة في التحذير باستعمال وصف اللونيين البرتقالي والأحمر الموحيين بدلالتهما على الخطورة ،كما هو شأنهما بالنسبة لحركة السير والمرور .
ومعلوم أن هذه الطريقة التهويلية التي تقدم بها تلك النشرات ، تخلف آثارا نفسية سلبية في نفوس من يتابعون ، ويمكن وصفها "بالطقسفوبيا "، وهو نوع من أنواع الخوف الذي ينتشر على أوسع نطاق بين أكبرعدد من الناس في أوقات معينة .
ولقد صارت هذه الفوبيا الطقسية مزمنة بالنسبة لكثير من الناس، حيث تنتابهم منذ ساعات الصباح الأولى قبل أن تسجل الحرارة درجاتها القصوى ، وهو ما يجعلهم يميلون إلى أقصى درجات الخمول والارتخاء والكسل ، الشيء الذي يؤثر أيضا على قيامهم بأعمالهم وواجباتهم اليومية على اختلاف أنواعها ، بشكل اعتيادي ،ويتزامن ذلك مع إدمانهم على استهلاك مياه ومشروبات في أقصى درجات البرودة في فترات زمنية جد متقاربة ، وهو ما يزيد من ارتخائهم وترهلهم . ومن الأثار السلبية أيضا إدمانهم على المكيفات والمروحيات ، وقد تتسبب لدى الكثيرين في أنواع من الأمراض بسبب التفاوت الكبير في درجات الحرارة خارج وداخل الأماكن المكيفة .
ومقابل الشرائح التي تعاني من الطقسفوبيا ، وهي من مختلف الأعمار، وتتركز في مدارات حضارية ، نجد شرائح أخرى غير مبالية بالنشرات الجوية الإنذارية ، وهي توجد إما في أحياء شعبية أو في قرى وبواد، تمارس أعمالها اليومية بشكل طبيعي غير مبالية بالحر لأنه أمر طبيعي خلال فصل الصيف .
ومع أن بعض المناطق معروفة بارتفاع درجة الحرارة فيها صيفا بحكم موقعها الجغرافي، إلا أن أسلوب التهويل الذي يطغى على النشرات الإخبارية الجوية ، يوهم بأن درجات الحرارة فيها غير عادية ، الشيء الذي يكرس الطقسفوبيا . والغالب على تلك النشرات، هو تغييب الإرادة الإلهية بالرغم من كون مرجعيتنا إسلامية ـ يا حسرتاه ـ ذلك أنه لا وجود لأثر في نفوس الناس وهم يتلون قول الله تعالى : (( كل يوم هو في شأن )) أو قوله تعالى : (( ذو العرش المجيد فعال لما يريد )) أو قوله تعالى : (( الله لطيف بعباده )) ... إلى غير ذلك من الآيات الدالة على المعية الإلهية التي لا تغيب عن الخلق طرفة عين ، ولا أدنى من ذلك . ومع تغييب هذه المعية الإلهية ، يغفل الخلق عن اللجوء إلى خالقهم سبحانه وتعالى إذا ما أحسوا بقساوة الطقس حرارة أو برودة . وإذا كان الله تعالى قد أمر بلجوء الخلق إليه في حالات الاضطرار ، ووعد هم بكشف السوء كما جاء في قوله عز من قائل : (( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء )) ، فإن الخلق اليوم منشغل بما تبثه النشرات الجوية من تهويل ناسيا مدبر أمره سبحانه وتعالى ، غافلا عن اللجوء إليه بالدعاء، وهو مضطر إلى كشف ما به من سوء . ولقد حاول بعض خطباء الجمعة تنبيه الناس إلى سوء الأدب مع الله تعالى من خلال ما يصدر عنهم من عبارات معبرة عن تذمرهم من شدة الحر صيفا ، وهو قدره سبحانه وتعالى ، وقد جاء في أوانه . ومن جهالة بعض الناس أنهم يصفون حرارة الصيف بجهنم ، وكأنهم لا يعرفون شيئا عن الأوصاف التي وصفها بها الله تعالى في محكم التنزيل وهم يتلونه ، ولا يفكرون في استغفار ربهم عما يصفون به قدره جهالة ، ولا يتعوذون من جهنم التي يستخفون بها إذ يشبهونها بحرارة صيفهم .
وخلاصة القول أنه يجب على المسؤولين عن الإعلام أن يقلعوا عن أساليب تهويل التحولات المناخية ، وأن يستحضروا الآثار السلبية لها في نفوس المواطنين ، كما أنه يتعين على هؤلاء ألا يخذوها على محمل الجد، وأن يتعاملوا مع حرارة الصيف كما درجوا على ذلك في السابق ، وألا ينسوا الاستقامة لخالقهم الذي وعدهم باستجابة دعائهم وهم عليها مصداقا لقوله تعالى : (( وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا )) ،وإنه سبحانه الذي وعد بالماء الغدق، وهو الماء الكثير الطاهر في حال الاستقامة ،قد وعد أيضا بغير ذلك من نعمه التي لا يحصيها العد ، وإنه جل في علاه يكشف السوء ، ويطلّف على الخلق جوهم مع كل حر أو قر . اللهم إنا نستغفرك من كل سفه وإثم فينا ، ومن كل انحراف عن صراطك المستقيم ، ونسألك سؤال المضطرين أن تتداركنا بألطافك الخفية ، يا أرحم الراحمين ، ويا رب العالمين .
وسوم: العدد 1045